هل يتغير العالم مع تغيرات السياسة الأمريكية؟ (2 من 2)
التغيير الأكبر في السياسة الأمريكية بالنسبة لنا كعرب هو أن أوباما يتخذ سياسات تخالف سياسة بوش فيما يتعلق بإسرائيل. وبينما كان بوش يعتبر إسرائيل صديقا مهما وحليفا أساسيا حرص أوباما على أن يضع مناطق فاصلة بينه وبين إسرائيل، ومنها عدم دعمه لحليفه الرئيس السابق حسني مبارك الذي تفضله إسرائيل، ومنها تكرار إهانته لنتنياهو وهدد مرارا بالتوقف عن دعم إسرائيل في الأمم المتحدة وكشف الستار عن موقف إسرائيل النووي، وللإنصاف فإن هذه الاتهامات من صنع أنصار إسرائيل الذين بالغوا عندما ألقوا على أوباما مسؤولية تحريض الفلسطينيين ضد إسرائيل وكأن الفلسطينيين في حاجة إلى من يذكرهم بحقوقهم ومطالبهم. غير أن اليهود يقولون إن أوباما هو أول من طالب إسرائيل بالتخلي عن القدس وهو ما لم يجرؤ رئيس أمريكي سابق على فعله. ويفسر جيتس ذلك بأن الأمر لا يتعلق بأوباما وإنما بالولايات المتحدة، بل إن الرئيس الذي سيخلف أوباما سيفاجئ العالم بالمزيد من الانسحابات والتنازلات ربما إلى حد العودة إلى مبدأ مونرو - الرئيس الخامس لأمريكا - الذي قال إن أمريكا للأمريكيين ولا شأن لهم بما يجري خارجها. وقال مناصرو إسرائيل الخائفون من تلاشي سلطة الرئيس الأمريكي الدولية باعتبارها المظلة الضامنة لعربدتهم - إن أوباما هو الذي يشجع الفلسطينيين على إعلان الدولة بنهاية عام 2011، بل إنه أول من طالب الفلسطينيين بالتمسك بأن يتعهد الإسرائيليون بقبول حدود عام 1967 قبل التفاوض. وقال الإسرائيليون كذلك إن أوباما لم يتعرض للتعهد الفلسطيني بتدمير إسرائيل، بل شجع فكرة عودة اللاجئين - وكلها أمور أخرجته تماما من الإطار الذي صنعه جورج دبليو بوش.
وتوقع خبراء أن ينسحب أوباما من العراق وأفغانستان كمقدمة لسياسة التراجع والتباعد والانكفاء على المشاكل الداخلية المتفاقمة، خاصة مشاكل الصحة والتعليم والتضامن الاجتماعي.
على صعيد العلاقات مع الدول، يرى أنصار فكرة التغيرات الخارجية أن واشنطن لن تتجاوز الحديث عن العقوبات والتي تراها إسرائيل - المحرض الأعظم على الحرب - غير كافية، كما أن علاقته بروسيا امتداد لموقف بوش الذي كان يرى أهمية عدم الارتطام بالروس. كذلك يحرص أوباما على التقارب مع سورية على أي وضع وبغض النظر عن النظام الحاكم فيها.
ومن أبرز التغيرات تخلي أوباما عن الرئيس المصري حسني مبارك؛ وذلك تمشيا مع ما أعلنه بوش وكوندليزا رايس عن الفوضى الخلاقة والتحولات الديمقراطية، وهو تغير ملموس عن السياسة النمطية الأمريكية التي تقف حيث يوجد لها مصالح مباشرة.
أما ما فعله أوباما في ليبيا فهو دليل على اتخاذه مواقف غير مسبوقة، فقانون سلطات الحرب War Powers Act الذي صدر منذ 30 عاما ينص على أن يستشير الرئيس الكونجرس قبل دخول أي حرب، وفي الحالة الليبية لم يستشر أوباما أحدا عندما دخل في حرب لا تخدم المصالح الوطنية الأمريكية.
ويذكر أن جيتس انتقد التدخل الأمريكي في ليبيا وقال في مقابلة صحفية: "إن معمر القذافي لا يمثل أي تهديد للمصالح الأمريكية، ولا توجد مصالح حيوية يخدمها التدخل الأمريكي في ليبيا".
وهنا يثور التساؤل هل كل هذه التساؤلات نتاج رؤية شخصية لأوباما، أم أنها ضرورات تغيير لا يمكن لفرد أو إدارة تجنبها؟
إن حديث جيتس يقدم بعض الرد وهو يؤكد أن تحولات كبرى في طريقها إلى السياسة الأمريكية ومن بعدها إلى العالم.
وإذا أوردنا ما يقوله الرئيس أوباما عن نفسه من أنه جاء لتغير أمريكا والذي يعتبره أهم من كسب فترة رئاسية ثانية، لتأكدنا أن وراء السحب تغيرات ورياح وعواصف وأمامه مشاكل داخلية كبرى تتمثل في برنامج الرعاية الصحية المتكامل والذي يصر على تنفيذه حتى ولو كان الثمن خسارة الانتخابات، وهو ينوي إدخال تعديلات جوهرية على قانون الهجرة إلى أمريكا وعلى السياسة العمالية والأمن الاجتماعي وسياسة البيئة.
ولكن المجال الواسع والكبير الذي يعطي الرئيس الأمريكي صلاحيات التغيير والتعديل وهو مجال السياسة الخارجية؛ ولذلك فمن المتوقع حدوث تحولات هائلة مع إيران وأفغانستان التي أعلن أوباما نيته الانسحاب منها كما حدث في العراق، بل إنه يسعى لإقرار السلام مع طالبان وهو ما يعتبره الجمهوريون هزيمة صريحة لأمريكا.
وهناك حديث عن دور خليفة جيتس وهو ليون بانيتا الذي يقال إن دوره ستوجه إلى تقليص ميزانيات الدفاع بما يجعل الولايات المتحدة عاجزة عن القيام بمهام قوة عظمى مهابة.
وقد تحدث بعض المحللين عن أوباما ووصفوا سياسته الخارجية بالسذاجة وعدم الكفاءة والنزعة لإضعاف الولايات المتحدة وتحقيرها وتحطيمها معنويا.
وربما حدث ما أعلنه البعض من توقعات، وربما كان ذلك من قبيل ضغط خصومه عليه، خاصة إسرائيل التي تضغط بشدة لتحصل على مزيد من المكاسب.