«كرافت» تنقسم إلى شركتين.. ماذا يعني ذلك؟

أعلنت خلال الأيام الماضية كرافت أكبر شركة منتجات غذائية في العالم عن نيتها لتقسيم الشركة العملاقة إلى شركتين، شركة شمال أمريكا وشركة كرافت العالمية التي تخدم أسواقا خارج الولايات المتحدة الأمريكية، وحسب الخبر فإن الشركتين ستكونان في الطرح العام قبل نهاية عام 2012.
والخبر يستحق المتابعة والتحليل، ولعل مفاجئة الخبر للمتابعين من ناحية التحليل، يأتي لعدة أسباب أهمها أن استراتيجية الشركة الواحدة التي طبقتها كرافت عند إبرامها لأشهر الصفقات في قطاع الأغذية، وقامت حينها بشراء شركة الشوكولاتة البريطانية كادبري بعرض استحواذ بقيمة 11.7 مليار جنيه استرليني (18.6 مليار دولار) لتصبح ''كرافت'' أكبر شركة لصناعة الحلويات في العالم، هذا الاستحواذ كان قبل 18 شهرا فقط!! وكانت استراتيجية كرافت في ذلك الاستحواذ وتكوين مفهوم الشركة الواحدة يقوم على تخفيض في التكاليف يصل إلى نحو 370 مليون جنيه استرليني، وطبعا يتلاءم مع النظرية التقليدية في أن تخفيض التكاليف دائما يأتي كأول المحفزات على الاندماج أو الاستحواذ خصوصا أن ذلك التخفيض غالبا ما يعود بالإيجاب على ربحية الشركة وزيادة عوائد ملاكها.
كذلك فإن الملاحظة أن تقسيم الشركة إلى شركتين جاء على نحو جغرافي، وإن كان الخبر يحاول طرحها على أساس التقسيم على أساس المنتجات، فإنه لا يزال يوحي بشكل واضح أن الفكرة تكمن في فصل عمليات الولايات المتحدة عن أعمال كرافت العالمية بمراكز مالية مستقلة، وهو يخدم بلا شك استراتيجيات معين لها علاقة بمستويات المخاطرة في الدول المختلفة تحديداً مستوى المخاطر النظامية Systematic Risk‏ التي تهتم بقياس المخاطر في الاقتصاد و السوق لدولة معينة، وفي حالة «كرافت» فإن هذا التوجه مبرر من وجهة نظري بحكم مستويات المخاطرة المتزايدة على مستوى الاقتصاد الكلي الأمريكي في ظل المخاوف من دخوله في مرحلة كساد، وطبعا فإن كرافت تأتي في مقدمة الشركات المتعددة الجنسيات التي لها القدرة على قراءة مستقبل الأحداث والعمل على تقليل نسبة المخاطرة حسب قراءتها لاستثماراتها داخل الدول، إضافة إلى ذلك فإن معرفة نوعية المستثمرين أو الملاك الرئيسيين في «كرافت» يدعم وجهة النظر بأن المخاطر النظامية هي في قائمة الأولوية عند تقييم الاستثمار، فقائمة الملاك تضم صناديق استثمارية وليس أفرادا أو شركات محددة، أضف إلى ذلك معرفتنا لأكبر حملة الأسهم في كرافت: السيد وارن بوفيت أو شركة ''بيركشاير هاثاواي'' التي تملك 6 في المائة من كرافت، وبوفيت يدعم بشكل كبير تقسيم الشركة إلى شركتين!! على الرغم من أنه قال قبل أيام إنه لم ولن يغير تصنيف الولايات المتحدة ردا على تخفيض ستاندارد آند بورز لتصنيف الولايات المتحدة الائتماني!!
من جهة أخرى، فإن هناك تحليلا آخر بأن توجه «كرافت» قد يرتبط بمعدلات الضريبة التي تنوي حكومة أوباما فرضها ضمن خطط تخفيض الإنفاق وزيادة الموارد في جهودها لتخفيض العجز في الميزانية وفاء لعهودها أمام الكونجرس عند رفع سقف الدين قبل أسبوعين، ولكن في النهاية قد تكون كرافت وجدت أسباباً كثيرة لتحمي ربحيتها العالية من الأسواق الناشئة أو الأسواق العالمية بشكل أشمل من خلال استراتيجية تقسيم الشركة إلى شركتين على نحو جغرافي، ولعل تأثير ربحية العمليات الدولية للشركات الأمريكية بات واضحا خلال النتائج الربعية مقارنة بالربحية من السوق الأمريكية وأعلنت ذلك العديد من الشركات على رأسها وال مارت.
ولعل ما يدعوني إلى توقع وتحليل مبررات تقسيم شركة كرافت على مستوى المخاطر النظامية، هو أنه في مثل هذه الأوقات لا يتحمل ملاك الشركات وتحديدا مجالس الإدارات أخطاء الرؤساء التنفيذيين الإدارية خصوصا على مستوى استراتيجية الشركات، بمعنى، أنه لو أن مجلس إدارة شركة كرافت على قناعة اليوم بأن مفهوم الشركة الواحدة غير مجد بعد 18 شهرا فقط من تطبيقه، بمعنى أنه كان قراراً استراتيجياً خاطئاً، فإن مجلس الإدارة سيقوم على الفور بإقالة السيدة إيرين روزنفيلد، الرئيسة التنفيذية لشركة كرافت، خصوصا ونحن نعلم أن السيدة إيرين روزنفيلد هي من جاهدت وحاربت لأجل إتمام صفقة استحواذ «كرافت» على «كادبري» قبل 18 شهرا وهي صاحبة استراتيجية الشركة الواحدة. ليس هذا فحسب بل إن مجلس إدارة الشركة ممثلا بأكبر وأهم وأنجح مستثمر في العالم وارن بوفيت يدعم قرار رئيسة الشركة بالتقسيم. لا أتوقع أن يتحدث أحد بهذا الحجم لأن القرار لم يكن له علاقة بالمخاطر النظامية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي