مشهدان مروعان وشواهد مفرحة

1 ــ لا حول ولا قوة إلا بالله، عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، هذا ما يمكن قوله حيال ما يتعرض له إخوتنا في ليبيا وسورية تحديدا من ترويع في هذا الشهر الكريم، وأكثر ما يؤلم ويحزن ويحز في النفس أن ما يتعرضون له من قتل وتدمير وترويع هو من ذوي القربى، ففي ليبيا يقاتل الشعب من أجل استعادة حريته واستقلاله اللذين سلبا على مدى أربعة عقود لنزوات شخص واحد وصل به الأمر إلى أن ينصب نفسه ملك ملوك إفريقيا ويصف نفسه بالزعيم الكوني الذي لا يسأل عما يفعل تحيط به مجموعة منتفعين قدموا مصالحهم ومنافعهم على انتمائهم لشعبهم الذي يقتلونه ويجلبون لقتله مرتزقة في شهر كريم مبارك، وهذا أدى إلى نتيجة هي فوضى خلطت فعلا الأوراق وأمنت مداخل لكل ذوي المصالح والنوايا والمخططات التآمرية لدس أصابعهم فيما يجري، فهبة حلف الناتو مثلا بحجة مساعدة الشعب الليبي هي حق أريد به باطل، والحق فيها نصرة الشعب، أما الباطل فهو في استغلال الفرصة لتدمير ما يمكن تدميره من بنية تحتية ومرافق عامة حتى يأمنوا لأنفسهم عقود إعادة إعمار طويلة الأجل وباهظة التكاليف ارتكازا على أن ليبيا منتجة للنفط ومن النوع الفاخر والقريب من أسواقهم.
أما في سورية فالمشهد لا يقل إيلاما، فالنظام الذي لم يستطع بكل الفرص التي أتيحت له معالجة الأمور بحكمة وروية وحس بالمسؤولية الوطنية، أزال عن وجهه قناعه المبتسم ليظهر وجهه الحقيقي المكفهر القاسي، ويشهد على ذلك ما تنقله المشاهد المصورة من عمليات قتل وتعذيب بشعة للمتظاهرين، واقتحام للمدن والقرى بقوات أمن وجيش ومعهم ما يعرف بالشبيحة وحجم شراستهم وعنفهم وكأنهم يقاتلون عدوا مدججا بالسلاح، لمواجهة جماهير سلاحها حناجرها، لكن ذنبها في عرف النظام أنها طالبت بالإصلاح وتغيير وضع لم يعد مقبولا ولا متناسقا مع نسائم ربيع عربي فتح نوافذ الحرية وكسر عقدة الخوف.
2 ــ بقدر أن ما يجري من أحداث في جزء من عالمنا العربي وما تعانيه بعض شعوبه من جور أنظمتها بعد ظلمها لها عقودا طويلة، وما تعكسه من مشاهد مؤلمة، خاصة نحن في شهر رمضان المبارك، يعكس هواجس خشية من فوضى وخوف من نتائج غير مقدور على ضبطها والتحكم في مجرياتها، إلا أن هناك ثقة بأن الشعوب التي ثارت على ظلامها وخرجت حاشدة محتشدة بصدور عارية وقدمت الضحايا وواجهت عنفا دمويا من أجهزة قمعية تكون أفظع شراسة في حالة التمرد عليها، وثباتها وصمودها ووعيها بالثمن الذي تقدمه والملحمة التي تسطرها، ستبنى مستقبلا مشرقا لأمة جديدة فكرا وشعورا ووعيا، ولن تعود للماضي والتاريخ المشوه بكل ما فيه من فرقة طائفية وتشرذم متخلف كما حدث ويحدث في العراق بعد غزوه واحتلاله، فهؤلاء الشباب طليعة هذا الربيع العربي ومن خلفه جماهير عريضة هم جيل المعرفة وجيل الوعي غير الملوث بعقد طائفية وعرقية ومناطقية، فإذا كان هناك من قوى خارجية تعول على استبدال الحكم المتسلط بفوضى تقود لتفكك شعوبنا ودولنا العربية، فأظنهم يتوهمون وغير قادرين على استيعاب وفهم جوهر هذا الربيع العربي.
3 ــ خير شاهد على ذلك مسارعة العدو الصهيوني لتقديم اعتذار لمصر وتوسل للمجلس العسكري الحاكم بعدم التصعيد عقب مقتل خمسة جنود مصريين على الحدود، فما تعودنا اعتذاره في حالات كهذه، وخبرنا صلفه وغروره، لكنه اليوم بات يدرك أنه في مواجهة شعوب ربيع يشع كرامة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي