تأملات رمضانية (4)

- يأبى شهر رمضان المبارك، إلا أن يتحفنا بفضائل، تشكّل زادًا روحيًا، تطمئن به القلوب‏، وتشيع في النفوس أمنًا وأمانًا وسلامًا‏، حين يؤدي المرء واجباته كاملة‏، وحين تنتعش الذاكرة بأيام مجد خالدات‏، سطرها تاريخ أمتنا الإسلامية في أيامه المباركة‏.
- فما أعظم فضائل شهر رمضان المبارك!‏ ذلك الشهر الكريم، الذي نؤدِّي بصيامه أحد الأركان الخمسة لديننا الحنيف‏، الذي يغرس في نفوسنا قوة الإرادة‏، وصدق العزيمة‏، لنحظى، بمشيئته تعالى، بجزائه الأوفى مصداقًا لقوله تعالي في الحديث القدسي‏:‏ ''كل عمل ابن آدم له‏، إلا الصوم فإنه لي‏، وأنا أجزي به‏''؛ و''الصيام جُنَّة‏''(‏وقاية‏)؛‏ وقال الرسول الكريم‏ - ‏صلى الله عليه وسلم‏:‏ ''الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة''‏.‏
- وما أجلَّ فضائل شهر رمضان المبارك‏!‏ حسبه شهر أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان‏، وحسبه أيضًا تتويج لأيامه ولياليه بليلة القدر المباركة، التي قال عنها القرآن‏:‏ (ليلة القدر خير من ألف شهر)‏، والخير هنا يأتي من عبادة الله - سبحانه وتعالي - في هذه الليلة‏، أي كأنك تعبد الله (‏83)‏ عامًا وبضعة شهور‏، وهو متوسط الأعمار للبشر في بلاد كثيرة من العالم‏، أي أنها منحة ربّانية؛ لعباده الصائمين والعابدين‏، فضلاً عن هذا الثواب الكبير، هناك قيمة مُضافة، قال الصادق الأمين: ''من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا‏، غفر له ما تقدم من ذنبه‏''.
- أيضًا في هذه الليلة المباركة، جائزة كبرى لمن دعاه - سبحانه وتعالى - فإن دعاءه مجاب بإذن الله تعالى‏، شريطةً أن يكون العبد قريبًا جدًا إلى الله‏ تعالى؛‏ لأن الله - سبحانه وتعالي - قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه‏؛‏ فالاقتراب إلى الله تعالى أمر مهم جدًا؛‏ لأن الله - سبحانه وتعالى - طلب هذا الاقتراب‏، فكيف لا يستجيب العبد ويكون قريبًا من الله عزَّ وجلَّ‏؟!‏ فكما فضّل الله - تعالى - بعض الأماكن على بعض، والأيام على بعض، والشهور على بعض؛ اختص - جلّ وعلا - هذه الليلة بما لم يختص به غيرها من الليالي‏، فهي ليلة القدر التي اختارها الله؛ لتشرق فيها الدنيا بنور القرآن دستورًا للحياة وهداية للناس‏..‏
- إن ليلة القدر ليلة رجاء وقبول‏، ولكن للفوز بنفحات هذه الليلة المباركة شرطًا مهمًا، هو الإيمان الكامل بالله - سبحانه وتعالي - وأداء فرائض الله كما يريدها الله أن تؤدَّى والالتزام بحدود الله - عز وجل - وهنا يتقبل الدعاء.. إنها ليلة تفتح فيها أبواب السماء لإجابة الدعاء للموعودين‏.‏ والموعودون هم الذين استجابوا لله سبحانه وتعالي‏، فاستجاب الله لهم‏، هؤلاء الذين استقاموا كما أمروا‏، وهم الذين أسلموا وجوههم إليه فتكفل بهم‏.‏ إن هؤلاء إذا سألوا الله أعطاهم‏، وإذا استعانوا به أعانهم‏، ورب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره‏..!
- فالحمد لله الذي أحيانا للقاء شهر رمضان؛ والحمد لله الذي هدانا لحمده‏، وجعلنا من أهله‏، لنكون لإحسانه من الشاكرين‏.
وهذا دعائي في ليلة القدر أن يقبل الله دعاءنا في هذه الليلة المباركة وفي كل الليالي:
- اللهم كما أعنتنا على صيام الشهر بكف الجوارح عن معاصيك‏، واستعمالها فيما يرضيك‏؛ وفقنا فيه إلى أن نصل أرحامنا بالبر والصلة‏، وأن نتعاهد جيراننا بالأفضال والعطية، وأن نخلص أموالنا من التبعات‏، وأن نطهرها بإخراج الزكاة‏.‏ - اللهم إني أسألك بحق هذا الشهر‏، وحق مَنْ تعبَّد لك فيه من ابتدائه إلى وقت فنائه‏، من ملكٍ قرّبته أو نبي أرسلته أو عبد صالح اختصصته؛ أسألك أن تصلّي علي محمد وآله وأن تجنِّبنا الإلحاد في توحيدك‏، والتقصير في تمجيدك‏، والشك في دينك‏، والعمى عن سبيلك‏.‏
- اللهم نرجو عفوك‏، وإذا كان لك في كل ليلة من ليالي شهر رمضان هذا رقاب يعتقها عفوك‏، أو يهبها صفحك‏؛ فاجعل رقابنا من تلك الرقاب‏.‏. اللهم آمين يا رب العالمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي