أهمية انتقاء وتأهيل مدربي الفئات العمرية
يجب على مدرب الناشئين تنفيذ جميع الإجراءات التعليمية والتربوية، وأن يتمتع بالسمات والقدرات الخاصة والمعارف التي تمكنه من قيادة العملية التدريبية دائماً للوصول باللاعب إلى الحالة المثالية، وعليه دراسة خصائص مراحل النمو للناشئين، وتعلم أساليب ومبادئ التدريب، وأن يكون من الذين يبحثون عن العلم مدى الحياة وعليه أن يعمل جاهداً لتعليم اللاعبين أسس وقواعد اللعب الصحيح، ويعلمهم احترام قانون اللعبة.
ليس كافياً أن يكون أحد النجوم في عصره أو أحد أبرز اللاعبين الذين أثروا الملاعب بفن راقٍ أو من يحملون الشهادة الأولية في تدريب كرة القدم أن يشفع له ذلك ليكون مدرباً للناشئين، ففئات البراعم والناشئين والشباب هي فئات لها متطلبات يجب أن تتوافر في الشخص الذي يعمل في التدريب فيها، لأهمية هذا القطاع، ولذلك المدربون الذين يعملون في هذا القطاع يجب أن تكون لديهم القدرة على العمل في مجال التدريب بالواجبات والخصائص والسمات والمعارف والدوافع التي ترتبط بشخصية المدرب وطبيعة عمله حتى يصبح في مقدورهم إعداد أنفسهم لمثل هذا العمل، لأن المدرب المؤهل هو الذي يتولى قيادة عملية التربية والتعليم للاعبين في هذه الأعمار، ويؤثر تأثيراً مباشراً في تطوير شخصياتهم بصورة شاملة ومتزنة وبالطبع تتأسس عملية تربية وتعليم الناشئين على مقدار ما يتحلى به المدرب الرياضي من قيم وخصائص وسمات وقدرات ومعارف ومهارات ودوافع وإلمام بالنظم والقواعد والقوانين والمفاهيم والقيم والعادات السائدة في مجتمعه وأن يكون مثلاً أعلى يحتذى به في جميع تصرفاته ومعلوماته، متمسكا بمعايير الأخلاق كالأمانة، الشرف، العدل، المثابرة، الولاء، المسؤولية، والصدق.
وهنالك نقطة مهمة أود الإشارة إليها وهي أن كان البرعم أو الناشئ قد مارس كرة القدم من عمر 6 إلى 13 في البيت أو في الحارة أو في أي زنقة أو في المدرسة، وتعلم مهارة أو سلوكا خاطئا في الأداء أو في التصرف أو حتى في أخلاقياته، فحينما يتعامل مع مدرب متخصص في هذه الفئات يستطيع هذا المدرب تصحيح وتعديل كل هذه الأخطاء بسهولة وتبديلها إلى مهارات صحيحة وسلوك قويم، ولكن إذا تعلم البرعم أو الناشئ أو حتى الشاب مثل هذه المهارات والسلوك الخاطئ من مدرب فيصعب على أي مدرب آخر في العالم أجمع أن يعيد صياغة هذه المهارات الفنية والسلوكية، لأنها ترسخ بصورة كبيرة في أذهان هؤلاء الصبية، خاصة إن كانت من مدرب كان في يوم من الأيام نجماً أو لاعباً مشهوراً، ونحن في العالم العربي نرتكب أخطاء مزدوجة في هذا المجال، فالمدربون الذين يحققون النجاح والدرجات العليا في دورات التدريب يدربون الأندية الكبيرة ذات الصيت والمال، والمدربون الذين يحصلون على درجات متوسطة يدربون أندية الوسط والأندية ذات الإمكانات المعقولة، أما الفاشلون والراسبون فيدربون البراعم والناشئين لذلك أنشأوا جيلاً هشاً في تكوينه البدني والفني، وفي بعض الأحايين الخلقي، لأن معظم هؤلاء المدربين هم من المدربين المتسلقين الذين يرغبون في سرعة الوصول إلى المستويات العليا دون بذل الجهد والعطاء، ودائماً ما يستخدمون الطرق الملتوية في الوصول إلى أغراضهم، ولذلك يحققون الفشل، ونحن ببراءة الأطفال نستعجب أن هذا المدرب كان من أحسن اللاعبين فكيف يفشل وسمعته السابقة تغفر له أخطاءه التي يرتكبها في حق أبنائنا، وأنا هنا أصر على أن يكون المدرب قد مارس كرة القدم، وليس شرطاً أن يكون نجماً لامعاً فـ (بيليه)، وهو من أعظم اللاعبين وأمهرهم لم يعمل مدرباً، ولكن بغض النظر عن هذا وذاك يجب أن يؤهل مدرب الناشئين التأهيل الكامل، وأعني هنا بالكامل بأن يأخذ دورات متخصصة في هذا القطاع لا تقل فترتها عن ثلاثة أشهر إن لم تكن متواصلة فلتكن متقطعة، وأن يدرس فيها العلوم المساعدة كعلم النفس الرياضي وعلم وظائف الأعضاء.. إلخ، ومن المهازل التي نعيشها أنني عرفت أن في إحدى الدول العربية أحد المدربين عقد دورة تدريبية مدتها خمسة أيام لتأهيل مدربين في قطاع الناشئين ومنحت لهم شهادات معترف بها (متوسطة).. أي جرم هذا الذي نرتكبه في حق أبنائنا.
نعود لنذكر بعض الخصائص التي يجب أن يختص بها المدرب مثل تميزه بالواقعية، وعدم الغرور، والإخلاص في العمل، وقدرته على التنسيق والتنظيم في المواقف الصعبة، والثبات الانفعالي، والتفكير العقلاني، والقدرة على اكتشاف الموهوبين، وهذا يتطلب تميزه أيضاً بالحماس والرغبة في تحقيق الأهداف المرجوة، ومن أهم هذه الميزات تميزه بالعدل، وعدم التفرقة بين اللاعبين، ويكون قدوة للاعبين والتعامل معهم بأمانة، وعدم التعدي عليهم لا بالقول ولا بالفعل، وأن يهتم بالثقافة الرياضية العامة والخاصة، ويكون مطلعاً على كل مستجدات العصر، وأن يستغل خبرته السابقة كلاعب في تجويد عمله، وفق السمات الشخصية الإيجابية مثل الثبات الانفعالي، الانبساطية، الصلابة، التحكم الذاتي التمتع بالسمات النفسية الإيجابية كالتنظيم، المثابرة، الإبداع، المرونة، القدرة على النقد البناء، وأن يكون قادراً على ضبط النفس، وكبح جماحها والسيطرة على انفعالاته، إذ إن سرعة الانفعال والغضب والعصبية وسرعة التقلب والحدة من العوامل التي تسهم في الأضرار البالغة بالعمل التربوي الرياضي للمدرب، وتساعد على التأثير السلبي لنفوذ وسلطة المدرب هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، فإن الانفعالات، كما يقولون، (معدية) أي ينتقل أثرها بسرعة، فظهور انفعالات الخوف والقلق والتوتر والاستثارة على المدرب سينتقل أثرها بصورة فورية على اللاعبين وبالأخص الناشئين، وبالتالي يصبح المدرب مسؤولا بصورة مباشرة عن تحكم اللاعبين في انفعالاتهم، وعليه بالتناغم الوجداني والتعاطف بما يحس به اللاعب ويتفهم لانفعالاته وتقدير وتفهم ما يعانيه، ويجب علينا أن نفرق بين "التناغم الوجداني" وبين "التعاطف أو المشاركة الوجدانية، لأن التعاطف يقصد به مشاركة المدرب للاعبين في انفعالاتهم ـ أي مشاركة وجدانية بغض النظر عن نوعها وأسبابها.
من بين أهم السمات التي تميز مدرب الفئات العمرية هي قدرته على سرعة اتخاذ القرار، خاصة في المباريات التنافسية التي تتطلب سرعة اختيار بين بعض البدائل اختيار بديل محدد بصورة رشيدة وعقلانية، وليس بصورة عاطفية أو انفعالية، وسرعة الملاحظة في مواقف التدريب أو المباريات والحكم عليها بطريقة موضوعية، وكذلك القدرة على سرعة اتخاذ قرار بتنويع أو تغيير التصورات الخططية أو سرعة التعرف على مكمن الأخطاء التربوية، وهذا يقودنا إلى أهمية الثقة بالنفس، فالمدرب الذي يتميز بثقته بنفسه وبقدراته ومعلوماته ومعارفه وخبراته يكتسب مركزاً قوياً بين اللاعبين، ويساعد على احترامهم له وتقبلهم لتوجيهاته، والثقة بالنفس تساعد المدرب على سهولة اتخاذ القرار وتقبل آراء اللاعبين دون حساسية مفرطة، والناشئون في عصرنا هذا يتفهمون مثل هذه الأمور بدرجة تشابه اللاعبين الكبار.
ومن أهم العوامل التي تميز مدرب الناشئين أن يكون لديه القدرة على الإبداع واستخدام العديد من الوسائل الحديثة والمبتكرة أثناء التدريب، وكذلك التشكيل المتنوع للبرامج التدريبية والقدرة على إبراز أنواع متجددة ومبتكرة في مجال عملية التدريب، التي تظهر قدرة المدرب على الإبداع، وهذا يأتي بالنتائج المرجوة، حينما يكون المدرب إنساناً طموحاً يتميز بالدافعية نحو التفوق والمزيد من التفوق في ضوء الأسس الموضوعية، وبالتالي يسعى إلى دفع وحفز لاعبيه بشتى الوسائل الإيجابية من أجل بناء شخصيتهم الرياضية وتطوير مستوياتهم الفنية والبدنية لتحقيق أعلى ما يمكن من مستوى يتميز بالمثابرة والإسرار، وعدم فقد الأمل في تحقيق الهدف النهائي، ولا يستسلم بسهولة، ويسعى نحو تطوير نفسه وتطوير قدراته ومعلوماته ويتمسك بأهدافه بغض النظر عن قيمة الوقت والجهد، ولا يقنع بمكاسبه الحالية، ولكن يسعى إلى مزيد من المكاسب في إطار الإمكانات المتاحة واستثمارها لأبعد مدى، وهذا يجعله قيادياً يتسم بسمة القيادة، وأقصد بالقيادة هنا قدرته على التوجيه والتأثير في سلوك اللاعبين، وقدرته على الترتيب والتنسيق المنظم للمجهودات الجماعية من أجل التوصل إلى تطوير مستوى وقدرات ومهارات الفريق واللاعبين إلى أقصى درجة، وكذلك قدرته على حفز اللاعبين وإثابتهم، وكذلك قدرته على نقد اللاعبين، مستعملاً الصراحة والصدق في القول والعمل بكل صبر وتفاؤل أو توقيع بعض العقوبات عليهم في التوقيت المناسب، والمدرب الذي يتسم بسمة القيادة يحترمه الجميع ويقدرونه ويستمعون إليه وينفذون توجيهاته عن طيب خاطر، ويثقون بقدراته على قيادتهم ورعايتهم، وأن يكون مثالياً في تفكيره وأخلاقياته وسلوكياته، وفي تعامله مع كل الذي من حوله، بل يمتد ذلك للمنافسين.
يجب على مدرب الناشئين تنفيذ جميع الإجراءات التعليمية والتربوية، وأن يتمتع بالسمات والقدرات الخاصة والمعارف التي تمكنه من قيادة العملية التدريبية دائماً للوصول باللاعب إلى الحالة المثالية، وعليه دراسة خصائص مراحل النمو للناشئين، وتعلم أساليب ومبادئ التدريب، وأن يكون من الذين يبحثون عن العلم مدى الحياة، وعليه أن يعمل جاهداً لتعليم اللاعبين أسس وقواعد اللعب الصحيح، ويعلمهم احترام قانون اللعبة، لأن معظم المدربين يركزون على تعليم المهارات الأساسية وطرق اللعب، وهذا يفقدهم بعض المعينات التي يحتاجون إليها في حياتهم الرياضية، خاصة احترام قرارات الحكام، واحترام القوانين المنظمة لبرامج التدريب والمباريات التنافسية، كما تقع على عاتقه مسؤولية التأكد من أن الأجهزة والأدوات مناسبة لسن اللاعبين ومستواهم.
وحتى نعي حجم المسؤولية في أهمية انتقاء مدربي الفئات العمرية، وهي مسؤولية أمام الله والوطن، يجب أن نعلم بأن بعض تدريبات الإعداد البدني الخاطئة ربما لا يظهر تأثيرها وقتياً، ولكن في مستقبل هؤلاء البراعم والناشئين تسبب لهم عاهات مستديمة وأنواعا من الإصابات التي لا تعالج.
حفظ الله أبناءنا وتقبل منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الدعاء.