الأزمات المالية ومتطلبات الرقابة على البنوك

في ظل تتابع الأزمات المالية والاقتصادية العديدة التي حلَّت بالاقتصاد العالمي خلال العقود الماضية، والتي من بين أعنفها على الإطلاق، أزمة الكساد الكبير في عام 1929، والأزمة المالية العالمية في عام 2008، اتفق محافظو البنوك المركزية على مستوى العالم على ضرورة إعادة النظر في سياسات وأنظمة الرقابة المالية، التي تتبعها البنوك التجارية والمؤسسات المالية على مستوى العالم، باعتبار أن ضعف الرقابة المالية على أعمال وأنشطة تلك المؤسسات المالية كان أحد الأسباب الرئيسة في تعرض معظمها لانتكاسات وهزات مالية عنيفة للغاية، أدت إما لإشهارها لإفلاسها أو لعدم قدرتها في ممارسة أعمالها وأنشطتها المالية والمصرفية بالشكل المطلوب.
وتأتي رغبة محافظي البنوك المركزية على مستوى العالم بتشديد الرقابة على أعمال وأنشطة المصارف التجارية والمؤسسات المالية؛ بغية الحيلولة دون تكرار مشاكل الأزمات المالية العالمية، التي عصفت باقتصادات العديد من دول العالم، بما في ذلك أنظمتها المالية والمصرفية.
ضرورة التزام المصارف التجارية بتطبيق متطلبات (بازل3) جاءت على قائمة الأولويات، باعتبارها وكما وصفها البعض أنها حجر الزاوية في عملية الإصلاح المصرفي للاختلالات الهيكلية، التي تعانيها معظم المصارف التجارية والاستثمارية على مستوى العالم، نتيجة لهشاشة البنية التحتية لأنظمة الرقابة الداخلية بها.
من هذا المنطلق، جاءت (بازل3) بمتطلبات رقابية على الملاءة المالية وكفاية رأس المال بالنسبة للمصارف التجارية أكثر شدة وصرامة مقارنة بما تطلبته كل من (بازل1 و بازل2)، حيث على سبيل المثال طالبت (بازل3)، بضرورة تحقيق البنوك لنسبة رأسمال مقابل الأصول الممتازة التي تحتفظ بها بنحو 7 في المائة من قيمة القروض التي تمنحها للعملاء، في حين أنها كانت في السابق 2 في المائة، وفي حالة انخفاض نسبة احتياطي رأس المال عن تلك النسبة، فمن حق السلطة المعنية في البلاد أن تفرض قيودا على توزيع الأرباح وعلى منح المكافآت المالية، وبالذات الكبيرة منها.
إن إعطاء البنوك التجارية العاملة في المملكة العربية السعودية أهمية خاصة للمخاطر المختلفة وأسلوب التعامل معها، مكَّنها من تجاوز الأزمات المالية والاقتصادية المختلفة التي حلت بالعالم، بالذات وأن مؤسسة النقد العربي السعودي ''ساما''، تعد المخاطر التي تتعرض إليها المصارف في ممارستها لأعمالها وأنشطتها المختلفة وبالذات (المخاطر الائتمانية)، من بين الأمور التي يستوجب على المصرف حسن إدارتها بالشكل الذي يمكّنه من تحييد تأثيراتها السلبية بقدر الإمكان في جميع الأوقات وتحت أية ظروف وسيناريوهات اقتصادية وتأثيرات سلبية.
وفي إطار تعزيز الرقابة المالية على الملاءة المالية وكفاية رأس المال للبنوك التجارية العاملة في المملكة، قد طبَّقت المملكة اتفاقية كفاية رأس المال بعد نحو أربع سنوات من تطبيقها من قبل البنوك التجارية بالدول الصناعية الكبرى، كما قد أوفت جميع البنوك في عام 2008 بمتطلبات معيار (بازل2)، حيث قد طبقت بالكامل الدعامة الأولى المتعلقة بمخاطر الائتمان ومخاطر السوق والمخاطر التشغيلية، وقدمت المصارف أول خطة رسمية للتقييم الداخلي لرؤوس أموالها في عام 2009، تغطي فترة سنتين من كانون الثاني (يناير) 2009 وحتى 31 كانون الأول (ديسمبر) 2010، وأحرزت تقدما ملحوظا في تطبيق الدعامة الثانية في الوقت المناسب. أما بالنسبة للدعامة الثالثة، والتي تعد سمة أساسية لمعيار (بازل2)؛ لكونها تستهدف تعزيز انضباط السوق والشفافية وتحقيق الأمان والسلامة للنظام المصرفي، فقد قامت مؤسسة النقد بتعميم وثيقتها الإرشادية على المصارف في أيار (مايو) 2007، وطلبت من جميع المصارف الإفصاح بشكل كامل وتام عن المعلومات الكمية والنوعية بخصوص رأس المال والمخاطر.
ويتوقع - بإذن الله تعالى - في ظل الجهود الرقابية الكبيرة التي تبذلها مؤسسة النقد، أن تستمر المصارف السعودية من الوفاء بمتطلبات (بازل3) في المواعيد المحددة لها، وذلك خلال الفترة 2013 - 2019، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي