توقعات بـ «ربيع نقدي» لمسار المصرفية الإسلامية على وقع الأحداث العربية
أكد الشيخ صالح كامل أخيرا أن المصرفية الإسلامية كالقضايا العربية لحقت بها الفرقة والأنانية والحسد، مضيفا أن هناك كثيرا من العلل التي تنخر في جسم المصرفية الإسلامية كتفريغ العمل المصرفي الإسلامي من مقاصده الشرعية في إعمار الأرض وتشغيل الاقتصاد، إضافة إلى الاهتمام بشرعنة الميكانيزم والآليات وتجاهل المآلات، وكذلك محاكاة وتقليد الأدوات المصرفية التقليدية وعدم وجود منتجات مالية ترتكز على جوهر الشريعة الإسلامية.
يأتي ذلك في ظل التساؤل عن مستقبل قطاع المصرفية الإسلامية في ظل أحداث الربيع العربي، وهل يشهد التمويل الإسلامي ربيعا جديدا يعيد رسم مسار القطاع من جديد، خاصة بعد عمليات النقد التي قام بها أرباب الصناعة والعاملون فيها والعديد من الخبراء في هذا الجانب، والتي دعت إلى إعادة الصناعة إلى مسارها الحقيقي بما يؤدي إلى سقوط الاحتكارات الشرعية وبروز الحوكمة والمعيرة الإلزامية، وإلى ظهور نخب مهنية وفنية قادرة على قيادة المصرفية الإسلامية بفاعلية أكبر، والسؤال الذي يطرح نفسه هل سنشهد بروزا واضحا لمعالم مؤسسات البحث العلمي في المصرفية الإسلامية، ونشوء حالة من الشفافية والوضوح والتصنيف الحقيقي لصناعة المصرفية الإسلامية، وما هو دور المؤسسات الإشرافية، وهل تعيد النظر في طريقة وطبيعة تعاملاتها مع المصرفية الإسلامية.
#2#
يؤكد ناصر الزيادات الباحث في التمويل الإسلامي لـ ''الاقتصادية'' أن أحداث الربيع العربي ستؤثر ليس في التمويل الإسلامي فحسب، بل على جميع مناحي الحياة، فالربيع العربي بدأ بخلق ثقافة نقدية أو انتقادية قوية ستعمل على تفعيل المجتمعات للتعبير عن آرائها بكل قوة ودون أي خوف، وقال الزيادات: إن التمويل الإسلامي يشهد انتقادات من قبل الربيع العربي، وأقصد هنا التمويل الإسلامي المفبرك، وفقاً للتمويل التقليدي الذي أصبح ظاهرة مضرة بسمعة الصناعة المالية الإسلامية وسمعة المسلمين في بعض الأحيان، وهذا لا بد أن يشمله التغيير ضمن تطورات الربيع العربي.
وعن سقوط الاحتكارات الشرعية وبروز الحوكمة والمعيرة الإلزامية ومؤسسات شرعية متخصصة قال الزيادات إن من أكثر الناس تحملاً للمسؤولية فيما تؤول إليه الأمور في التمويل الإسلامي هم المشايخ، وإنه ليس في ذلك تحامل عليهم بل للتذكير بأهمية العلماء، وأشار إلى أن عددا من المشايخ في قطاع التمويل الإسلامي هم من طراز رأسمالي رفيع يؤمنون بفلسفات الرأسمالية أكثر مما يؤمن بها فريدمان وهايك وليفيت وكينز، وما الاحتكارات الشرعية واللوبيات إلا صفة من صفات الرأسمالية.
وقال إن ما يظهر للعيان من تصرفات غير مقبولة لبعض مشايخ الصناعة هو القليل فقط، إلا أن العالم بأحوالهم يعرف كثيرا من السلوكيات التي وإن كانت ضمن دائرة الحلال إلا أنها ضمن دائرة خوارق المروءة بحكم مجتمعاتنا العربية وثقافاتها.
وقال الزيادات إن مما لا شك فيه أن الربيع العربي سيكون له تأثير واضح على تلك القلة الرأسمالية من المشايخ، حيث إن جزءا لا يستهان به من دوافع الربيع العربي هو ضد الرأسمالية والظلم الاجتماعي المترتب عنها، فما بالنا بمشايخ ينافحون من أجلها ويلوون أعناقهم وأعناق فتاواهم من أجل مردودات مادية في جيوبهم، وأضاف أن طرق كسر الاحتكار لا يمكن التنبؤ بها، لأنها ستعود إلى وعي المجتمع الذي يشهد تنامياً متسارعاً منذ بداية الربيع العربي، ومن الممكن أن نشهد بدائل لم نفكر يوماً ما فيها.
وحول ظهور النخب المهنية والفنية لقيادة دفة المصرفية الإسلامية بفاعلية أكبر قال الزيادات إن ذلك ممكن إلا أن ذلك مرتبط بحملة الأسهم الأفراد، فلو كانوا عقلاء، وظهروا كمستثمرين وليس كمضاربين، فإنهم بلا شك سيؤثرون في قرارات مجالس الإدارة، ويعلو صوتهم في الجمعيات العمومية، ما يدفع باتجاه تعيين القيادات المهنية والفنية لتولي الدفة، ولا سيما أن قيادات الوراثة والقرابة والوساطة أثبتت فشلها.
وأشار الزيادات كذلك إلى إمكانية بروز واضح لمعالم مؤسسات البحث العلمي في المصرفية الإسلامية، لكنه سيتطلب جزءا ليس بالقصير، وقال إن ذلك يأتي كنتيجة حتمية للتحرر الفكري، سواءً السياسي أو الاجتماعي، فالعلم والبحث العلمي من سمات الأمم المتحررة ذهنياً وعقلياً مما يعوقها.
وعن الشفافية والوضوح والتصنيف الحقيقي لصناعة المصرفية الإسلامية قال إن الشفافية هي من أهم مواصفات المرحلة المقبلة، سواء على الصعيد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، لكن أولويات الشفافية ستتكرس في شفافية المشايخ قبل كل شيء لأنهم إن صلحوا صلح الجسد كله.
وقال الزيادات إن تخلص المصرفية الإسلامية من سيطرة العلاقات العامة والمصالح الخاصة، وإعادة المؤسسات الإشرافية النظر في طريقة وطبيعة تعاملاتها مع مؤسسات المصرفية الإسلامية يعود إلى مدى الوعي المجتمعي الذي سيسفر عنه الربيع العربي.
#3#
ومن وجهة نظر أخرى، قال بدر العمر الخبير في المصرفية الإسلامية لـ''الاقتصادية'' إن الأحداث السياسية الحاصلة في العالم العربي قد لا تؤثر بشكل مباشر في صلب المصرفية الإسلامية، إذ إنها تبقى مجرد قضايا سياسية بحتة وليست مباشرة، إلا أنه من المتصور أن بعض الدول التي تحتضن المصرفية الإسلامية، وتشهد احتجاجات قد ينتقل هذا القطاع منها إلى دول أخرى تشهد استقرارا لاحتضانها، وهو ما يفرض على الدول المستضيفة عبء توفير البيئة المناسبة القانونية والتشريعية وتهيئة الجو الملائم لهذه المؤسسات (كما يحدث في سوريا).
وقال العمر إنه بشكل عام، فإن ما يشهده العالم من تغيرات على المستوى الاقتصادي والسياسي يجعل هناك عبئا على العاملين في المصرفية الإسلامية لتطوير آليات ومنتجات قادرة على التوافق مع المستجدات الحادثة، وأشار إلى العديد من التساؤلات حول قدرة المصرفية الإسلامية على الظهور والحضور على المستوى العالمي، وهل منتجاتها ما زالت قادرة على أنت تكون مستقلة أم أنها ما زالت تحاكي المنتجات التقليدية عبر إيجاد الحلول الشرعية لها.
ومن جانب آخر، قال العمر إن ما يطرح في الوقت الحالي من نقد عبر وسائل الإعلام الجديد عن المصرفية الإسلامية ليس بالضرورة ضارا لهذه الصناعة، بل قد يساعد ويسهم في تصحيح المسار وإعادة رسمه من جديد.
وعن بروز واضح لمؤسسات البحث العلمي في المصرفية الإسلامية قال العمر يمكن أن نشهد ذلك إذا اجتمع عاملان مهمان، أولا وجود جهة ضغط من الحكومات على العمل المصرفي الإسلامي، لعدم وجود جهات إشرافية ورقابية في كثير من دول العالم الإسلامي على المؤسسات المالية الإسلامية، فهناك بعض البنوك المركزية في بعض الدول لا يعني لها العمل المصرفي الإسلامي ولم توجِد جهات رقابية لمتابعة هذا العمل من الناحية الشرعية ومدى التزام هذه المؤسسات بما فرضت على نفسها من مسار شرعي.
والعامل الآخر العميل الذي يتعاطى مع هذه المنتجات، الذي أصبح لديه الوعي الكافي للتعامل مع هذه المنتجات، وحينما يشاهد منتجا فيه إشكالية شرعية، فإنه يمارس حقه بالضغط على المؤسسات المالية الإسلامية لإيجاد هيكلة سليمة بالكامل للمنتجات الشرعية.
وحول نشوء شراكة بين المؤسسات المالية الإسلامية ومراكز الإبداع وتطوير المنتجات أكد العمر أن المؤسسات المالية الإسلامية تسعى جاهدة للتطوير هذا الجانب، وانتشار المؤتمرات والندوات التي تقيمها مؤسسات المصرفية الإسلامية دليل على ذلك، إلا أن هذه الملتقيات بحاجة إلى أن تكون أكثر تركيزاً في القضايا المطروحة وأكثر خصوصية، وذلك عبر مواضيع دقيقة وغير مكررة وهناك حاجة لتطبيقها من قبل المؤسسات المالية الإسلامية، وتقوم هذه الملتقيات بإصدار توصيات لتتعامل معها المؤسسات المالية الإسلامية والهيئات الشرعية.
كما قال العمر إن الشفافية والوضوح والتصنيف الحقيقي للمؤسسات المالية الإسلامية سيكون حاضرا بشكل أكبر في حال وجود إشراف أكثر من قبل السلطات الإشرافية على المؤسسات المالية الإسلامية، وقال إنه ليس في ذلك إشارة إلى تقصير في أداء الهيئات الشرعية، فكما أنه يوجد مدقق خارجي فالمطلوب من الجهات الإشرافية كالبنوك المركزية أن يكون هناك متابعة وحوكمة إشرافية من قبل السلطات التنفيذية، وذلك أن الهيئة الشرعية حينما تجيز منتجا معينا فهي لا تقوم بالإشراف المباشر على تطبيق هذا المنتج، وإنما تحيل متابعة التطبيق للجهة الرقابية داخل هذه المؤسسة وهنا يأتي دور جهة خارجية للمراقبة من قبل البنوك المركزية، وهذا لا يعني طعنا بأداء الهيئات الشرعية، بل يعزز من الوضوح والشفافية ويجعل عمل المصرف أكثر انسيابية وأقل من الأخطاء لتعدد الجهات القائمة على مراقبة المنتج.
وعن إعادة المؤسسات الإشرافية للنظر في طريقة وطبيعة تعاملاتها مع المصرفية الإسلامية شدَّد العمر على دور هذه الجهات في توفير بيئة قانونية مناسبة لعمل مؤسسات المصرفية الإسلامية بعيدا عن بيئة وآلية عمل المصارف التقليدية، وتوقع في المستقبل القريب حصول تغيرات واضحة، فقانون الرهن العقاري قد تم إنجازه في السعودية، وقد نشهد حضورا لقضايا أخرى كالصكوك وما يتعلق بهيكلتها على سبيل المثال.
وأكد العمر في هذا الصدد على دور الشركات الكبرى التي هي جزء من النمو الاقتصادي للبلدان الإسلامية إن هي آمنت بالمصرفية الإسلامية، حيث يقع على عاتقها دور مهم في إيجاد بيئة قانونية مناسبة، لأنها جزء من الحركة الاقتصادية في أي دولة من الدول، كما أشار أيضا إلى دور الهيئات الشرعية، التي ينبغي أن تكون متصلة بالجهات الإشرافية الحكومية عبر مناصحتها، واقتراح الآليات الشرعية المناسبة لتطوير البيئة القانونية.
وقال العمر إن قضية توفير وتدريب جيل مصرفي قادم يكون على وعي ودراية بالعمل المصرفي الإسلامي مهم في هذا الجانب، لأنه لا يمكن مراجعة أي منتج والتأكد من سلامته الشرعية من غير أن يكون لدى الشخص الدراية الشرعية والفنية لذلك.