الكونجرس يعطل تعافي الاقتصاد الأمريكي
خلال السنوات الأخيرة وفي الانتخابات الرئاسية الأمريكية ظهرت حالات من الارتباك والفوضى والفساد والتزوير الانتخابي وكان ذلك لافتا لانتباه المراقبين، وقد أكد الكثير من المحللين السياسيين والاقتصاديين في حينه، أن هذا يعكس أمرين الأول: أن النظام الانتخابي الأمريكي قديم وتقليدي وعقيم. والآخر: أن هذا النظام لا يعبر عن عجلة التطور الاجتماعي والاقتصادي وولادة قوى جديدة في المجتمع الأمريكي، ولا يعكس حالة المتغيرات العالمية الذي ظل محتكرا لنظام الحزبين الجمهوري والديمقراطي اللذين تقاسما الإدارة والسياسة الأمريكية طيلة العقود الماضية.
استطلاعات الرأي تؤكد أن هذين النظامين ومصالحهم انعكست سلبا على الهياكل والبنى المؤسساتية في الدولة الأمريكية، وغابت المهنية لصالح منظومة المصالح وجماعات الضغط الخاصة، فخرج النظام الاقتصادي عن طريقه وبدأت دورة الفساد السياسي تؤثر حتى في سلوكية السياسة الأمريكية الخارجية، وبدأت الحروب والتحالفات والاختلافات بين الأحزاب والتجمع الصناعي والعسكري وسقطت تدريجياً دولة القانون في عهد إدارة بوش الثانية.
وعليه ليس غريبا أن كل التحليلات تؤكد أن أزمة الدين الأمريكي ليست أزمة اقتصادية، وأن أمريكا عاجزة وفاشلة اقتصاديا، لا العكس من ذلك فأمريكا دولة قوية اقتصاديا ولديها إمكاناتها الكبيرة، لكن ما حدث هو فشل وعقم سياسي بالدرجة الأولى، ولد حالة من الشلل والعقم للنظام السياسي والاقتصادي الأمريكي وصار النظام بشكل عام أقرب إلى الشركة العائلية وليس إلى الدولة والمؤسسة والقانون، خاصة أن الاقتصاد الأمريكي مرتبط بمعظم اقتصاديات العالم وأي انحراف فيه يؤثر سلبا في اقتصاد العالم.
الفساد السياسي في عهد الجمهوريين أدى إلى وجود علاقة بينهم وبين المجمع الصناعي والعسكري قاد إلى سلسلة من الحروب الخارجية واحتلال الدول والسيطرة على ثرواتها النفطية وضاعف من ديون وأعباء أمريكا، لأن زيادة التسلح وزيادة الحضور العسكري الخارجي ضاعف التكلفة الاقتصادية، وانعكس سلباً على الاقتصاد الأمريكي والعالمي، لأن المستفيد في هذا النظام هي الأحزاب والشركات المتحالفة معها مثل هالبيرتون وغيرها، الأمر الذي جعل أمريكا تبدو وكأنها دولة فاشلة وخارجة عن القانون أو تحاول تسخير القانون الدولي لها ولخدمات خاصة وقصيرة النظر وهذه ليست أمريكا قبل التسعينيات. أزمة الدين الأمريكي لها تراكماتها وأساساتها السياسية والصراعات الحزبية وصراع التحالفات والمستنفذين من رجال الأعمال، وبالتالي ستؤثر طبعا في الدول ذات الارتباط بالدولار الأمريكي، وستدفع هذه الدول ثمن هذا الارتباط بطريقة وأخرى كانخفاض سعر الدولار وانخفاض أسعار البترول، ومن هنا فمن المطلوب أن تدعم هذه الدول إصلاحات بنية النظام السياسي والاقتصادي الأمريكي فالرئيس الأمريكي أوباما قال إن النظام السياسي الأمريكي يحتاج إلى إصلاح، واتهم الكونجرس بتعطيل تعافي الاقتصاد الأمريكي لعدم اتخاذه إجراءات من شأنها توفير فرص العمل والمساعدة على النمو، وعليه فإن الإصلاح يعني إصلاح اقتصادي وسياسي معاً، وإصلاح في الحد من العسكرة الخارجية والتدخل الخارجي نظرا لارتفاع كلفته الاقتصادية على الاقتصاد الأمريكي.
الإصلاح في بنية النظام السياسي الأمريكي هو تعزيز مؤسسة الدولة والقومية وهياكلها وبخاصة تلك المؤسسات التي لها علاقة بالعالم الخارجي كالمؤسسة الاقتصادية والأمنية، وإبعادها عن أن تكون عرضة للشد والجذب الحزبي لأن استمرار هذه المنهجية سيضعف الثقة بأمريكا مستقبلا وتؤثر في حلفاء أمريكا، لذا يفترض إعادة بناء مؤسسات الإدارة الأمريكية بشكل مستقل عن الصراعات والمصالح الحزبية الضيقة والتحالفات مع المجمع الصناعي والعسكري، والعمل على قيام بعض الأطراف بتنازلات عما يخدم مصالحها بشكل مؤقت، وإعادة بناء مؤسسات الاقتصاد الأمريكي بعيدا عن هيمنه الحزبية التي أسهمت في تعزيز الأزمات الأمريكية الداخلية والخارجية وكشفت أن أمريكا تفتقد لرجال الدولة ومؤسسات الدولة.
أما الدرس الذي نتعلمه من هذه الأزمات أن لا نضع استثماراتنا كخليجيين في سلة واحدة مهما كانت علاقتنا مع أمريكا ومهما كانت مصالحنا معها، لأن السلة الأمريكية مصابة بالشلل السياسي والفشل الاقتصادي في وقتنا الحاضر وتحتاج إلى مزيد من الإصلاحات، وهذا يدعونا للتخطيط مستقبلا لتنويع الاستثمارات وعدم التركيز على الدولار المتهاوي رغم أهميته وحيويته، وعلينا أن نسعى إلى خلق تكامل اقتصادي خليجي من خلال التركيز على الاقتصاديات والاستثمارات المحلية، وإعادة توجيه تلك الاستثمارات نحو الداخل وذلك لتخفيف حدة انعكاسات الأزمات المستورة وخاصة أزمة الديون الأمريكية على اقتصادنا الوطني.