خبراء: وضوح الأسس القانونية والمعيارية يساهم في ازدهار صناعة المصرفية الإسلامية

خبراء: وضوح الأسس القانونية والمعيارية يساهم في ازدهار صناعة المصرفية الإسلامية
خبراء: وضوح الأسس القانونية والمعيارية يساهم في ازدهار صناعة المصرفية الإسلامية

اهتمام غير عادي يبديه العالم بالاقتصاد والتمويل الإسلامي، غير أن الباحثين في مجال التمويل الإسلامي يؤكدون أن الصناعة المالية الإسلامية تكون أكثر وضوحا ونفوذا عندما تتكامل أطرها وهياكلها القانونية والفنية، لتصبح مستقلة عن التقليدية في كثير من جوانبها، وقال لـ"الاقتصادية" جون ساندويك، الخبير في إدارة الثروات المالية: إن تكامل هذه الأطر يسهم في تعزيز هذه الصناعة ويمهد لاستقلاليتها ويحد من العوامل الفردية في تحديد مسارها، مضيفا أن أعضاء الهيئات الشرعية يقومون بدور حساس، ومهم غير أن المستثمر الاستراتيجي يبحث عن الحوكمة والإدارة والقوانين الضابطة لهذه الصناعة، وقال أيضا إن هناك شكاوى من تعدد الفتاوى واختلافها وتباينها والمطلوب أن تتوصل هذه الهيئات والمجامع الفقهية إلى آلية ومرجعية تحكم مسار العمل المصرفي الإسلامي، تضع فيها الهيئات الشرعية الملامح والأطر الشرعية العامة للعمل المصرفي الإسلامي، وتضع بنودا لما اتفق عليه وفيما اختلف فيه وما حرم منه وهنا يصبح لأرباب الصناعة خريطة طريق واضحة للعمل.
في السياق ذاته، أكد الدكتور كليان بالز، المتخصص في الشؤون القانونية والخبير في العقود المالية الإسلامية، في دراسة نشرت أخيرا أن توسع الخدمات المالية الإسلامية عمل على زيادة الاهتمام بالقانون الإسلامي، وساعد على كثير من التطورات التي شهدها هذا القانون خلال السنوات القليلة الماضية، حيث يركز القانون الإسلامي على تطبيق قواعد ومبادئ الشريعة الإسلامية على العمليات المصرفية الحديثة ذات التنوع الهائل، مضيفا أنه يمكن القول إن ثمة عولمة تتوسع بصورة مستمرة على صعيد استخدام منتجات التمويل الإسلامي، ولا بد بالتالي من تطوير العقود الإسلامية لتتمكن من مجاراة هذه التطورات التي تتم بوتيرة متسارعة.

#2#

وأضاف بالز أن القانون الإسلامي يُعرف بين علماء الشريعة من ذوي الاختصاص فيه بأنه مجموعة القواعد القانونية التي قام بتطويرها علماء الدين الإسلامي من خلال تفسيرهم القرآن والسُّنّة. وقد توسع التمويل الإسلامي الذي بدأ قبل نحو 50 عاماً كي يصبح نظاما يزداد انتشارا على صعيد النشاطات المصرفية في مختلف أرجاء العالم. ويأتي قانون التعاقد الإسلامي ضمن أهم ركائز التمويل الإسلامي.
وقال بالز: إن العالم شهد خلال السنوات العشر الماضية تطورات على نطاق واسع فيما يتعلق بتطبيق التمويل الإسلامي، وكذلك بخصوص الدراسات والأبحاث المتعلقة به، حيث تقدر إحدى الدراسات أن هذا التمويل يشمل في الوقت الحاضر ما قيمته 500 مليار دولار، مع معدل نمو يراوح بين 15 و20 في المائة، ولم يعد تقديم خدمات التمويل الإسلامي مقتصرا على البنوك الإسلامية، وإنما هنالك أقسام متخصصة في هذا النوع من التمويل لدى معظم البنوك في مختلف أنحاء العالم، كما أن هنالك الكثير من المنتجات المصرفية الإسلامية التي يجري التعامل بها على نطاق واسع. أما من الناحية الجغرافية فلم يعد التمويل الإسلامي مقتصراً على المنطقة العربية، أو على عدد من الدول الإسلامية، وإنما أصبحت ممارسته تتم على رقعة متزايدة من مساحة العالم ككل. ونشأت لخدمة التمويل الإسلامي مراكز عمل بارزة لعل من أهمها مركز دبي، والبحرين، وكوالالمبور. وهنالك مراكز بارزة على صعيد العالم يمارس فيها التمويل الإسلامي، ولعل من أشهرها نيويورك، ولندن، حيث إن العاصمة البريطانية تشهد توسعا ملحوظا في عدد المؤسسات التي تقدم خدمات التمويل الإسلامي، إضافة إلى توسع كبير على نطاق زيادة عدد منتجات هذا التمويل.
وحول متابعة التطورات التي شهدها ويشهدها التمويل الإسلامي أشار بالز إلى أن تكييف القانون الإسلامي كي يتلاءم مع الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية كان موضوعا رئيسا للبحث والتدقيق والمناقشة بين العلماء المتخصصين في ذلك، مع تركيز مستمر على الجوانب القانونية التعاقدية في إطار الشريعة الإسلامية، كما تؤكد الدراسات على أمور عدة، أبرزها الدور المهم لكل من الدولة والمحاكم بهذا الخصوص، إضافة إلى كل ذلك تأثير للعولمة، ولزيادة وتوسيع الدور الذي يلعبه القطاع الخاص في الاقتصاد على نطاق العالم ككل، حيث يبرز دور كبير لبنوك الاستثمار متعددة الجنسيات، وكذلك لشركات القانون، وللمؤسسات المحاسبية الرئيسة.
كما أشار بالز إلى أن العولمة عملت خلال السنوات الأخيرة على تحدي البرامج التقليدية للقانون المقارن الذي ظل مشغولا لفترات طويلة من الزمن بمقارنة المؤسسات القانونية المختلفة، ودورها في تفسير وتطبيق قوانين الدول المختلفة، حيث برزت الحاجة إلى البحث في كيفية تكامل دراسة القانون الإسلامي مع الإطار الأوسع المتعلق بالقانون المقارن على النطاق العالمي، وتنظر بعض الجهات القانونية في الغرب إلى القانون الإسلامي على أساس أنه توجه خاص لمواجهة ما ساد من قوانين في الغرب تتعلق بتحديد وضبط قواعد التعامل المصرفي، وهنالك تركيز خاص على أن القانون الإسلامي، في نظر تلك الدوائر، يتعلق بالجانب الديني الخالص، وليس بالجوانب التطبيقية على أرض الواقع. وترى هذه الدوائر أن هذا القانون يركز على جوانب الخلاف بين التطبيقات الإسلامية والغربية، ودون تركيز كاف على جوانب التماثل والالتقاء. وتضاف إلى كل ذلك مشكلة أخرى تتعلق بادعاء الجانب العملي في القوانين الغربية. ويزيد هذا الأمر من صعوبة إجراء دراسات مقارنة وشاملة بين الأنظمة القانونية السائدة في الغرب، وتلك السائدة في دول العالم الإسلامي؛ نظرا لوجود اختلافات كثيرة تتعلق بجوانب متعددة من الحياة على الصعيدين الاقتصادي، والاجتماعي.
ويقول بالز إنه منذ تنشيط الدعوة إلى تفعيل التشريع الإسلامي في سبعينيات القرن الماضي، وكذلك إنشاء البنوك الإسلامية البعيدة عن التعامل بمبدأ تقاضي الفوائد المصرفية، فإنه تتم مناقشة ودراسة التمويل الإسلامي في إطار أسلمة القانون، مع أن العكس هو الصحيح، حيث إن التمويل الإسلامي ما هو إلا جزء من عملية إعادة إحياء الأخلاق الإسلامية، وتضمينها في النشاطات العملية على النطاق العالمي. وهنالك تركيز متزايد على الجانب الأخلاقي في المعاملات المصرفية، حيث إن مبادئ الشريعة الإسلامية تنص على ذلك. وكان القانون الإسلامي، من الناحية العملية، نتاجا متراكما لجهود علماء الشريعة الإسلامية الذين اجتهدوا في استنباط قواعده، وبالتالي فإن محاولة تطبيق المبادئ الأخلاقية التي تنص عليها الشريعة الإسلامية لا يمكن اعتبارها أمرا متعمدا "لأسلمة" القوانين.
وأضاف أن القانون الإسلامي يتضمن قواعد متعلقة بالسوابق من حيث التنفيذ وبالرجوع إليها، الأمر الذي يعد تطورا لافتا للانتباه في الأثر الذي أحدثته جهود علماء الشريعة الإسلامية بخصوص التطور في هذا الاتجاه. وقد جعل الالتزام بالسوابق تطبيق القوانين المالية الإسلامية متميزا عن كثير من الممارسات التي كانت تطبق في الماضي. كما أن هنالك تطبيقات متناسقة لمبادئ الشريعة الإسلامية في المراكز الموجودة في بلدان إسلامية مثل دبي، والبحرين، حيث توجد بنوك تعمل بالطريقة المصرفية التقليدية، مع تطبيقات تتم في مراكز تتعامل بمبادئ الشريعة الإسلامية في النشاطات المصرفية الإسلامية في عواصم عالمية مثل لندن، ونيويورك. ويلاحظ نجاح للمصرفية الإسلامية في المراكز المالية العالمية التي تتصف بالاستقرار، وسعة المعاملات المصرفية.
ويؤكد بالز، أن الالتزام بقواعد الشريعة الإسلامية هو الذي يجعل العمليات التمويلية الإسلامية مختلفة عن العمليات المصرفية التقليدية. ولا يعني ذلك أن القانون الإسلامي هو مجرد مبادئ أخلاقية يتم التعامل بها على صعيد العمليات المصرفية، حيث إنه أوسع من ذلك بكثير. وتتضمن مبادئ الشريعة الإسلامية كثيرا من الأمور ذات العلاقة بالمسؤولية الاجتماعية للنشاطات العملية، على الرغم من الصرامة والشدة الظاهرتين في تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية، بالمقارنة بالصياغات الجديدة لأصول ممارسة المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات والشركات في العالم الحديث.
كما لا يعني التمويل الإسلامي - بحسب بالز - أن القانون الإسلامي يجب أن يطبقه علماء الشريعة الإسلاميون، مع أن لديهم دورا بارزا يؤدونه بهذا الخصوص، حيث إنهم يمنحون صفة الشرعية للعمليات ذات العلاقة من خلال إصدار فتاوى حول كونها منسجمة مع المبادئ الإسلامية. وإضافة إلى ذلك، فإن دورهم كأعضاء في مجالس الشريعة يتيح لهم تقديم المشورة، والنصيحة لإدارة البنوك حين تتعلق الأمور بمبادئ الشريعة الإسلامية.
ويقول بالز: إن النشاط المصرفي الحديث يعتمد على عدد من المعايير المتفق عليها في إنجاز المعاملات المصرفية. وتعمل الممارسات التعاقدية المعيارية على تسهيل المقارنة بين الشروط المالية للعمليات المصرفية. وقد ظل ينظر منذ فترة طويلة من الزمن إلى غياب ممارسات أسواق راسخة على أساس أنه أحد العيوب في قانون التمويل الإسلامي. وهنالك خلاف بين هذا القانون، والممارسات المتطورة على صعيد الأسواق، حيث إن العمليات الإسلامية المصرفية تطبق ضمن دوائر قانونية مختلفة على صعيد درجات التطور المهني. وهنالك دوائر قانونية تقوم على أساس القانون المدني، مثل دبي، وأخرى تقوم على أساس القانون العام، مثل ماليزيا.

الأكثر قراءة