مبادرات لتطوير «المالية الإسلامية»
أبدت كل من الصين ــ ثاني أكبر اقتصاد في العالم ــ وهونج كونج ــ صاحبة أكثر السلطات القضائية المالية تطوراً ــ اهتماماً باستكشاف الخيارات المتاحة من خلال صناعة المالية الإسلامية. ويناقش تقرير للخبير المالي نظيم حليم ما يمكن أن تقدمه هذه الدول لتلك الصناعة.
وتعتبر الصين قوة مؤثرة في الاقتصاد العالمي لا سيما بعد أن حققت في الربع الأول لهذا العام نمواً في إجمالي الناتج المحلي يقدر بـ 9.7 في المائة. ويرجع هذا لاستحواذها على النصيب الأكبر من السلع على مستوى العالم، فضلاً على توسيع استثماراتها في معظم الأسواق المتقدمة والناشئة على حد سواء. ويوجد في الصين 26 مليون مسلم بما لديهم من تراث إسلامي قوي وعلاقات مع دول الشرق الأوسط. وقد ساعدت تلك العوامل على تنامي التوجه نحو خوض غمار صناعة المالية الإسلامية. وفي هذا الإطار تم افتتاح بنك Ningxia الذي يعد أول بنك إسلامي في الصين. وقد وضع البنك خططه التي يسعى من خلالها لتلبية متطلبات السوق.
ولا تزال التجربة في مهدها بحيث يصعب الحكم عليها. وحتى قرار منح ترخيص بنك يعمل وفقاً للشريعة الإسلامية ووجه باتهامات بأنه قرار مسيس بعد الاضطرابات التي شهدها مجتمع المسلمين في الصين خلال العام 2009. وقد تم افتتاح البنك في ولاية تضم 2.17 مليون مسلم وهي نسبة تعادل ثلث عدد السكان بها، فيما تمثل 10 في المائة من عدد المسلمين في الصين.
ولا يزال البنك في مراحله الأولى التي يسعى خلالها لوضع استراتيجيات تتفق مع المجتمع هناك.
وفي الإطار التنظيمي يرى الخبراء أن السلطات الصينية لا تزال تفكر بحذر في مسألة إدخال المصرفية الإسلامية في النظام المالي الصيني. وقد ظهرت خطوات وليدة تمثلت في السماح بتقديم المنتجات والخدمات الإسلامية في اقتصاد الدولة. وقد أقرت السلطات الصينية استخدام صيغ الوديعة والمرابحة والمضاربة لتمويل البنوك الإسلامية.
وتشهد التجارة مع دول الشرق الأوسط مستويات مرضية من الأعمال في ظل تنامي الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وفي نفس الوقت فإن صفقات الاستحواذ الاستراتيجية العالمية التي تقوم بها الصين في مجال النفط والغاز والموارد الطبيعية تغذي الاقتصاد بشكل كبير.
كما أن إدخال المالية الإسلامية في الاقتصاد الصيني تتلاقى مع اهتمام المستثمرين في الشرق الأوسط الراغبين في توجيه مشاريعهم الاستثمارية إلى الصين.
وفي هذا الصدد قامت شركة سابك السعودية بالكشف عن خطط لزيادة استثماراتها في الصين من خلال إنشاء مشروع جديد لتصنيع البلاستيك المستخدم في السيارات والأسطوانات المدمجة. ويعد المشروع الذي تبلغ تكلفته بليون دولار دلالة واضحة على تنامي العلاقات بين الصين والشرق الأوسط. ويرى المحللون أن مثل تلك العلاقات تعد دافعاً قوياً للصين لتقديم صناعة المالية الإسلامية في النظام الاقتصادي بها.
كما أن مجموعة Affin Holdings بماليزيا ترتبط بعلاقات متينة مع الصين. وقد كشف رئيس المجموعة مؤخراً عن خطط لتقديم المنتجات الإسلامية للمجموعة إلى السوق الصينية. وتعكف المجموعة مع شريكها بنك شرق آسيا Bank of East Asia الذي يمتلك 23 في المائة من المجموعة على دراسة تلك السوق واستكشاف ماهية المنتجات الإسلامية التي يمكن تقديمها في السوق الصينية. وعلى الرغم من القناعة الواضحة بين اللاعبين الرئيسين في السوق الصينية بمدى أهمية وفعالية تقديم صناعة المالية الإسلامية في الصين ولا سيما في قطاع التجزئة وتمويل المشروعات- إلا أن السلطات المسؤولة في الصين هي التي تحتاج إلى تكوين ذات القناعة.
وبالنسبة لهونج كونج فقد أظهرت حماساً نسبياً حيال صناعة التمويل الإسلامي منذ العام 2008. وتبحث السلطات المالية في هونج كونج HKMA عن مشاركين لتدشين سوق رأس مال متوافقة مع الشريعة، وتوقيع اتفاقيات مع البنك المركزي الماليزي لتقديم صناعة المالية الإسلامية في هونج كونج. إلا أن هذه المبادرات لا تزال نظرية دون التحول إلى ارض الواقع بحسب تأكيد رودي برنزلن المسئول المالي في مؤشر هونج كونج الإسلامي. ويضيف أنه على الرغم من أن الحكومة أدركت أخيراً مدى الحاجة لتعديل التنظيمات الضريبية بما يتناسب مع دخول صناعة المالية الإسلاميةـ إلا أن هذا يحتاج إلى تغييرات على أرض الواقع.
ومن جانبه شدد إدموند لاو ـ المدير التنفيذي في سلطة هونج كونج المالية ـ على مصداقية الحكومية في تقديم صناعة المالية الإسلامية في البلاد. وأضاف أن عملية تطوير تلك الصناعة تعتبر مبادرة طويلة المدى لا يجب أن تتأثر بأية عوامل قد تعيقها. وخلال السنوات الماضية تم العمل بجدية لتوفير الأساسيات اللازمة لعمل تلك الصناعة في هونج كونج التي تقوم بدور حلقة الوصل بين الدولة الأم: الصين وبين الشرق الأوسط. وثمة عوامل يرى المراقبون أنها تجعل من هونج كونج مركزاً مالياً إسلامياً متميزاً: ضخامة سيولة سوق رأس المال، واقتصادها الحر، والتواجد القوي للبنوك الأجنبية، فضلاً عن تميز البنية التحتية المالية بها، والشفافية التي يتمتع بها إطار العمل التنظيمي والنظام القانوني، وعدم تعقيد نظامها الضريبي.
وتضم هونج كونج أكبر سوق مال صينية خارج الصين، وفي نهاية 2009 احتل سوق هونج كونج للأسهم المالية المرتبة السابعة عالمياً من حيث ضخامة رأس المال. وكان أكثر من نصف تلك الأسهم لاستثمارات ذات صلة بالصين، ومن ثم تتيح هونج كونج للمستثمرين فرصاً واسعة للاستثمار في الصين في كافة القطاعات سواء كانت العقارات أو السلع أو الطاقة أو النقل أو الاتصالات وغيرها. وبهذا يكون تطوير المالية الإسلامية امتداداً طبيعياً للدور الذي تلعبه هونج كونج حيث تقدم بديلاً جديداً وفعالاً لمطلقي الإصدارات في الصين، كما تضمن وصولها إلى المستثمرين الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من أن إطار العمل التنظيمي الحالي في هونج كونج يمكنه أن يدعم عمليات بيع الصناديق والسندات الإسلامية، إلا أن الدولة تفتقد إلى صيغ ضريبية للتعامل مع الصكوك. وقد حولت أنظارها إلى عقود الإجارة والمشاركة والمضاربة والمرابحة. كما أن بعض العناصر تحتاج إلى المزيد من الاهتمام مثل تنمية رأس المال البشري وتطوير المنتجات.
ويرى لاو أن استجابة السوق للصناديق والمؤشرات الإسلامية في هونج كونج تعتبر إيجابية إلى حد كبير. ويتجلى هذا الاستقبال في الصكوك الثلاثة المدرجة ويرتبط أحدها بشركة في الصين ويبلي بلاء حسناً. ويعكس هذا الاستقبال الإيجابي للصكوك الطلب المتزايد على فرص الاستثمار في الصين من خلال هونج كونج. كما لقي افتتاح نافذتين إسلاميتين لبنوك تقليدية ترحيباً كبيراً.