نستلهم تجارب هارفارد ومايو كلينيك في بناء استراتيجيتنا لتأسيس أوقاف موافقة للاقتصاد الإسلامي
إذا كانت العقبات التقليدية تحتاج إلى حلول غير تقليدية أحيانا فهذا قد يضعنا إزاء تجربة صندوق الإيرادات المالية الذاتية في مدينة الملك فهد الطبية، وهي واحد من البرامج الواعدة التي تتبنى مفاهيم الاستثمار في القطاع الصحي وتؤسس لعدد من المشاريع من خلال أفكار نوعية في ظل الاستقلالية الاعتبارية والمالية عن الميزانية العامة.. وهو ما يجعله أكثر قدرة على تجاوز الإشكالات النمطية التي تعوق الوصول إلى المنتج النهائي لمشروعاته أياً كان مجالها، المهندس سري البريك يتحدث لـ''الاقتصادية'' عن هذه التجربة التي تجمع بين الإلمام باحتياجات القطاع الصحي بحكم التخصص، وبين تطويع الخبرات الاقتصادية لخدمة هذه القطاع، وتحقيق رؤية تنموية مستدامة من خلاله.
في البداية .. ما فكرة تأسيس صندوق الإيرادات المالية في مدينة الملك فهد الطبية ومتى كانت بدايته تحديدا؟
صندوق الإيرادات المالية الذاتية تأسس في 27/7/1427هـ بمرسوم ملكي وقرار صادر عن مجلس الوزراء، وفكرته إيجاد وسيلة لمدينة الملك فهد الطبية لاستثمار إمكانياتها، وقد حددت فيه مصادر إيرادات أساسية وهي إيرادات التعليم والتدريب والاستشارات المتخصصة وتقديم الخدمات المساندة للقطاع الصحي، هذا فيما يتصل بالجانب الاستثماري، هناك أيضا جانب التبرعات والأوقاف، والغرامات والمخالفات التي يعود مدخولها إلى الصندوق، حيث يتولى بدوره إنفاقها على أوجه مهمة بالنسبة للمدينة أهمها الأبحاث والدراسات والتوسع في تدريب وتطوير منسوبيها وتشجيع النشاطات الاجتماعية والثقافية للموظفين والمرضى، وغيرها من المجالات التي تحتاج إلى دعم خاص يعمل الصندوق على إتاحة المجال لتحقيقه.
هل تمت الاستفادة من خبرات اقتصادية في تجربة صندوق الإيرادات المالية الذاتية؟
استفدنا من الخبرات والمستشارين والخبراء الاقتصاديين والماليين في مرحلة بناء الصندوق، نسعى أن يكون هناك طاقة فكرية متجددة.. الخبرات الموجودة حاليا تتعامل مع المرحلة التشغيلية الأولى، ونستعين ببيوت التمويل ومراكز الدراسات والاستشارات المالية لعمل الجدوى الاقتصادية لمشاريعنا المقبلة، مع نمو الصندوق سيكون هناك حاجة أكبر لمستشاري استثمار للتوسع.
ما الرؤية الاستراتيجية للصندوق وما الإنجازات التي تحققت في إطارها حتى الآن؟
رؤيتنا أن يكون الصندوق عاملا أساسيا لمسماه ''الإيرادات المالية الذاتية'' في تطوير المدينة، وأن يصل حجم الصندوق خلال السنوات الثلاث القادمة إلى قيمة توازي 10 في المائة من ميزانية المدينة الطبية، وإلى 30 في المائة في السنوات الثلاث التي تليها. وهذا يعد هدف كبير ويحتاج تحقيقه إلى كثير من الجهد وتطوير الإمكانات الداخلية.
أما الإنجازات فهي على مستويات عديدة.. فبجانب حصر الإيرادات المختلفة في المواقع الجاهزة، أقيم خلال السنتين الماضيتين عدد من المؤتمرات والأنشطة التثقيفية والاجتماعية للمرضى والموظفين، إضافة إلى التوسع في الخدمات التي تستهدف المرضى بشكل مباشر مثل الإعانات أو التذاكر أو السكن وتوفير متطلباتهم الضرورية، من أهم الإنجازات التي تحققت للصندوق أيضا نجاحه في مساعدة المدينة على توسيع نطاق المرضى المستفيدين منها وذلك بتمكين خروج بعض المرضى المنومين إما إلى رعاية منزلية أو لتلقي العلاج في أماكن تواجدهم من خلال توفير الإمكانات المطلوبة من الأجهزة والكراسي وغيرها، ورغم وصول الإنفاق على هذا الجانب إلى نحو 3 ملايين ريال.. إلا أنه حقق في السنة الماضية توفيرا بحدود أربعة إلى خمسة ملايين ريال بالنظر إلى تكلفة بقاء المريض في السرير على المدينة الطبية.
ما أبرز المعطيات الاستثمارية القائمة التي يتوجه إليها الصندوق؟ ومن ناحية أخرى ما الخطط المتبعة لتطوير وخلق معطيات جديدة يمكن استغلالها؟
الصندوق أسس أصلا لاستثمار إمكانات المدينة الطبية، لذلك بدأ في حصر الإمكانات الغير المستغلة ووضعها في قالب عرض لجهات خارج المدينة مقابل قيمة مدفوعة، وتمكننا منذ إنشاء الصندوق حتى من أقرار وتأسيس عدة برامج ، أحدها يتجه لتطوير أنظمة المعلوماتية في القطاعات الصحية، وهو ما سيحقق إيرادات نتيجة بيع وتقديم خدمات استشارية في مجال المعلوماتية الصحية، هناك أيضا برنامج المغاسل الطبية المتخصصة وهو عبارة عن إعادة تشغيل وتأهيل مغسلة المدينة التي تستطيع أن تستوعب في حدود 30 طنا يوميا واستغلالها الآن لا يتجاوز 10 إلى 15 في المائة من إمكانياتها وبالتالي هذا البرنامج سيمكن من استغلال أمثل للمغسلة عن طريق عرض خدماتها للمستشفيات الحكومية والخاصة، وسيكون على مستوى عال من المهنية والتخصصية يختلف عن ما هو موجود في هذا المجال، لدينا أيضا برنامج الرعاية الصحية المنزلية المشار إليه سابقا، حيث نستطيع أن نوفر نفس الخدمة لجهات طبية أخرى لم يسبق لها تطبيق هذه الفكرة مع زيادة طاقة البرنامج لاستيعاب عدد أكبر من المرضى.
في مجال التدريب والتعليم، تم تحويل مركز الإنعاش القلبي والتدريب السريري إلى برنامج يقدم خدماته إلى قطاعات صحية مختلفة، وبالتالي أصبحت الدورات تعقد بعدد أكبر من المتدربين يأتي نصفهم تقريبا من خارج المدينة، في مجال استغلال إمكانات المدينة المتاحة، تم إنشاء مركز الاستشارات المتخصصة الذي يقدم خبرات موظفي المدينة الطبية وقدراتهم الفكرية والعلمية، والتطبيقات التي نجحت في المدينة لتكون متوفرة للقطاع الصحي للاستفادة منها عن طريق توفير كافة إمكاناتنا لجهات أخرى كان منها الهلال الأحمر والخدمات الصحية في الهيئة الملكية للجبيل وينبع، وأيضا ننفذ عقدا مع جامعة الأميرة نورة لاستلام الأجهزة والإشراف على الهندسة الطبية والتجهيزات للمستشفى الخاص بالجامعة.
#2#
هذا فيما يتصل باستثمار إمكانات قائمة.. ماذا عن الحلول المبتكرة التي يقدمها الصندوق لتطوير موارده المالية؟
الصندوق في حد ذاته حل مبتكر للخروج عن النمطية في تمويل الخدمات الطبية، هناك إمكانات كبيرة في المدينة إذا عرضت بالشكل المناسب يمكنها أن تكون مصدرا لإيراد مهم، لم نركز على توفير الخدمات الطبية بأجر مع أنها الأسهل فيما لو عرضت مثلا على قطاع شركات التأمين وغيرها، وإنما ركزنا على الخدمات المساندة للخدمة الطبية وفيها كثير من الطاقة التي يمكن الاستفادة منها، بالعادة ينظر إلى الخدمات المساندة على أنها ليست في صلب عمل المنشأة وبالتالي تعطى لجهات لتقوم بتشغيلها واستثمارها كما هو الحال مع المغاسل التي يتم تسليمها لجهات تستفيد منها مقابل إيجار سنوي محدد، اتجاهنا المختلف ينطلق من أن الصندوق له صفة اعتبارية ومالية مستقلة عن المدينة وبالتالي أنشأنا هذه البرامج التي نشغل نحن الخدمة بواسطتنا بدلا من أن تعرض لمجرد الاستثمار من جهات خارجية، وهذا لا يمنع الاستفادة من القطاع الخاص المتخصص في المجالات المختلفة ولكن عن طريق إيجاد شراكات استراتيجية في تشغيل وتقديم هذه الخدمات، كما أن كل جهة تهتم بالاستثمار في المدينة فهذا يمر عن طريق التعاقد مع الصندوق.
هل لديكم تواصل مع القطاع الخاص وبرامج المسؤولية الاجتماعية في البنوك والصناديق الاستثمارية لتنفيذ برامج مشتركة؟
في مجال تنمية التبرعات والأوقاف والهبات تواصلنا مع أغلب الجهات الكبرى التي لديها برامج مسؤولية مجتمعية وعرضت عليها برامج عديدة منها خدمات توصيل الدواء للمرضى وتسكين المرضى وعوائلهم القادمين من خارج مدينة الرياض، تم توفير تبرع من مؤسسة العنود الخيرية لإقامة وتشغيل دار إيواء الأميرة لطيفة بن فهد بن عبد العزيز والذي خصص بالكامل لمرضى المدينة، إضافة إلى ذلك يتم بناء سكن خيري في أرض المدينة بتمويل من أسرة العقيل بقيمة تجاوزت 20 مليون ريال، ولا نغفل أن هناك الصناديق الخيرية والأوقاف التي أسسها ويدعمها كبار رجال الأعمال توفر المبالغ المطلوبة لبرامج توفير المعدات الطبية للمرضى المحتاجين، إضافة إلى الإعانات المالية، هذا فضلا عما هو متاح من مساهمات لجمعيات طبية أو صحية متخصصة. ومن مهام الصندوق تنمية التبرعات بالطرق المختلفة وتمكين الجهات المنفذة مثل الخدمة الاجتماعية والتثقيف الصحي من الاستفادة من المبالغ التي يتم جمعها.
كما نقوم باستمرار بتقديم برامجنا للمتبرعين والواقفين على هيئة مشاريع مفصلة كل حسب اهتماماته، ونسعى إلى تطوير أساليبنا وإمكاناتنا لتعريف المجتمع بالفرص المتاحة و لتقديم الصندوق كبيئة استثمارية واعدة، نسعى في الفترة القادمة لإيجاد أوقاف مخصصة للمدينة الطبية لدر إيرادات مستمرة ومستدامة على البرامج بحيث لا تكون مرهونة بالتبرع الآني.
ألا ترى أن الحديث عن برامج لإيجاد حلول ومساعدات يدخلنا في أدوار الخدمة الاجتماعية بينما نتحدث عن كيان اقتصادي تنموي معني بتطوير موارد منشأته؟
كما تفضلت، هو كيان اقتصادي تنموي يعتمد في جزء كبير منه على إشراك المجتمع في هذه التنمية عن طريق الأوقاف والهبات وما شابه، ثم توجيهها لتحقيق نمو في المجالات المختلفة، لا شك أن مصروفات الصندوق في النهاية يجب أن تصل للمريض سواء مباشرة أو عن طريق ما يقدم له من أبحاث ومشاريع من شأنها تحسين المستوى الصحي، بالتالي يجب أن ينظر للصندوق على أنه أداة ضمن منظومة اقتصادية تماما كما هو جزء من تمويل مصروفات القطاع الصحي، وهذا ما نرغب في تكريسه .. هو صندوق للتنمية والتطوير بكل ما يمكن أن يكون مدخلا مناسبا للاستثمار، والتخطيط لتحقيق الاستفادة التي تعود على المنشأة والجمهور معاً.
سجلت المدينة الطبية نجاحا في تجربة التشغيل الذاتي، كيف تم تطويع تلك الخبرة في عمل صندوق مواردها الذاتية؟
بجانب وجود التشغيل الذاتي والمرونة التي حققها واجتذابه لخبرات عالية في المدينة، فلا شك أننا نعتبر وجود هذه الكفاءات من الإمكانات والأصول الأساسية التي يستفيد منها الصندوق وكما ذكرت ففي مركز الاستشارات نعمل على تسخير كل الطاقات والخبرات على المستوى العملي والتطبيقي ونقدمها للآخرين الراغبين في معرفة كل ما يتعلق بعملية التحول من التشغيل المختلف إلى التشغيل الذاتي وكل الآليات اللازمة لذلك.
يرتفع حجم المسؤوليات والطلب على الخدمات الطبية بالإضافة إلى تصاعد التكاليف العالية المرتبطة بهذا المجال الحيوي.. إلى أي مدى يؤثر هذا الجانب في صندوق الإيرادات؟
لا شك أن نمو مدينة الملك فهد الطبية مستمر في ظل دعم الميزانية المخصصة للقطاع الصحي والتي تتوجه نحو توسع المدينة ودعم خادم الحرمين الشريفين الأخير للمدن الصحية تحصل مدينة الملك فهد الطبية على نصيب كبير من ذلك، والصندوق يستفيد كذلك من الإمكانات الموجودة والتي تضاف في المدينة. وفيما يخص مجالات الإنفاق فإن للصندوق دعما مباشرا لعدة مجالات من أهمها البحث العلمي والدراسات والتي عادة لا تعتبر من بنود الميزانيات التشغيلية ولهذا ركزنا على هذا الجانب وتم اعتماد مليون ريال سنويا من الصندوق لدعم الباحثين في المجال الطبي، إضافة إلى جائزة سنوية للنشر العلمي الطبي بقيمة 100 ألف ريال.
أما الجانب المهم الذي يتعلق بالاستفادة من التشغيل الذاتي هو إيجاد برامج تحفيز للموظفين مبنية على الإنتاجية، وهذه البرامج يدعمها الصندوق عبر تطوير هذه البرامج والإنفاق عليها مما يحققه من إيرادات ووضع مخصصات النشاط التحفيزي للعاملين، والتي تهدف في زيادة إنتاجية الأقسام المختلفة.
هناك من يرى أن الصندوق كان مقصرا في حق نفسه خلال الفترة الماضية في الوقت الذي تتطلب مشاريعه مزيدا من التعريف بها، ما تعليقك؟
الفترة الماضية كانت فترة بناء وتأسيس البيت من الداخل، والتأكد من اكتمال الأنظمة، نسعى الآن للتعريف بمنجزات الصندوق أكثر من الصندوق نفسه، وكذلك تأكيد قدرته على أن يستمر في تحقيق نمو على مستوى التكوين المالي، وربما يعرف الكثيرون عن تعاقدنا مع مشروع مركز العلاج بالبروتون ''لمعالجة مرضى السرطان'' والذي أسس على نموذج على الجمع بين القطاعين الحكومي والخاص، من خلال الاعتماد على القطاع الخاص لتأسيس خدمة معينة ثم تؤول ملكيتها بالكامل إلى مدينة الملك فهد الطبية وهو استثمار كبير يصل إلى مليار ريال، ويوفر خدمة طبية لا تتوفر حاليا في المملكة ولا في الشرق الأوسط، وهي العلاج بالبروتون الذي يخفف من الآثار الجانبية للعلاج الإشعاعي وذلك باستهداف المنطقة المريضة بدقة، كون هذا المجال تكلفة الاستثمار فيه عالية وكذلك عدد المرضى الذي يمكن أن يستفيدوا منه نوعا ما محدودا، لهذا لا يحظى بأولوية في الظروف المعتادة، مما يجعله مجالا نادرا يمكننا الاستثمار فيه، وهو يحقق فائدة مشتركة للقطاع الخاص ولمدينة الملك فهد الطبية مع الحصول على الفائدة الأهم عندما تؤول ملكيته إلينا، هو نموذج يطبق في المشاريع الكبرى التي تحتاج إلى تقنيات عالية ونقل تقنية وفي نفس الوقت توجهنا إلى القطاع الخاص والعمل بآليات القطاع الخاص من أجل تحقيق أفضل أنواع الكفاءة التشغيلية لمثل هذه المراكز والتي يستفيد منها المريض مباشرة.
هل تم استلهام تطبيقات عالمية حديثة في مجال التنمية الذاتية من خلال تجربتكم، وما الذي يصنع تميز شخصية خاصة لهذه التجربة في رأيكم؟
سؤال جيد، يمكن تشغيل الصندوق على عدة مستويات، وقد اخترنا ألا نشغله بطريقة نمطية تجعله مجرد وعاء للإيرادات وإنما رؤيتنا وتوجيهات المدير العام التنفيذي للمدينة الطبية تتجه إلى أن يكون الصندوق أداة للابتكار في توفير الخدمات بطرق جديدة، ومن أجل هذا الهدف تواصلنا مع بيوت المال والتمويل والصناديق الاستثمارية في البنوك محليا وعالميا، سوق الاستثمار في القطاع الصحي كان من اهتماماتنا وكذلك فتح مجالات كبيرة كمشروع البروتون وقريبا استحداث شراكات استراتيجية في مجال إنشاء مراكز تدريب وغيره، من جهة أخرى، معروف أن القطاع الصحي في دول العالم خصوصا في أمريكا هو مبني على التبرعات، بل إن أكبر المؤسسات التعليمية والصحية مثل هارفارد ميديكال ومايو كلينيك كلها قائمة على برامج أوقاف وهبات، وبالتالي حرصنا على الاستفادة من هذه التجارب في بناء آلية واستراتيجية لتأسيس أوقاف وهذا ليس غريبا على تطبيقات الاقتصاد الإسلامي لكنه كان يفتقر إلى التفعيل المناسب في السنوات الماضية في ظل بنود الدعم والميزانيات المقررة للخدمات الطبية، والتفكير الجديد الآن يتجه إلى إيجاد قطاع صحي قادر على مواجهة زيادة تكاليف العلاج ونمو السكان عن طريق تحقيق ديمومة في وجود إيرادات مادية ناتجة عن نشاط المنشأة نفسها بما يحقق نموا واستدامة للمنشأة، إضافة إلى ما يتوفر من ميزانياتها المعتمدة، القطاع الصحي قطاع تكلفته مستمرة ومتصاعدة مع زيادة عدد السكان، والدولة وضعت آليات في خطة التنمية الأخيرة لتحفيز القطاع الصحي على تنمية إيرادات ذاتية، ونسعى أن يقدم الصندوق النموذج لما يمكن تحقيقه في هذا المجال في القطاع الصحي ومرجعا في التنظيم وآليات الاستثمار. وتطلعاتنا أن يكون قابلا للتطبيق في المدن الصحية الأخرى الموجودة في الدمام ومكة المكرمة أو التي ستنشأ قريبا، وهي كلها تصب في إيجاد رافد مستمر من الإيراد لخدمة المريض والتوسع في خدمات القطاع الصحي.
ما زالت ثقافة الاستثمار في المجال الاجتماعي غائبة في ظل اقتصار صورته الذهنية على الطابع الخيري عديم المردود، هل لديكم مشاريع لصناعة استثمار خيري محترف يدعم نفسه ذاتيا؟
لدينا مشروع حيوي ومهم وهو مشروع الرعاية الصحية المنزلية.. والذي يقوم على أن يكون مؤسسة لا تهدف إلى الربح وتوجد خدمة مضافة جديدة للمجتمع عن طريق الاستفادة من آليات السوق وأنظمة الأعمال، وهذا ما سيحقق الديمومة والعمل بإنتاجية عالية وكفاءة. إذا أخذنا تبرعا ووجهناه فقط في خدمة معينة سينتهي، وإذا استطعت أن تبني من التبرع والوقف نشاطا وتحقق منه استمرارية ونموا في الخدمة فهذا هو الأفضل والأسلوب الذي نعمل على اتباعه، أو بمعنى آخر، نسعى للوصول إلى نشاط يكون ربحيا في ظاهره ولكنه يعود إلى المجتمع والقطاع ككل بالفائدة خاصة أن المستثمر العادي قد لا يرى في الرعاية الصحية المنزلية استثمارا مجديا إذا ما قورن بالاستثمار في نشاطات أخرى، وبالتالي لا يتحمس له بجانب أن الرعاية الصحية المنزلية استثمار طويل الأجل وعوائده بسيطة. والمعروف أن بعض الخدمات الصحية قد تكون تخدم فقط شريحة محددة من المرضى ولكن لا تكفي لتكون مشروعا اقتصاديا مجديا، وهذا سبب عزوف رجال الأعمال عن الاستثمار فيها، أما نحن في الصندوق نستطيع إيجاد هذه الخدمة وتدوير المردود العائد منها، سأعود لمثال العلاج بالبروتون.. صحيح أنه قد يخدم ما يقارب 12 ألف مريض في السنة، وهو عدد بسيط نسبيا لكنه المريض الواحد يجد أسلوباً علاجيا قد ينقذ حياته، لاحظ كذلك أن تكلفة الحالة الواحد تفوق 200 ألف دولار، لا يستطيع تحملها المريض بينما المشروع يوزع هذه التكلفة ويحقق الإيراد.
لو بقينا في السياق ذاته، كم حجم التوفير الاقتصادي التقريبي العائد من مشروع العلاج بالبروتون؟
التوفير المعنوي أولا في تجنب العناء والسفر للخارج، وماديا.. نعتقد أن المشروع سيجعل ما يصرف على المريض بالدولار لو تم العلاج في الخارج يصبح بالريال فإن كان 100 ألف دولار فستصبح 100 ألف ريال، وهذا يعني التوفير إلى الثلث تقريبا.
تضمنت القرارات الملكية الأخيرة دعما مهما للقطاع الصحي ومن ضمنه المدينة الطبية.. كيف سينعكس هذا على برامج الصندوق؟
كما نعلم توجهت القرارات إلى المشاريع التوسعية في المدينة وبالتأكيد سنعمل على التجاوب معها ونخدم ما من شأنه تحقيق الغاية المنشودة، وسيسهم الصندوق باستعمال القنوات المتاحة له في نقل خبرة مدينة الملك فهد الطبية للمدن الصحية الأخرى التي ستنشأ، وإيجاد شراكات لدعم التسريع في التوسع الذي يتجه إليه القطاع الصحي بالدعم الكريم من خادم الحرمين الشريفين، الصندوق جاهز لتستفيد المدينة من آلياته.
كلمة أخيرة تود توجيهها عبر صحيفة «الاقتصادية».
أشكرك وأشكر ''الاقتصادية'' لتسليط الضوء ما في الجعبة كثير، نعتز بتجربة الصندوق ونتمنى أن تكون تجربة وطريقة عمل توجد الإمكانية لمدينة الملك فهد الطبية لتحقق الكثير من أهدافها كما هو الحال دائما في المدينة التي تسعى دوما أن تكون معيارا للجهات الطبية المختلفة ومرجعا لها، كذلك في الصندوق نسعى أن تكون تجربتنا مرجعية تستطيع الجهات الطبية الاستفادة منها، ما زلنا نتعلم الكثير أيضا من قطاعات أخرى أو من زملائنا في القطاع الطبي من أجل أن يصبح هذا الصندوق بعد سنوات - إن شاء الله - جزء لا يتجزأ من عمل المدينة الطبية ويمكنها من تحقيق أهدافها كما يجب.