دور غرفة الرياض في دعم التجارة الوطنية
عرف العالم من قرون عدة الغرف التجارية، كما وعت شعوب بعض الحضارات القديمة مفهومها بصورة أو بأخرى، عكست مبادئها العامة للنظام الاقتصادي في حينه. لذلك كان دورها وفلسفتها مختلفا بشكل أو بآخر من نظام اقتصادي إلى آخر وإن صبّت جميعا في بوتقة رعاية مصالح منسوبيها وخدمتهم عبر تلاحمها مع الأجهزة ذات العلاقة في الدولة، قبل أن يتطور مفهومها مجددا؛ لتبادر في الوقت نفسه لخدمة مجتمعها وتطويره عبر فعالياتها الاقتصادية والمالية على وجه الخصوص.
ومنظومة الغرف التجارية الصناعية في المملكة تقدم دورا متناميا في تنظيم فعاليات القطاع التجاري والصناعي الأهلي، وحققت الكثير من المنجزات في قيادة العمل المؤسسي لهذا القطاع وتبني مبادراته وتعزيز إسهاماته في تنفيذ برامج التنمية الشاملة حاضرا ومستقبلا.
وغرفة الرياض، التي احتفلت العام الماضي بمرور 50 عاما على تأسيسها بالرعاية الكريمة للأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، إضافة إلى الدعم والمساندة التي ساندت هذا الكيان الكبير من جميع المؤسّسات؛ تعطي دلالة ورموزا مهمة إلى المكانة التي تحظى بها غرفة تجارة الرياض وأعضاؤها ومن منسوبيها من ولاة الأمر - حفظهم الله - على مدار تاريخها وما يُخطط لها من دور مستقبلي في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في هذا الوطن المعطاء.
عزّزت غرفة الرياض خلال مسيرتها من خدماتها المبتكرة، التي تترجم دورها الأصيل، فضلا عن أدوارها الحيوية والمؤثّرة في المجتمع مساهمتها الفاعلة في تطوره، جنبا إلى جنب مع دورها الرئيس لخدمة منسوبيها؛ وتذليل العقبات التي تواجه الصناعة الوطنية، والقيام بدور المنسق والمساعد في حل المعضلات التي تعترض منشآت القطاع الأهلي؛ ووضعت نصب عينيها دعم وتطوير منشآته وفعالياته الاقتصادية والإنتاجية، هدفا لها؛ نظرا للأهمية المتزايدة لهذه الخدمات واكتسابها أهمية خاصة في اقتصاديات المنشآت الخدمية المتطورة.
وتفعيلا لحضورها في مختلف الهيئات والجمعيات واللجان الخدمية والخيرية والاجتماعية الوطنية؛ أكّدت الغرفة علاقتها بمجتمعها، ودعم برامج ونشاطات هذه الجمعيات لمصلحة مجتمع منطقة الرياض؛ كمظلة ترعى منشآت القطاع الخاص في منطقة الرياض فحسب، وأيضا تسهم في تنمية المجتمع وتلبية احتياجاته من خلال تأصيل فكر وثقافة خدمة المجتمع لدى منسوبيها من شركات ومؤسسات وأفراد، عبر ثقافة المسؤولية الاجتماعية، وعلى نحو أكثر تنظيما. وتميّزت بدور فاعل عبر برنامج محدد أطلق عليه برنامج المسؤولية الاجتماعية (مسؤولية)، حيث تحرص الغرفة على تقديم الخدمات الاجتماعية والخيرية والتطوعية المثلى.
وعلى المستوى الدولي، أقامت غرفة الرياض جسورا من العلاقات، عبر استقبال الوفود الأجنبية والزيارات الخارجية وإقامة الملتقيات والمنتديات الاقتصادية المحلية والدولية على السواء والتعريف باقتصادنا والترويج لمنتجاتنا وفرصها الواعدة؛ وتيسير السبل التنظيمية والفنية أمام الفعاليات الوطنية والأجنبية بما يدفع إلى المزيد من جذب واستقطاب الاستثمارات في المملكة. ولعل أبرزها منتدى الرياض الاقتصادي، الذي يُعد مركزا فكريا استراتيجيا، يهدف إلى مناقشة القضايا الاقتصادية الوطنية بأسلوب علمي وباتباع منهجية مختلفة تقوم على مبدأ المشاركة الفكرية والعصف الذهني.
خدمات الغرفة التجارية والصناعية في الرياض لن تتوقف؛ امتدادا لمسيرتها في تطوير القطاع التجاري في المملكة خلال الـ51 عاما الماضية من تاريخ الوطن، التي توجّته خلال رحلتها الذهبية في مسيرة تحقيق الخير والتنمية والرخاء بإذنه تعالى، مركزة على وشائج الصلة وترابطها مع أبناء هذا الوطن المعطاء بروابط المحبة والتآلف والعمل المشترك كأسرة واحدة من أجل نهضة هذا الوطن وتقدُّمه وازدهاره يربطهم القاسم المشترك من العطاء والعمل التطوعي لخير هذا المجتمع..
هذا الجهد الكبير المبذول من الغرفة يضاعف مسؤولية منسوبي الغرفة وأعضاء لجانها وأمانتها ومجلس إداراتها وقيادتها ليحققوا ما يصبو إليه مجتمعها وما يأمله قيادتنا الحكيمة. وما يمكن أن تنهض به مستقبلا لأعضائها ومجتمعها ووطنها. إضافة إلى مضاعفة دورها الوطني في تطوير وتدعيم التعاون الخليجي والعربي والعالمي المشترك من خلال موقعها وشراكتها وعضويتها في اتحاد الغرف الخليجية وغرف دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد العام للغرف العربية والدولية.. كل ذلك وغيره الكثير يؤكد الحقيقة الثابتة بضرورة تواصل تطوير عملها المؤسّسي الرائد، ووصل الماضي في تناغم بالحاضر ليكون أساسا للمستقبل.
وكلي أمل أن تتوافر خطة موضوعية للتقويم الذاتي، تلقي المزيد من الضوء على مسيرتها الماضية، لمعرفة مدى الاستفادة من تجاربها السابقة لبلورة طموحات أعضائها المستقبلية في مشاركة فاعلة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية، متعاونة في ذلك ومكملة لجهود المؤسسات والأجهزة الرسمية وكل الهيئات والجمعيات الوطنية الأخرى ذات العلاقة؛ وابتكار ما يمكن أن تقدمه لأعضائها ومجتمعها ووطنها؛ لتكون، كما هي دائما، أهلا للثقة التي اختصها بها قيادتنا الحكيمة، وفي المستوى الذي يطمح إليه أعضاؤها أن تتبوّأه.