عصر تباين التحديات الاقتصادية والعمل غير المشترك
شاركت في النسخة التاسعة من منتدى المراجعة الاستراتيجية للأوضاع في العالم، الذي نظمه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في مدنية جنيف في سويسرا في الفترة ما بين 9 حتى 11 أيلول (سبتمبر) الجاري. وقد ارتأينا مشاركة القراء بعض المسائل الاقتصادية التي تم التطرق إليها بطريقة أو بأخرى في المنتدى.
يشتهر المعهد بإقامة فعالية حوار المنامة في البحرين على مدى ثلاثة أيام، حيث يدعى إليه كبار الشخصيات السياسية والأمنية من جميع أنحاء العالم. على سبيل المثال، ألقت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون الكلمة الرئيسة في حوار المنامة في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وتبين حينها أن الزيارة هي الأولى للوزيرة للبحرين. بيد أنه تقرر عدم تنفيذ النسخة الثامنة من حوار المنامة نهاية العالم الجاري بسبب الظروف السياسية والأمنية في البحرين.
الذكرى العاشرة
اكتسب منتدى هذا العام أهمية خاصة، حيث انتهى في الذكرى العاشرة لأحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر). ولم يختلف المشاركون في المؤتمر في اعتبار الحادث الإرهابي ضد نيويورك وواشنطن قبل عشر سنوات بمنزلة نقطة فاصلة في التاريخ الحديث. من جملة التداعيات المتنوعة، تسبب الحادث في دخول الولايات المتحدة في حرب ضد أفغانستان أولا والعراق ثانيا، الأمر الذي أجبر البلاد على صرف أموال ضخمة على الأمن والدفاع، وبالتالي المساهمة في المعضلة الاقتصادية التي تعيشها الولايات المتحدة في الوقت الحاضر.
تتمثل المعضلة الاقتصادية الأمريكية هذه الأيام في قيمة المديونية العامة نسبيا التي بلغت حاجز 14.7 تريليون دولار مع بدء انطلاق المنتدى، أي نحو 98 في المائة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. ومن شأن مديونية كهذه جعل الولايات المتحدة أمام خيارات صعبة تشمل فرضية تقليص حجم النفقات على شؤون الأمن من جهة بهدف الحد من المصروفات والدفع باتجاه تخفيض قيمة الدولار في ظل مستوى متدن لمعدلات الفائدة من جهة أخرى بقصد تعزيز الوضع الاقتصادي. وتشمل الخيارات الصعبة الأخرى إمكانية رفع سقف الضرائب، أي الحديث عن موضوع حساس في موسم الانتخابات في الولايات المتحدة.
من جملة الأمور اللافتة، خصصت واشنطن ميزانية ضخمة قدرها 159 مليار دولار للصرف على العمليات العسكرية في أفغانستان والعراق في السنة المالية 2011. وهناك نية لتخفيض الرقم إلى 118 مليار دولار في السنة المالية 2012 بالنظر للأوضاع الاقتصادية في البلاد. وفي كل الأحوال، من شأن تخفيض الحرب في أفغانستان والعراق دفع الشركات المصنعة للسلاح للبحث عن أسواق جديدة بما في منطقة الشرق الأوسط.
تراجع التعاون الدولي
من جملة الأمور الأخرى، توافقنا مع التحليل المقدم بأن الأوضاع الاقتصادية المحلية الصعبة في الكثير من دول العالم تحد من مستوى التعاون الدولي لحل التحديات المختلفة. بمعنى آخر، تعمل مختلف الدول للقضاء على التحديات المحلية من قبيل البطالة والعجز في الميزانيات العامة بدل العمل معا. وربما هذا يفسر عدم وجود خطة عمل واضحة بين دول مجموعة العشرين، التي تضم فيما بينها كبريات الاقتصاديات العالمية. بل يلاحظ وجود نوع من عزوف في اجتماعات، وبالتالي تنسيق المواقف بين دول المجموعة.
وابتداءً من عام 2011، فقد تم قصر اجتماعات قادة المجمعة لاجتماع واحد سنويا بدل الاجتماعين كما كان عليه الحال بعد اندلاع الأزمة المالية العالمية في صيف 2008. وعقد قادة المجموعة اجتماعين في عام 2010 الأول في مدينة تورنتو في كندا في حزيران (يونيو) والثاني في سيؤول في كوريا الجنوبية في تشرين الثاني (نوفمبر). بيد من المقرر أن تستضيف مدينة كان الفرنسية النسخة السادسة من اجتماع قادة مجموعة العشرين في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، على تستضيف المكسيك اجتماع عام 2012.
أزمة منطقة اليورو
يعود جانب من تراجع التنسيق بين دول مجموعة العشرين للظروف الاستثنائية التي تمر بها منطقة اليورو في ضوء المديونيات الصعبة للعديد من الدول الأعضاء في المنظومة. يشار إلى أن دول الاتحاد الأوروبي تشكل السواد الأعظم من مجموعة العشرين، من خلال عضوية فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، إضافة إلى المفوضية الأوربية كممثل عن بقية الدول الأعضاء في الاتحاد الذي يضم 27 بلدا.
وكزائر هذه الأيام لعدد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي فقد تبين لي أن الحديث المشترك بين المتابعين والمهتمين هو أزمة مديونية اليونان والأزمة نفسها في دول أخرى مثل إيطاليا وأيرلندا وإسبانيا والبرتغال. فعلى الرغم من حصول اليونان على مساعدات بقيمة 158 مليار دولار في عام 2010 فقد عاد الحديث مجددا حول حاجة البلاد إلى معونة اقتصادية جديدة للتعامل مع مديونية قدرها 465 مليار دولار، أي 160 في المائة مقارنة بحجم الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. طبعا يحدث كل هذا في ظل المواقف المتشددة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والداعية لتحمل الدول التي تعاني ظروفا مالية صعبة تداعيات العيش فوق طاقتها.
باختصار، نعيش في فترة تتميز بتباين الظروف والتحديات الاقتصادية للدول ما يعني صعوبة العمل الدولي المشترك.