توسعة خادم الحرمين الشريفين الأضخم والواجب الوطني
حظيت عمارة المسجد الحرام منذ فجر الإسلام، بنقلات معمارية كثيرة على مرّ العصور، وشهد توسعات عدة منذ أن فتح رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) مكة، فأزال ما كان على الكعبة من أصنام، ومحا كل أشكال الجاهلية والشرك..، وعُني بها خلفاء الدولة الإسلامية وملوكها على مدار التاريخ، مرورًا بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بعدما استشعر الحاجة إلى هذه التوسعة، وسار على نهجه، أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وتوسعة عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنه، وتوسعة الوليد بن عبد الملك، وتوسعة أبي جعفر المنصور، وتوسعة الخليفة العباسي الثالث توسعة المهدي، وتوسعة المعتضد العباسي، وتوسعة المقتدر بالله العباسي، وصولاً للتوسعة السعودية المباركة للمسجد الحرام، بمراحلها كافةً، بدايةً بتوسعة الملك المؤسّس عبد العزيز، طيّب الله ثراه، مرورًا بأبنائه البررة، الملوك: سعود، وفيصل، وفهد، رحمهم الله، ختامًا بتوسعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - التي جمعت بين التطور والتوسع الرأسي والأفقي والخدمي؛ لتصبح علامة فارقة في تاريخ عمارة المسجد الحرام، تضاف إلى رصيده، حفظه الله، من المشاريع المتنوعة للبيت العتيق، ومن ذلك توسعة المسعى الذي ارتفعت طاقته الاستيعابية من 44 إلى 118 ألف ساعٍٍ في الساعة؛ ما يسّر على حجاج بيت الله الحرام، والمعتمرين أداء مناسكهم في طمأنينة وهدوء وسكينة، فضلاً عن توسعة المطاف، لتكتمل المنظومة الخدمية للحجاج والمعتمرين ليستوعب المطاف بعد توسعته نحو (130000) طائف في الساعة، أي ضعفي عدد الطائفين تقريبًا؛ برزت عنايته ــ حفظه الله ــ بالحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة بتدشينه ساعة مكة المكرمة؛ إيذانًا ببدء توقيت مكة المكرمة العالمي؛ وجسر الجمرات وقطار المشاعر، إضافة إلى مشروع ُسقيا زمزم الذي وفَّر الماء المبارك بأسلوب تقني متطور، وغيرها من المشروعات الحيوية، التي تستهدف ضيوف الرحمن من جميع أرجاء المعمورة.
تلك التوسعة التي تعد الأضخم على مدار التاريخ في البيت العتيق، كما ذكر الشيخ صالح الحصيّن، الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام، والمسجد النبوي الشريف، "ليست أعظم من أي توسعة جرت في التاريخ فقط، بل هي أعظم من مجموع التوسعات كلها التي وجدت في التاريخ، بل أعظم منها مرة ونصف". بمساحة تقدّر بـ 400 ألف متر مربع وبعمق 380 مترًا، وتقدر طاقة التوسعة الاستيعابية بعد اكتمالها بنحو مليون، وستمائة ألف مصلٍّ، فيما بلغت قيمة العقارات المنزوعة لمصلحة المشروع أكثر من 40 مليار ريال (11 مليار دولار)، بتكلفة إجمالية للمشروع بلغت أكثر من 80 مليار ريال بما في ذلك قيمة العقارات المنزوعة، كما أعلن ذلك وزير المالية.
هذه المبادرة الكريمة السخية من لدن خادم الحرمين الشريفين لتوسعة المسجد الحرام الشريف، تأتي ابتغاءً لوجه الله ثم لجموع ضيوف الرحمن والمعتمرين والمصلين، الذين يقصدونه من كل فج عميق، ولتواكب الزيادة المتنامية باطراد في أعدادهم وأعداد المصلين في جنباته، أوقات الذروة من العام، ولا سيما في رمضان والأعياد وموسم الحج؛ لتسهم بفاعلية قصوى في زيادة طاقة الساحات الاستيعابية المحيطة بالمسجد الحرام.
بهذه المشاريع العملاقة، لخادم الحرمين الشريفين، تصبح مكة المكرمة في طليعة المدن المتطورة، ومنارة عالمية، وبوصفها، موئلاً لبيت الله الحرام، التي تتطور وتتزيّن بأبهى حلة، تليق بمكانتها المقدسة والتاريخية، ولجموع المسلمين الذين يتوجهون إليه خمس مرات كل يوم وليلة، كأطهر بقعة على وجه الأرض، ومهوى أفئدة أكثر من مليار ونصف المليار مسلم.
وبتلك التوسعة العظيمة أيضًا، تؤكّد هذه البلاد المباركة والمعطاءة منذ تأسيسها جل رعايتها وعنايتها بالمسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف وتفخر دومًا بشعار خدمة ضيوف شرف لنا، منذ عهد الملك عبد العزيز، طيّب الله ثراه، حتى هذا العهد الزاهر.. عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حفظه الله، وعدّته وسامًا رفيعًا على صدرها، وصدور ولاة أمرها، وهل ثمة مرتبة أسمى من أن تكون هذه الدولة المباركة، موئلاً حاضنة لأقدس البقاع قاطبةً، وولاة أمرها في خدمة هذه الأرض الطاهرة؟!
كما ذكرت آنفاً أن جميع المشاريع التي تخص الحرمين الشريفين كان دافعها هو ابتغاء وجه الله تعالى وخدمة المسلمين في جميع أصقاع المعمورة شأنهم شأن مواطني المملكة، المنفعة واحدة يجمعهم دين واحد فهذه المليارات تم صرفها لخدمة المسلمين كافة وهذه المشاريع لم تنجز إلا لخدمتهم.
بقي أن نسأل أنفسنا: هل قمنا بواجبنا ككتاب أو إعلاميين أو جهات حكومية أو خاصة في تعريف المسلمين في أنحاء العالم بهذه المشاريع العملاقة وقمنا بتسويقها تسويقاً محترفا على غرار ما تقوم به وكالات الدعاية والإعلان العالمية عند ترويجها منتجا معينا مستخدمة أحدث التقنيات والأساليب في هذا المجال؟ ومما يجعل هذا الأمر ملحّاً هو ما نلحظه من بعض أعداء هذا البلد من هجوم شرس وما ينظم من حملات مغرضة ضد المملكة مستهدفين خدمتها للحرمين ومستغلين جهل بعض المسلمين.
أرى أن يكون الخطاب موجها للمسلمين مباشرة وأن يخاطبوا بلغتهم الأم بمن في ذلك الأقليات المسلمة التي يزيد تعدادها على عدد البلدان العربية مجتمعة وأن ترصد الميزانيات لهذا الهدف وأن تؤسس وكالة خاصة لهذا الغرض وهو مخاطبة البلدان الإسلامية من خلال قنواتها المحلية والرسمية لتبيان الحقيقة وتبيان جهود هذا البلد الطيب الذي سخر لخدمة الحرمين الشريفين.
أسأل الله العلي المنعم، أن يمد في عمر خادم الحرمين الشريفين ويمتعه بالصحة والعافية كما نسأله جلت قدرته أن يبارك في أعماله ويجزيه خير الجزاء عن الإسلام والمسلمين.