القفز من المقلاة إلى النار
يعاني أعضاء منطقة اليورو نوبة حادة من ندم المشترين. ويود كثيرون منهم تفكيك الطقم الذي اشتروه قبل نحو 20 عاماً، وقاموا بتجميعه في أواخر التسعينيات وفي العقد الأول من القرن الحالي. لكن لا يمكنهم تحطيمه إلا مع تحطيم الهيكل الكامل للتعاون الأوروبي. وأثناء ذلك ينظر العالم في هلع إلى منطقة اليورو وإلى احتمال أن تكون على وشك إطلاق موجة من الديون السيادية والأزمات المصرفية. وإذا كان الأمر كذلك، فلن تكون المرة الأولى التي تجلب فيها الحماقة الأوروبية الدمار للعالم.
المثالية التي دفعت المشروع الأوروبي اختفت، لكن المصلحة الذاتية تثبت أنها بديل غير كاف. وتلعثمات السياسيين الوطنيين الممكن دحضها من قبل جمهور الناخبين المحبطين، تجعل الأمور أسوأ. ويُبرز جاك كيلو، كبير اقتصاديي شؤون أوروبا في RBS، الأخطاء في ورقة عمل حديثة له. وهو يتهم زعماء منطقة اليورو بأنهم فشلوا في فهم حجم وطبيعة الأزمة، وتحركوا دون توجه سليم باتجاه المؤسسات المحلية، وركزوا على وضع الشريرين في المناصب، على الرغم من أن الإقراض السيئ يستحق اللوم بقدر ما يستحقه الاقتراض السيئ. وهو على حق في ذلك. ويضيف الآن عنصرين جديدين دخلا المشهد. أولهما أن رأي الألمان يتحول ضد بنكهم المركزي، والآخر أن عدداً من السياسيين، بمن فيهم رئيس وزراء هولندا، مارك روت، يشيرون إلى احتمال خروج إجباري.
مع ذلك، نقطة الاتحاد النقدي هي أنه غير قابل للإلغاء. واعتمدت المنافع المفترضة على ذلك. وأي حديث عن الخروج يعيد طرح خطر العملات. إضافة ذلك، حسبما تجادل ورقة RBS ''لا نستطيع رؤية أي إعلان سياسات يمكنه أن ينجح في تخفيض تكلفة الخروج إلى مستويات يمكن إهمالها''. ويواجه المستثمرون في الوقت الراهن الديون السيادية، والمخاطر المالية، ومخاطر الخروج. وتتضمن النتائج استمرار حدة الديون السيادية والمصرفية، بل حتى تجزئة سوق رأس المال إلى مكونات وطنية.
مع ذلك، بمجرد كسر المحظور لا بد من اختبار احتمال الخروج. فهل هذا أمر محتمل، أو حتى مرغوب فيه؟ أي مناقشة مثل هذه يجب أن تبدأ باليونان. وجادل نورييل روبيني، من مدرسة شتيرن في جامعة نيويورك، بأن على اليونان أن تعلن عجزها وتخرج من منطقة اليورو. ولا أواجه صعوبة في قبول الاقتراح الأول. وقليلون هم الذين يستطيعون الاستمرار في الاعتقاد أن بالإمكان تجنب تقليص ضخم في ديون البلد. فالأمر متعلق بمتى وليس بإذا.
مع ذلك، هل يعني ذلك خروجاً إجبارياً من منطقة اليورو؟ الإجابة هي لا. وهذا رأي عبر عنه ويليم بيوتر وإبراهيم رهباري، من سيتي، في ورقة عمل مشوقة أخرى. وسيحدث الخروج بالفعل إذا لم تقم بقية بلدان منطقة اليورو بأي شيء، بما في ذلك البنك المركزي الأوروبي، بخصوص إعادة رسملة البنوك اليونانية وإعادة تسييلها. وسيصبح إيجاد عملة جديدة في هذه الحالة أمراً حتمياً. لكن بإمكان شركاء اليونان الحؤول دون الوصول إلى هذه النتيجة.
هل يتعين على اليونان أن تنشط في السعي إلى خروج يحقق مصالحها؟ يختلف الاقتصاديون في هذا الأمر. ويعتقد بويتر ألا فائدة من تخفيض قيمة العملة، مجادلا بأن التضخم سيقضي عليه. أما روبيني، فيعتقد أن ذلك أمر أساسي. وأنا أتفق مع روبيني، لأن لدى اليونان عجزاً ضخماً في الميزان الجاري واقتصاداً راكدا. وبالتالي هناك حاجة إلى تخفيض كبير في قيمة العملة. ومن السهل بكثير تحقيق هذا الأمرمن خلال تخفيض العملة، بدلاً من انكماش التكاليف.
مع ذلك، فكرة الخروج أيضاً هائلة الصعوبة من حيث التطبيق وتتطلب من البلد المعني، من الناحية القانونية، الخروج من الاتحاد الأوروبي. فهل يكلف الاتحاد نفسه عناء دعوة الشرير إلى الانضمام إليه ثانية؟ ذلك أمر غير محتمل. ونتيجة لذلك، فإن البلد الخارج سيستثنى من السوق المشتركة كذلك. وفوق ذلك من الممكن أن يجد من المستحيل عليه الخروج سريعاً، وبصورة نظيفة. وبينما تنتشر القصة، سيكون هناك تدافع على كل مطلوباته. وقد تضطر الحكومة إلى وضع سقوف لمبالغ السحب من البنوك، إذا لم تغلقها تماما. ويمكن أن تكون كذلك بحاجة إلى فرض قيود رأسمالية، الأمر الذي يخالف التزامات المعاهدة الأوروبية. وبإمكانها أن تعيد تعريف الديون المتعاقد عليها محلياً، لكن ليس بإمكانها ذلك بالنسبة إلى الديون المتعاقد عليها في الخارج، لأن مؤسسات كثيرة ستفلس في هذا الوضع. ويقدر تقرير صادر عن UBS التكلفة الاقتصادية الكلية في العام الأول بما يراوح بين 40 و50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
كذلك ستكون العدوى حتمية. ويفترض أن يتم بذل جهد لبناء حاجز فاصل بين البلد الخارج، والبلدان الأخرى المعرضة للعدوى. ومعظم ديون اليونان خارجية. وبمجرد خروج بلد واحد ستكون مخاطر العملة أكثر واقعية لكل من البلدان المعرضة للعدوى، بما فيها إيطاليا وإسبانيا، ولا تستطيع أي من الحكومتين، أو شركاتهما، بيع ديونها بسهولة. وقد تشهد البنوك اصطفافا لسحب الأرصدة. وسيرغم البنك المركزي الأوروبي على الإقراض من دون حدود، وستبدو الارتباطات الدولية للبنوك في حالة رهيبة. ووفقاً لبيانات بنك التسويات الدولية، تعاملات البنوك الأمريكية وحدها مع اليونان، وإيرلندا، وإيطاليا، والبرتغال، وإسبانيا، تبلغ 478 مليار دولار.
بالتالي، الخروج حتى من جانب بلد صغير وضعيف أمر مخيف. فماذا عن خروج بلدٍ كبير، مثل ألمانيا؟ ستبرز القضايا القانونية مرة أخرى في هذا الوضع، على الرغم من أن من المفترض أن تجعل ألمانيا المعاهدة تتغير لصالحها. ومرة أخرى سيكون هناك هروب كبير في هذه الحالة إلى ألمانيا. إضافة إلى ذلك، خروج ألمانيا سيقضي على استقرار بقية منطقة اليورو، الأمر الذي يحمل معه احتمال تفكيك منطقة اليورو. وأثناء ذلك، وكما جادلت في الأسبوع الماضي، سيشهد هذا البلد القوي صدمة سلبية هائلة، تخسر معها بنوكه في قيمة أصولها الأجنبية، ويعاني مصدروه من خسارة ضخمة في قدرتهم التنافسية. ويورد تحليل UBS أن بلداً قوياً، مثل ألمانيا، يمكن أن يخسر 20 – 25 من ناتجه المحلي الإجمالي خلال السنة الأولى. والأبعد أثراً من ذلك أن خروج بلد مركزي من اليورو (ووفقاً للقانون الحالي من الاتحاد الأوروبي) يهدد ليس فقط السوق المشتركة، ولكن كذلك كل نسيج التعاون الأوروبي ما بعد الحرب. وسيترك ذلك ألمانيا وفرنسا معزولتين ودون استراتيجية.
لا يمكن لمنطقة اليورو في مثل هذه الظروف أن تظل كما هي، ولا يمكنها إلغاء ما قامت به وستجد أن من المؤلم المضي إلى الأمام. غير أن مجرد فكرة الخروج تعمل على إثارة حالة من عدم الاستقرار. لقد أنشأوا منطقة اليورو وعليهم الآن جعلها تعمل بنجاح. والمطلوب حاليا هو توسع اقتصادي قوي في دول المركز، ليس أقله من خلال تخفيف فوري لسياسة البنك المركزي الأوروبي النقدية، إضافة إلى دعم قوي للبلدان التي تواجه أسواق ديون عامة غير سائلة، وتقليص ديون كبير في بعض الحالات. وفي الأجل الطويل، الحد الأدنى المطلوب هو درجة أعظم بكثير من التضامن والانضباط الماليين، وإيجاد نظام مصرفي على نطاق منطقة اليورو، بمستويات رسملة أعلى بكثير.
فهل هذا أمر ممكن؟ لا أدري. لكنني أعرف تماماً ما الأمور التي على المحك. وتكره منطقة اليورو أن تكون في المقلاة، وعليها ألا تقفز في النار.