الصناعات الثقافية.. ذراع اقتصادية معطلة في العالم العربي
وحده القطاع الثقافي تقريبا، لا يمتلك ذراعا اقتصادية كما هو الحال في قطاعات أخرى صحية واجتماعية ورياضية، ثمة أسباب عدة لا يهتم المثقفون بدراستها أو معالجتها رغم معرفتهم بأنها تصرف وجهة الاستثمار بعيدا عن مجالهم الذي ما زال يقوم فقط على الدعم الرسمي في حين لم يقم بأي خطط إستراتيجية تصنع منه بيئة حقيقية لأي مشروع قابل لاستقطاب القطاع الخاص.. وهو ما أدى إلى غياب المنتج الثقافي الفعلي وانعدام التطبيق الذي تتداخل فيه القيمة المعرفية والإبداعية مع استثمارها ماديا وحضاريا.
وفي الوقت الذي تعرف فيه اليونسكو ''الصناعات الثقافية'' بأنها الصناعات التي تنتج وتوزع النتاج والخدمات الثقافية بحيث يتبين لدى النظر في صفتها أو أوجه استخدامها أو غايتها المحددة أنها تجسد أو تنقل أشكالا للتعبير الثقافي بصرف النظر عن قيمتها التجارية'' تتنوع هذه الصناعات والمنتجات فتمتد من صناعة الأقلام والورق والأدوات التقنية من أقراص وأشرطة وتتوسع باتجاه تصنيع الأجهزة والبرمجيات وإنتاج المواد الثقافية مرئية ومسموعة وإلكترونية، كما يدخل في إطارها دعم الصناعة التراثية ورعاية المواقع الأثرية وقد يختلف عدد من الدول في تصنيف بعض هذه المنتجات، إلا أن متخصصين في التنمية يتفقون في اتجاههم إلى أهمية هذه الصناعة بكل مستوياتها وضرورة الاستثمار في مجالاتها لتحقيق خدمة للفكر والأدب والعلوم والفنون ودعم التقنيات المتصلة بالمجال التنموي الثقافي، وهو ما من شأنه النهوض بمجالات الابتكار والإبداع وتوفير مناخ تحمى فيه الملكية الفكرية وتتطور فيه مختلف الطاقات والقدرات المشاركة بالعملية الثقافية.
وبحسب ما هو قائم حاليا فإن مفهوم الصناعة الثقافية الذي تصل منتجاته إلى 10 في المائة من إجمالي الصناعة العالمية، شبه غائب في العالم العربي وهو شبه معدوم في الاقتصادات الوطنية والقومية، كما أن الاستثمار في المجال الثقافي لا يكاد يذكر بالمقارنة مع مجالات أخرى، وهو الواقع الذي ترى مؤسسات أنه يقود إلى ضعف احتمال تحقيق متطلبات واستحقاقات الثقافة فضلا عن عدم القدرة على مجابهة تحديات الأمن الثقافي القائمة على صناعة تنمية في هذا المجال، تمثل عنصرا رئيسيا من التنمية المستدامة. المفارقة التي يجب معرفتها هي أن الأرض العربية تتمتع بالخامات الأولية للصناعات الثقافية، غير أنه لا ينتج معظم احتياجاته من المواد والسلع والأجهزة فضلا عن عدم امتلاك التقنية والمهارة للتصنيع والصيانة وهو ما يترتب عليه الخضوع الكامل لمزاج السوق العالمية، وبحسب تقرير التنمية الثقافية فإن إنتاج العرب من الورق لا يتعدى 40 في المائة من حاجته، الأمر الذي يقرأ من الناحية الأخرى بهذه البساطة: الأمن الثقافي المتعلق بالورق وهو المادة الحيوية المستخدمة في الأعمال والتعليم والنشر والإعلام وغيرها، هو أمن مهدد بنسبة 60 في المائة.