مختص: صناديق الاستثمار الإسلامي ساهمت بشكل سلبي في تمويل التنمية في الدول الإسلامية
تشهد صناعة صناديق الاستثمار الإسلامية قبولا عالميا متزايدا خلال الفترة الماضية، وذلك بعد عودة ثقة المستثمرين في الأسواق العالمية بعد المتغيرات الحادة التي طالت الصناديق التقليدية جراء الأزمة المالية في عام 2008، ويكتسب قطاع صناديق الاستثمار والاستثمارات الإسلامية اهتماما كبيرا على الصعيد الدولي في ظل تزايد عدد الجهات المصدرة والمستثمرين الدوليين الذين يسعون وراء الأدوات المالية المتوافقة مع الشرعية الإسلامية، ويأتي ذلك في ظل تأكيد الخبراء على أن القنوات الاستثمارية في الصناديق الإسلامية تواجه أيضا تحديات تعوق من نشاطها، وعلى رأسها التوفيق بين مبادئ الشريعة والقانون الدولي، والسياسات الاقتصادية العالمية، في ظل تبعات الأزمة الاقتصادية الحالية، إلى جانب غياب المصداقية والشفافية والالتزام بالمعايير الشرعية.
يشير تقرير وحدة البحوث والدراسات في بنك بوبيان إلى إطلاق نحو 30 صندوقا إسلاميا على المستوى العالمي حتى منتصف الربع الثاني من عام 2011 بأصول تزيد عن ملياري دولار، في ظل توقعات بأن يصل إجمالي الإصدارات خلال العام الحالي إلى نحو 100 صندوق مقارنة بـ 83 صندوقا استثماريا إسلاميا تم إطلاقها العام الماضي 2010.
#2#
وتتوقع العديد من التقارير أن يستمر نمو الصناديق الإسلامية، حيث يتوقع أن يطلق العالم ما بين 120 و150 صندوقا استثماريا إسلاميا جديدا بحلول عام 2012 في زيادة مطردة يمكن أن تصل أيضاً إلى قرابة 200 صندوق في 2013، وتزداد معها الأصول المدارة إلى قرابة 100 مليار دولار تقريباً عام 2013.
وتعتبر منطقة الخليج العربي القائد في النصيب الأكبر من إجمالي أعداد الصناديق الإسلامية، حيث تستحوذ وحدها على نحو 50% من حجم صناعة الصناديق الإسلامية في العالم، وتأتي السعودية في المقدمة بنحو 200 صندوق وبنسبة تقارب 24% من عدد الصناديق حول العالم، والتي تتجاوز 680 صندوقا استثمارا إسلاميا، تدير نحو 70 مليار دولار.
وفي ظل التكتلات الاقتصادية والاستثمارية التي يشهدها العالم ودورها في الاقتصاد العالمي، يأتي السؤال عن الاستثمارات والصناديق الإسلامية، ومدى حضورها وتأثيرها، وهل تساهم القيود الشرعية الواجب مراعاتها على في التأثير على جانب المنافسة؟ وأشار في هذا الصدد الدكتور أحمد العجلوني الباحث والمتخصص في التمويل الإسلامي لـ ''الاقتصادية'' أن كثيرا من هذه الصناديق لا يزال غير متوافق مع المتطلبات الأساسية الشرعية، وأن كثيراً منها عليه علامات استفهام شرعية كبيرة، وبالتالي فإنها ما زالت غير ناضجة شرعياً بشكل كامل حتى يتم تعميمها بشكل واسع.
وفي ظل التساؤلات المطروحة حول محاولة كثير من صناديق الاستثمار الإسلامية تجاوز بعض الضوابط الشرعية باللجوء إلى التعامل بالهامش الربحي أو البيع على المكشوف، يقول العجلوني إن المخالفات الشرعية الكبيرة من هذه الصناديق ليس أكثر من وسيلة للتحايل لاستقطاب الأموال من جهات تهتم بالجانب الشرعي في الاستثمار، خاصة في ظل ضعف الرقابة على استثمارات هذه الصناديق. ويُقصد بصندوق الاستثمار الإسلامي ذلك الصندوق الذي تلتزم إدارته بأحكام الشريعة الإسلامية من حيث الأصول المكونة له أو في إدارته، إضافة إلى مراعاة المبادئ والأهداف العامة للصناديق الاستثمارية التقليدية.
وحول الشروط الواجب توافرها ليكون الاستثمار إسلاميا، وكيف يمكن ترجمتها عمليا إلى قوانين وآليات أكد العجلوني أن الشروط الواجب توافرها في الاستثمار الإسلامي تتمثل في الجوانب التالية : الجدوى الشرعية، والجدوى الاقتصادية، والجدوى المالية، والجدوى الاجتماعية. ويمكن ترجمة هذه الشروط من خلال تبني معايير كمية محددة لقياس مدى تحقيقها من قبل صندوق الاستثمار، ويتم متابعتها والإشراف عليها من قبل مؤسسات مالية إسلامية دولية متخصصة.
ويضيف العجلوني أنه إضافة إلى الشروط المتعلقة بأي استثمار من ناحية تحقيق الأهداف المتعلقة بالربح والسيولة والمحافظة على رأس المال والالتزام بمبادئ الاستثمار المعروفة كالتنويع والاختيار والملائمة، فإن الاستثمار في صناديق الاستثمار الإسلامية يهتم بالجدوى الشرعية للاستثمار، حيث يُستثنى في أدوات الاستثمار كل استثمار فيه فائدة ربوية كالسندات وأوراق الدّين قصيرة الأجل التقليدية، كما تستثنى من الصناديق الاستثمارية الإسلامية أسهم الشركات التي تتعامل بالأنشطة المحرمة، وأكد العجلوني أن هذه الاستثناءات تشكل إحدى التحديات التي تواجه إدارة الصندوق لتدبير استثمارات أخرى تتوافق مع أهداف إدارة الصندوق وتجعل من الوصول إلى التنويع أمراً ممكناً.
ويقول العجلوني: عند الحديث عن صناديق الاستثمار الإسلامي التي تلتزم بمبادئ الشريعة وتحقق الجدوى الشرعية، فإن أهداف الاستثمار الإسلامي عموما وصناديق الاستثمار الإسلامية يجب ألا تقتصر على الجدوى الشرعية - على أهميتها -، إذ إن ظروف المنافسة وحاجات المستثمرين لتحقيق العائد تجعل من الضروري جداً الاهتمام بتحقيق عائد أعلى من الصناديق الأخرى.
وأشار العجلوني إلى ضرورة الأخذ في الاعتبار أن الجدوى الشرعية لا تقتصر على تحديد الخط الفاصل بين الحرام والحلال في أدوات الاستثمار وإدارته، بل تتعلق هذه الجدوى بقوة الالتزام بمبادئ الشريعة والنفع العام الذي يحققه الاستثمار ومدى تقيده بمبادئ الحكم الرشيد، ومع أن مفهوم الجدوى الشرعية والجدوى الاجتماعية غير واضح بشكل كبير، فإن مزيداً من الاهتمام به يمكن أن يؤسس لمبادئ عامة يمكن الحكم من خلالها على مدى شرعية الصندوق الاستثماري وقياسه مقارنة بتلك المبادئ.
كما يجب أن يحقق الاستثمار في الصناديق إضافة اقتصادية للاقتصاد الكلي ومنفعة اقتصاديةً عامة، إضافة إلى مصلحة المكتتبين في الصندوق، ولتحقيق الشروط السابقة في صناديق الاستثمار الإسلامي يؤكد العجلوني على توفر إدارات لهذه الصناديق تتميز بالمعرفة العلمية والخبرة العملية، وكذلك الأمانة المالية والمحافظة على رأس المال، وكذلك بذل أقصى الجهد البدني والعقلي واستثمار الخبرات والعلاقات الشخصية في تحقيق أقصى عائد ممكن.
ويشير العجلوني بهذا الصدد إلى أبرز المخاطر التي تواجه صناديق الاستثمار الإسلامية وتحول دون انتشارها، وهي ضعف الثقة بالاقتصاد العالمي والمؤسسات المالية عموماً، والإقبال الكثيف من المؤسسات المالية الربوية والحكومات الأجنبية على استقطاب الأموال تحت مسميات إسلامية بحيث تنتهي هذه الأموال كقطعة في ماكينة النظام المالي الربوي الذي وجد التمويل الإسلامي كبديل عنه، إضافة إلى ضعف الإمكانيات الفنية والبشرية لدى المؤسسات المالية الإسلامية لتشغيل أموال الصناديق التي تديرها بشكل كفؤ ومنافس للمؤسسات المالية الربوية، سواءً على المستوى المحلي أو الدولي ،ويضيف أن صناديق الاستثمار الإسلامية الحالية في مجملها ساهمت بشكل سلبي في تمويل التنمية في الدول الإسلامية لأنها تتوجه نحو أسواق المال في الدول المتقدمة وتحرم منها الدول الإسلامية.
ويشير خبراء أن مجال الصناديق الإسلامي لا تنقصه الجوانب التأصيلية أو الفنية أو الخبرات، بل تقع الإشكالية في اتباع المصارف الإسلامية للتقنيات والمنتجات الغربية أكثر من اعتمادها على وضع موجهات ومنتجات محلية لخدمة التنمية، وإنعاش الاقتصاد المحلي والإقليمي، ويأتي التأكيد في هذا الصدد على أهمية عقد ورش العمل المشتركة من جميع البلدان العربية والإسلامية لعمل موجهات وخطط عمل تستطيع هذه الصناديق من خلالها توظيف أموالها بالشكل الذي يخدم هذه الدول وشعوبها، وتقليص الاعتماد على الاستثمار في البلاد الغربية والسلع الدولية والعملات.
وينطلق في البحرين غدا الاثنين المؤتمر السنوي السابع لصناديق الاستثمار والأسواق المالية الإسلامية في البحرين، حيث يناقش مختصون عالميون في الاقتصاد الإسلامي التحديات التي تواجه الأسواق المالية الإسلامية تحت شعار ''تحقيق مكانة دولية رائدة وإنشاء أسواق مالية إسلامية حيوية، وإعادة تنشيط قطاع الاستثمارات الإسلامية''، ويهدف المؤتمر إلى تحديد مجالات جديدة لنمو الصناعة وتقديم النماذج المميزة التي تطبق الواقع الاقتصادي الجديد في سوق الاستثمار المتوافق مع الشريعة الإسلامية.
وأشار العجلوني في هذا الصدد إلى أن المؤتمر سيضيف لبنة جديدة ومهمة في تشكيل خارطة صناعة صناديق الاستثمار الإسلامية، وذلك بسبب تغطيته لمواضيع أساسية وإجابته عن تساؤلات تتعلق بالجوانب التشغيلية وتحليل أداء هذه الصناديق.