آفة المخدرات ... إلى أين؟
المخدرات آفة العصر، انتشرت في كل المجتمعات دون رحمة أو هوادة، هي من أخطر المشاكل الصحية والاجتماعية والنفسية، بل والخطر الأكبر على السلام الاجتماعي برمته في كل مكان، إنها مشكلة أكثر من 800 مليون من البشرية يتعاطونها أو يدمنون عليها، إنه واقع مؤلم ومرير لكن لا بد من الاعتراف بأن تلك الآفة طالت الجميع بما فيه مجتمعنا وحطمت فلذات أكبادنا شأننا في ذلك شأن مجتمعات الدنيا كلها، فبعض أبناؤنا أغواهم الأشرار وأصبحوا فريسة لهذه الآفة، وفي أكثر من بيت ابن وابنة يئنون من وطأة هذا الوباء الفتاك وهم ضحايا له.
الدولة بذلت ولا تزال تبذل جهوداً كبيرة للتصدي لهذه الآفة، لكن المسألة أكبر وأعقد من ذلك بكثير، إذ ليس بمقدور أي دولة في العالم أن تتصدى لمثل هذه الكارثة بمفردها، حيث إنها كانت وما زالت من أكثر المشاكل خطراً وتعقيداً ولا يمكن القضاء عليها ما دام هناك أنفس شريرة وأنفس ضعيفة وهذه سنة الكون منذ فجر الخليقة والتي تتجلى في الصراع الأبدي بين الخير والشر. إن مسؤولية التصدي لهذه المشكلة تقع على عاتق الجميع، فبالإضافة إلى الدولة بمؤسساتها العامة من تعليم وتربية وإعلام وأمن وخلافه ، فالأسرة تُعتبر الأساس وحجر الزاوية في هذا الشأن، رغم أن المؤلم أن الحياة شغلتنا كثيراً حتى أصبحنا نبحث عن النجاحات المادية على حساب علاقتنا وقربنا من أبنائنا وبناتنا الذين يحتاجون إلينا في هذا الزمن الصعب أكثر من أي وقت مضى.
لقد ساهم عدد من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية الدولية لتجعل من المخدرات خطراً وكابوساً يهدد العالم، حيث حطمّت المخدرات بعض الشباب من الجنسين بصورة مؤلمة وغير مسبوقة، بل سببت مآسي ومشاكل لأولئك الضحايا الذين دمرت المخدرات إنسانيتهم وكرامتهم وكبريائهم ومستقبلهم. إن المجتمع السعودي لم يعرف المخدرات بشكل مزعج إلا في السنوات الأخيرة وبعد أن وجد المروجون أن سوق المملكة مرتع خصب لهم، حيث إن المجتمع كان بسيطاً وتسوده الفضيلة والأخلاق الحميدة، وقد كان لانعكاسات تلك الطفرة الاقتصادية العالمية والعولمة وارتفاع حجم التجارة الدولية مروراً بالسلبيات الناتجة عن ممارسات بعض العمالة الأجنبية إلى جانب ازدياد معدلات البطالة بين الشباب وغيرها أن صاحبتها آثار سلبية عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر زيادة حجم الواردات وما تبع ذلك من تهريب كميات من المخدرات مخبأة في تلك الواردات رغم الإجراءات الاحترازية الكبيرة التي تقوم بها الجهات ذات الصلة.
لقد صدر نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية بناء على المرسوم الملكي رقم م/39 في 8/7/1426هـ والذي نص في مادته رقم (37 ) على (أنه مع مراعاة ما ورد في البند (ثانياً) من هذه المادة يعاقب بالقتل تعزيراً من ثبت شرعاً بحقه شيء من الأفعال الآتية:
1. تهريب مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية.
2. تلقي مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية من مهرب.
3. جلب أو استيراد أو تصدير ......
4. المشاركة بالاتفاق في ارتكاب أي من الأفعال المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
5. ترويج مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية ...
ويُلاحظ أن النظام قد فرق بين المهرب والمروج والمتعاطي، إذ قرر وغلظ أشد العقوبات على المهرب والمروج وهي القتل نظراً للجرم الكبير والعظيم من تهريبهما وترويجهما للمخدرات أو الاثنين معاً وما يسببه ذلك من دمار وفساد كبير، وبشأن المروج ونظراً لخطورة دوره فقد أفاض النظام في تحديد عقوبته، إذ جعلها القتل إذا ما قام بترويج مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية للمرة الثانية بالبيع أو الإهداء أو التوزيع أو خلافه شريطة أن يكون هناك حكم سابق بإدانته بالترويج للمرة الأولى، كما تكون عقوبة القتل في حقه أيضاً حتى في حالة ترويجه مخدرات للمرة الأولى على أن يكون قد سبق إدانته بارتكاب جريمة تهريب أو تلقي أو جلب أو استيراد مواد مخدرة وغير ذلك. أما المتعاطي فقد أسهبت المادة الحادية والأربعون في توضيح عقوبته حيث أوردت (يُعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن سنتين، كل من ارتكب أحد الأفعال الجرمية المنصوص عليها في المادتين (37 و38) من هذا النظام وكان ذلك بقصد التعاطي أو الاستعمال الشخصي في غير الأحوال المصرح بها نظاما) كما تضمن النظام تشديد هذه العقوبة في حالات أخرى.
ومن الملاحظ أن هذا النظام بما يتضمنه من نصوص هو نظام اتسم بالفاعلية والحزم في تصديه لهذه المشكلة الكبيرة، لكن السؤال المهم الذي يُطرح هنا هو أنه وبالرغم من غلظة وشدة العقوبات التي وصلت لدرجة القتل، هل أدى ذلك كله إلى التصدي لمشكلة المخدرات بالشكل المأمول؟ والإجابة أن ذلك أمر لم يتحقق بعد، فعلى الرغم من استمرار ضبط المهربين والإيقاع بهم، فإنهم لا يزالون يهربون هذه المواد القاتلة رغم هذه العقوبات الشديدة والمغلظة، كما أنه يلاحظ أن المتعاطين لاسيما الشباب المغرر بهم من قبل عصابات المخدرات الإجرامية لم تتم معالجة حالاتهم بالشكل المطلوب لاسيما على صعيد الحماية والرعاية والأخذ بأيديهم لإخراجهم من محنتهم، حيث إنهم في أمس الحاجة للجانب الوقائي أولاً قبل الجانب العلاجي للتصدي لآفة المخدرات، وهناك عدة مقترحات لحماية النشء والشباب باعتبارهم صناع ورجال المستقبل وبناة نهضة الوطن، ويمكن إيرادها كالتالي:
أولاً: التواصل المستمر مع الأبناء بهدف الاستماع إلى كافة مشاكلهم ووضع الحلول المثلى لها وسماع وجهات نظرهم في كثير من الأمور وتفهمها ومناقشتهم حولها بمستوى إدراكهم بحيث يؤدي ذلك إلى إيجاد أرضية صالحة للالتقاء والحوار الأسري معهم.
ثانياً: تفعيل دور المجتمع من خلال تنشيط مؤسسات المجتمع المدني للعمل على إقامة برامج رياضية وثقافية واجتماعية تستوعب أوقات فراغ الشباب وتنمي الدور الاجتماعي لهم من خلال توفير الفرص لمشاركتهم في كافة فعاليات تلك الأحياء.
ثالثاً: التركيز في مناهج التربية والتعليم منذ الصغر على تحصين الطلاب مبكراً ضد هذا الوباء وغرس القيم التي تولد احترامهم للحياة الصحيحة والسليمة.
رابعاً: الحرص على انخراط الطلاب والطالبات في البرامج الرياضية وفتح آفاق جديدة أمامهم، حيث إن الفراغ وغياب الإبداع والابتكار والتفكير يدفعهم إلى مثل هذه المهالك.
وأخيراً فقد حان الوقت لندرك جميعاً أن غياب الفن من حياة الأفراد يفضي إلى خلق شخصية غير متوازنة ومهزوزة وغير سوية، وهذا مناخ خصب لاستشراء مشكلة المخدرات وغيرها، فالاستقرار النفسي والتوازن الوجداني والعاطفي يخلق نوعاً من الثقة المفعمة والصفاء والرضا للنفس البشرية ويجعلها تقبل على الحياة بحب وأمل وتفاؤل للعطاء والإبداع، بل إن الفن هو أنجع ترياق لتحصينها ضد كل هذه الآفات والمهالك، لذا فإن الفن هو أجدى الحلول لحماية النفس الإنسانية من كل هذه الشرور والآفات، حيث إنه غذاء للأرواح والقلوب التي يجب الترويح عنها ساعة بعد ساعة لأن القلوب إذا كلت عميت.