المليك والقرارات التاريخية
إن القرارات التاريخية الكبيرة التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز (حفظه الله ) تحت قبة مجلس الشورى الأحد الماضي بشأن المرأة السعودية هي ليست بالمستغربة، إذ ظل المليك المفدى منذ تسلمه مقاليد الحكم مهموماً بكافة قضايا الوطن والمواطن الكبيرة، التي هي دوماً محل اهتمامه وحاضرة في تفكيره، فقد ظل عهده الزاهر ولا يزال في تواصل مستمر مع الإنجازات والإصلاحات الوطنية الكبرى، إذ تم فتح نوافذ الحوار الوطني لكثير من الملفات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المهمة والكبيرة، وأثيرت قضايا مهمة بالنقاش الثر من كافة ألوان الطيف الاجتماعي والثقافي والفكري بالمجتمع السعودي لتكون إطاراً لبلورة الرؤى والآراء الوطنية في تلك القضايا الكبيرة، التي كان على رأسها المرأة والشباب وغيرهما من الملفات الوطنية الأخرى.
لقد جاء خطاب خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله، مؤكداً رفض وتهميش وتعطيل دور المرأة في عملية الحراك الوطني والاجتماعي ، ولقد كان تفعيل دور المرأة وتجيير مجهودها لخدمة أهداف عملية البناء والتنمية حاضراً بقوة في كافة الإصلاحات التي تبناها، حفظه الله، للنهوض بالمجتمع بالتدرج من خلال قرارات حكيمة وصائبة ومدروسة تستصحب كل المتغيرات الوطنية والدولية وفق روية وتؤدة لا تؤدي إلى القفز إلى المجهول ولا تركن في الوقت ذاته لدعاة الجمود والتحجر والانغلاق،
ففي عهده (حفظه الله ) أدرك العالم أن المرأة السعودية قادرة ومدركة لمسؤولياتها وحقوقها وواجباتها من خلال تأهيلها وكفاءتها ومشاركتها في عملية البناء الوطني على كافة الأصعدة، وتجيء تلك القرارات بعد أن قطعت المرأة شوطاً بعيداً في مسيرة التعليم تحت رعايته وأصبحت متسلحة بالمعرفة المتطورة، بل قادرة على مشاركة الرجل في بناء هذا الوطن المعطاء.
إن عضوية المرأة بمجلس الشورى والمجالس البلدبة تعد عملية مفصلية ونقلة جوهرية على طريق تطور العمل السياسي في المملكة ونقطة تحول مهمة في هذا الجانب، ذلك أن تمثيل المرأة بمجلس الشورى سيضفي على كافة التشريعات والمواضيع المتصلة بالمرأة وحقوقها على وجه الخصوص حضوراً فاعلاً وتمثيلاً رائداً ينبع من تجربتها ومعاناتها ومعرفتها بقضاياها حيث إن عضويتها الكاملة في مجلس الشورى ستمكنها من حيث التنظيم والتشريع والمشاركة من متابعة كافة مشاكلها وقضاياها بذاتها، ولاسيما أنها الأدرى بشؤونها من غيرها، كما أن عضويتها في المجالس البلدية هي بمثابة شراكة في كافة جوانب التنمية المجتمعية وتوظيف طاقات وطنية ظلت معطلة وخصماً من الرصيد البنائي للوطن.
إن وجود المرأة في دائرة المشورة وصنع القرار سيدفع حتماً عملية الحراك السياسي والاجتماعي والثقافي، بل والتنموي في الوطن ويؤدي إلى إحداث نهضة كبرى في مؤسسات المجتمع، وقد أعادت تلك القرارات الثقة في كفاءة وجدارة المرأة لتقلد المناصب، إلى جانب أنها مؤشر قوي على أن التنمية السياسية والحقوقية تسير في مسارها الصحيح، كما أن هذا الفتح الجديد لمشاركة المرأة في الحياة العامة سيساهم في تحسين صورة المملكة أمام العالم الخارجي وبذلك تعتبر هذه الخطوة أقوى رسالة حضارية للعالم في هذا المجال. إن هذه القرارات جاءت مؤكدة لحق المرأة في المشاركة في العمل العام ورفضاً لتهميشها ولإعادة التوازن المجتمعي الذي ظل طوال السنوات الماضية أسيراً لسطوة الفعل والفكر الذكوري الأحادي من جانب واحد لا لشيء إلا لقيود اجتماعية ناجمة عن عادات وتقاليد عفا عليها الدهر ولم تعد تواكب العصر وضروراته وبذلك تراجع دورها تماماً وأصبح الرجل وحده يقرر ويقنن ويبني ويعمر منفرداً والمرأة مغيبة عن ذلك بالكامل، وأهم من ذلك كله فقد أزال القرار كافة الشبهات التي يتشدق بها البعض حول حرمان الإسلام المرأة من حقوقها السياسية وحقها في المشاركة في العمل والحياة العامة ليتم الأخذ بأسباب الحضارة والرقي والتأكيد على أن الدين الإسلامي هو دين لكل زمان ومكان.
ولا شك أن هذه القرارات هي رؤية ثاقبة من خادم الحرمين الشريفين بإعطاء المرأة حقها للمشاركة في الهم والعمل العام ومسيرة البناء والتنمية في إطار التحديث المتوافق والمتسق مع القيم الإسلامية، حيث إن المملكة تسير بقوة صوب أن تتبوأ مكانتها المرموقة بين أمم العالم وهي في طريقها هذا لن تلقي بالاً للمتخاذلين والمترددين كما أشار، حفظه الله ، وأن الإصلاح خيار اتخذته القيادة الرشيدة رغم الظروف التي تموج بها المنطقة، وهذا ما أكده سمو الأمير نايف (رعاه الله ) بأن هذه الخطوة قد أتت نتيجة لقناعات ذاتية وضرورات اقتضتها المرحلة وليست نتيجة ضغوط خارجية.
إنه قد حان الوقت لتشرع المرأة السعودية في ممارسة هذا الحق وهذا التكليف الذي هي جديرة بالاضطلاع به وأن تكون بقدر الطموح والمسؤولية والثقة التي توّجها بها خادم الحرمين الشريفين لتنهض بدورها في صياغة الحياة الجديدة للمجتمع السعودي وتأخذ مكانتها المأمولة، التي هي جديرة ومحقة بها، فالمرأة السعودية أثبتت دوماً أنها بقدر التحديات ومحل الثقة والمسؤولية وذلك كله في سبيل أن ينهض المجتمع ويتنفس بملء رئتيه بفضل تضافر جهود كافة مواطنيه رجالاً ونساء لبلوغ واقع أفضل ومستقبل أكثر إشراقاً لهذا الكيان الأبي.