من يسيء للمواطن؟

على أنه يبدو ثمة مبالغة في السؤال؛ فإن الشواهد تؤكد ذلك، وعلى الرغم من غضبنا البالغ عندما يطالعنا خبر صحفي بتعرض مواطن في الخارج للإساءة ونجد فيضا من التعليقات في الموقع الإلكتروني تطالب بالاقتصاص تارة وبقطع العلاقات الدبلوماسية أو بمنع السفر إلى تلك الدولة حتى يعود الاحترام والهيبة للمواطن تارة أخرى، لأن ذلك المواطن الذي وقع عليه الاعتداء أو الإساءة جزء من كل فأي تعدٍ عليه هو تعدٍ على جميع المواطنين. ولذا فإننا لا نرمي اللوم على المواطنين لردود أفعالهم وإن بدت حادة أو متشنجة. لكن أن يحصل التعدي والإساءة داخل وطنه ومن أبناء وطنه فالطامة أكبر والإساءة أبلغ.
إن الجهة المدنية أو العسكرية التي تدعو المواطنين للتقدم لعدد محدود من الوظائف دون أن تكون لديها القدرة على استقبالهم، فتتجمع أعداد كبيرة من الشباب خلف أسوار تلك الجهة تصليهم شمس الصحراء فلا يقي رؤوسهم حرارتها إلا ملفاتهم الخضراء، هذه الجهة لا تخدم المواطنين بل تذلهم ولا يستحق القائمون عليها البقاء على مقاعدهم الوثيرة ولا في مكاتبهم المكيفة التي أوصدوا أبوابها دون المتقدمين ليوم واحد.
وبالمثل مسؤولو جمعية خيرية تركوا المواطنات مكدسات أمام بابها، ومنهن المريضة التي أعجزها المرض عن الوقوف، ومنهن كبيرات السن التي أثقلتها السنون فجلسن على الرصيف يوحدهن الوشاح الأسود من أعلى رؤسهن حتى أخمص أقدامهن وألسنة تلهج بدعاء بسرعة الفرج ليطعمن أفواها جائعة في بيت خرب، ومسكنةٍ وهوانهن تغشاهن كما يغشى العرق جباههن.
وتسيء للمواطن شركة طيران تجعلة ينتظر ساعات طوالا ليسترجع قيمة تذكرة دفع قيمتها قبل يومين ثم صرف النظر عن السفر وليس له بديل عنها باعتبارها الناقل الوحيد إلى المدينة التي يرغب السفر إليها، ثم عندما يصله الدور يقابله موظف متجهم، يبدو أن الابتسامة فارقت محياه دهراً، وآخر عهده بها منذ زمن طويل.
إن هؤلاء وغيرهم يسيئون لوطن كبير، وفَّر لهم كل الإمكانات المالية والتقنية والبشرية لتكون منشآتهم أفضل ولكنهم يأبون لأنهم أسرى الخمول والدعة لا يرغبون أن يطوروا دواتهم فضلا عن يطوروا إداراتهم.
إن إدراك كل مسؤول في منشأة خدمية تتعامل مع الجمهور سواء في القطاع الحكومي أو الخاص أن رضا العملاء هو معيار نجاحه وأن خدمة المستفيدين هي سبب وجوده يكفل إحداث تغيير جوهري في طريقة التعامل معهم والارتقاء بالأساليب التقنية لخدمتهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي