العولمة فرضت على المصارف الإسلامية الاستجابة للمعايير الفنية العالمية
قال الدكتور كمال حطاب المختص في التمويل الإسلامي لـ ''الاقتصادية'' إن العولمة تمثل فرصة تاريخية لأهل الحق لإظهار حقهم ولأهل الصيرفة الإسلامية لنشر أساليب التمويل اللاربوية الأكثر عدالة وإنسانية، ولكن ما يخشى منه أيضا أن تمكن العولمة لأهل الحيل والتحايل من نشر أباطيلهم واحتيالاتهم تحت اسم الصيرفة الإسلامية، ومع ذلك فإن الغلبة دائما ستكون لأهل الحق، فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
وحول استفادة المصرفية الإسلامية من العولمة بأبعادها الاقتصادية والتقنية والمعرفية، أكد حطاب أن المصرفية الإسلامية قد استفادت كثيرا من العولمة، فقد انتشر التمويل الإسلامي في معظم دول العالم، وأخذت الجامعات العالمية تدرس موضوع الاقتصاد والتمويل الإسلامي، واعترفت المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير بالتمويل الإسلامي وأشادت به في تقاريرها. وبرز التمويل الإسلامي بعد الأزمة المالية العالية كأحد أبرز الحلول الناجعة للأزمة من وجهة نظر العديد من الخبراء الغربيين. وأضاف أنه بقي أن تتبنى حكومات الدول الإسلامية نظريا وعمليا الأخذ بالتمويل الإسلامي وتطبيقه في مجالات الحياة كافة، من أجل التخلص من التبعية والخروج من فخ القروض الأجنبية.
#2#
وقال حطاب إن حرص العديد من البنوك والمؤسسات المالية الدولية على التمويل الإسلامي سواء كان بقصد زيادة الأرباح أم بقصد التطهر والتسامي لا شك أنه قد ساهم في نشر التمويل الإسلامي وأدواته التي تعتبر أكثر عدالة وإنسانية. ولا يخفى على أحد سعي المؤسسات المالية الدولية لاستقطاب رأس المال الإسلامي، ولكن الاتجاه نحو التمويل الإسلامي لا بد أن ينسجم مع المعايير الأخلاقية والإنسانية التي تنبني عليها الصيرفة الإسلامي. وأضاف أن هذه المكانة العالمية للعمل المصرفي الإسلامي تزيد في المسؤولية الملقاة على كاهل الخبراء والمتخصصين في هذا المجال من أجل استمرارية المحافظة على سلامته الشرعية وكفاءته المالية والاقتصادية.
وهل تعني عولمة المصرفية الإسلامية الانتقال بالعمل المصرفي إلى الأسواق الإسلامية والعالمية والتخلي عن السوق المحلية الوطنية؟ قال حطاب إن عولمة المصرفية الإسلامية تعني تطوير السوق المحلية وفق أحدث المعايير الفنية العالمية، وتمكين المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية المحلية من منافسة المؤسسات المالية الدولية من خلال تطبيقها لأحدث المعايير العالمية، وأخذها بأحدث التقنيات والأساليب الفنية العالمية في مجال الصيرفة والتمويل الحلال.
وحول نجاح المصرفية الإسلامية في إيجاد منتجات وخدمات مالية إسلامية تستطيع من خلالها فرض وجودها الإقليمي والعالمي على الساحة المالية العالمية ومواجهة تحديات العولمة، أكد حطاب أن الأدوات المصرفية الإسلامية هي أكثر ملاءمة للأنشطة الاستثمارية وأكثر تلبية للجوانب الإنسانية الفطرية، حيث تقوم على الاستفادة من الخبرة الفنية التسويقية كما تعتمد على العدالة والغنم بالغرم والخراج بالضمان. وقد أثبتت أساليب المضاربة والمشاركة والإجارة والاستصناع والصكوك الإسلامية العالمية قدرتها على المنافسة الدولية، وكذلك تلبيتها لمختلف الجوانب الاستثمارية الحلال.
والبنوك الإسلامية في حاجة إلى تحسين نوعية خدماتها وتطوير مشاريع مناسبة يكون العملاء هم المستفيد الأكبر منها، وذلك حتى تستفيد من العولمة. ويشير خبراء إلى أن المؤسسات المالية الإسلامية بقيت ردحا من الزمن تقدم خدماتها المالية بمستوى متدن دونما حافز للتجديد أو التطوير، إضافة إلى استغلال حاجات العميل لمثل هذه الخدمات بفرض عمولات وأرباح باهظة، حتى أصبح هذا الاستغلال سمة بارزة للصيرفة الإسلامية حتى بعد دخول منافسين جدد إلى هذا المجال.
ولا تنحصر صناعة المصرفية الإسلامية في إقليم أو منطقة معينة، بل هي معولمة بطبيعتها ومنتشرة في الكثير من الدول، وتتبناها أبرز المؤسسات المالية الغربية كـ ''دويتشه بنك''، ومجموعة HSBC البريطانية، ومجموعة سيتي بانك الأمريكية، وغيرها من المؤسسات الغربية. ويأتي ذلك في ظل تأكيد خبراء على أن تأثير العولمة في هذه الصناعة سيكون إيجابياً داخل الدول الإسلامية، حيث ستقوم هذه المؤسسات المالية العريقة بنقل خبرتها إلى هذه الدول الإسلامية، وهو ما سيطور هذه الصناعة داخل الأقطار الإسلامية، كما دخولها إلى الدول الإسلامية سيؤدي إلى اشتداد المنافسة بينها لاجتذاب الرساميل الراغبة في الاستثمار وفق الشريعة الإسلامية.
ويقول حطاب إن تطور الخدمات المالية الإسلامية ووجود المنتجات المالية الإسلامية الجديدة والهندسة المالية الإسلامية والانتشار الواسع للصيرفة الإسلامية في مختلف دول العالم وغيرها من التطورات التي حدثت في عالم الصيرفة الإسلامية هي تطورات طبيعية كانت نتيجة للعولمة وتداعياتها. وحول انخفاض حصة المصرفية الإسلامية في الأسواق الإسلامية والعالمية، وذلك على الرغم من المساحة الكبيرة المتاحة لديها، أشار حطاب إلى أن ذلك يعود في الأصل إلى انخفاض حجم هذه المصارف وحداثة نشأتها مقارنة بحجم المصارف العالمية التقليدية، أما من حيث نسبة النمو فإنها لا شك متسارعة بشكل كبير ربما يفوق نسبة النمو في بعض المصارف التقليدية.
وحول قدرة المؤسسات المالية الغربية بما تملكه من رساميل ضخمة وخبرة إدارية وعملية على تطوير أدوات مالية إسلامية شديدة التعقيد، خصوصا في الجانب الاستثماري الذي تنأى كثير من المؤسسات المالية الإسلامية عن تطويره، أكد حطاب أن الأدوات المالية الإسلامية تمتاز بالبساطة والوضوح والقدرة على مواكبة كل المستجدات والاحتياجات البشرية الطيبة، فالأدوات الحقيقية هي الأدوات الأكثر نفعا وتلبية للاحتياجات الحقيقية للأفراد والمجتمعات، وليست الأدوات الأكثر تعقيدا أو الأكثر تلبية للاحتياجات الوهمية أو الترفية أو الخبيثة.