التدريب التبادلي للإجهاز على البطالة! (2 من 2)
ذكرنا في الجزء الأول من هذا المقال بعضا من الحلول الإيجابية للقضاء على البطالة، اقتراح برنامج التعليم والتدريب التبادلي، أو التعاوني، حيث يمكن تحقيق التعاون المثمر والمزاوجة بين التعليم والتدريب من ناحية، والصناعة وإتاحة الفرصة الكاملة للشباب للتعليم الجيد المقرون بالعمل المتميز من ناحية أخرى. وأشير في هذا الخصوص إلى تجربة ثرية في إحدى الدول العربية، حيث تم التوسع في استراتيجية التعليم والتدريب التبادلي، الذي يؤهل خريجيها، متمتعين بمهارات وخبرات مبكّرة، والسلوكيات الواجب توافرها في كل خريج للتوافق مع الاحتياجات الفعلية لسوق العمل، حيث تم إبرام اتفاقية تعاون بين وزارة التعليم العالي وإحدى مؤسسات القطاع الخاص العاملة في قطاع التصنيع الغذائي وإدارة المطاعم، ونصّت الاتفاقية على تنفيذ برنامج التعليم والتدريب التبادلي في إدارة وتشغيل المطاعم بالمشاركة بين إحدى الكليات المتخصصة، ومركز التدريب والتأهيل في تلك المؤسسة التجارية، حيث تقوم الكلية بتدريس المحتوى النظري، الذي يشكّل 50 في المائة من إجمالي المقررات بالتنسيق مع إدارة التعليم الإلكتروني في الجامعة نفسها لصياغة المناهج الأكاديمية والنظرية على هيئة مقررات إلكترونية (أسطوانات مدمجة) وإتاحتها على شبكة الإنترنت.
أما عن الإطار العملي؛ فيُعهد إلى المؤسسة التجارية، بتدريب الطلاب في عدد من المؤسّسات التي تملكها وتديرها طبقا للمقررات الدراسية والتدريبية المدرجة في اللائحة التدريبية بإشراف نخبة من أعضاء هيئة التدريس لدى الكلية.
كما تنص الاتفاقية كذلك على حصول الطالب المتدرّب على منحة تدريسية وتدريبية متكاملة على هيئة مصروفات دراسية، تُسدَّد للجامعة من قبل المؤسسة، فضلاً عن حصول الطالب المتدرب على مبلغ مالي كمصروف شخصي من المؤسّسة التجارية طوال سنوات الدراسة والتدريب حتى انتهاء مرحلة البكالوريوس؛ ويهم بتسلُّم عمله في المؤسسة نفسها.
وعند انتهاء مرحلة التدريب والتعليم التبادلي خلال أربعة أعوام؛ يحصل الطالب على شهادة البكالوريوس في إدارة وتشغيل النشاط الذي تدرب عليه؛ والمشروع فضفاض كذلك، وواسع لجميع الاحتمالات، إذ يمكّن الطالب الذي لا تسعفه الظروف في استكمال الدراسة بهذا النظام أن يحصل على شهادة تدريب بعد عام دراسي واحد أو عامين أو ثلاث سنوات دراسية ودرجة البكالوريوس في العام الرابع، كما يمكّنه هذا البرنامج أيضا من الالتحاق بالدراسات العليا عقب اجتيازه البكالوريوس في التخصص ذاته، وفقًا للضوابط والمعايير الموضوعة والمتفق عليها.
الشاهد في هذا النوع المبتكر من التعليم أن مزاياه كثيرة ومتنوعة، لعل أهمها ضمان فرصة التوظيف للطالب المتدرّب في المؤسسة ذاتها بعد حصوله على البكالوريوس من الجامعة أو العمل في المؤسسات والشركات التي تعمل في التخصص ذاته، ويعد ذلك حلاً سحريًا لمعضلة البطالة، كما أن تحمُّل المؤسّسة التجارية تكاليف الدراسة العلمية والتدريبية والتطبيقية بالكامل للطالب المتدرّب، بما فيها الخامات والأجهزة، والمعامل؛ يخفّف كثيرا عن كاهل موازنة الكلية، والجامعة وبالتالي الدولة، وفي الوقت نفسه، لا يمكن إنكار ما تقدّمه المؤسسة للأسرة ماديا من سداد المصروفات الدراسية للطالب بالكامل جنبا إلى جنب دعمه بمصروفات شخصية شهريا أثناء الدراسة.
بات هذا النوع من التدريب التبادلي معتمدًا الآن في الدول المتقدمة بجميع قطاعاتها لجمعه ما بين الدراسة النظرية والتطبيق العملي، ما أعطى نتائج إيجابية مبهرة، وأسهم في حل معضلة البطالة؛ وزيادة معدلات النمو الاقتصادي.
ما أجدر أن نولي اهتماما كافيا لنشر ثقافة التعليم التبادلي والعمل به في القطاعات التجارية والصناعية كافةً داخل أروقة الكليات العلمية في جامعاتنا؛ ونجعله استراتيجية لمرحلة تحول نوعي، تدفع المجتمع بجميع فئاته، إلى القبول به للمساهمة في القضاء على البطالة، مثلما تم في المثال المذكور، إذ يمكن، على سبيل المثال، تفعيل وتنفيذ هذا النوع من التعليم، والتدريب في كليات الحاسبات والمعلومات، وكليات التقنية، وكليات الهندسة قسم اتصالات، وتتم بموجب ذلك صياغة وإبرام اتفاقات تعاون مع شركات تقنية المعلومات والاتصالات، التي هي في أمس الحاجة إلى الكوادر البشرية الوطنية المؤهلة، والمدرّبة، فضلاً عن إمكانية تنفيذه في الكليات العلمية بالتعاون مع المصانع والمؤسسات ذات الصلة بالمجالات الكيماوية والبيولوجية وما إلى ذلك، ويمكن تنفيذه أيضًا في كليات الزراعة، حيث يتوافر كثير من المؤسسات والشركات الكبرى التي تعمل في مجال الألبان، والإنتاج الحيواني والصناعات الغذائية وما شابه ذلك، في كلية الهندسة، التي تحتوي على أقسام عملية عدة، بإمكانها تنفيذ برنامج التعليم والتدريب التبادلي من خلال هذه الأقسام، عبر ربطها بالمؤسسات والشركات والمصانع التي تعمل في التخصصات نفسها. وينسحب ذلك أيضا على كليات الصيدلة، مع شركات ومؤسسات ومصانع الأدوية؛ وكذا كليات الطب البيطري والشركات والمؤسسات ذات العلاقة، وغيرها من الكليات العلمية والعملية.