بدائل العقوبات بين مخاوف «تمييع الأحكام» وحاجة «النفع العام»

بدائل العقوبات بين مخاوف «تمييع الأحكام» وحاجة «النفع العام»

يبحث علماء شرعيون وقضاة واجتماعيون في تجمع علمي يعقد السبت المقبل "الاتجاهات الحديثة في العقوبات البديلة"، بهدف الوصول إلى تحديد دقيق لمفهوم العقوبات البديلة والوسائل الفاعلة لتطبيقها وتنفيذها عبر "تنظيم عام" يحقق المقاصد الشرعية والنظامية.
تأتي التجربة السعودية نحو العقوبات البديلة من خلال مبادرات قليلة من بعض القضاة في المناطق، لتحظى بعض هذه العقوبات بإشادة مؤسسات المجتمع، أما الآخر فاصطدم بآراء اعتبرت العقوبات البديلة جاءت "تمييعا" للأحكام، كالقاضي الذي حكم على متستر سرقة بـ "الآذان".
ويعقد الملتقى وسط تباين مجتمعي لآراء العلماء الشرعيين والحقوقيين والاجتماعيين تجاه العقوبات البديلة، أو ما يعرف بعقوبة النفع العام في الجرائم التعزيرية، بعيدا عن جرائم الحدود وما نص عليه الشرع من عقوبات. حيث يرى بعض علماء الشرع في مباحث سابقة أن العقوبات البديلة خروج عن النصوص إلى الوضعية، وتغليب مصلحة الجاني على مصلحة المجني عليه الذي هو أولى بالحماية، ومع شرطي العقوبة المتمثلين في الردع والتأديب.
بينما تأتي وجهة نظر أخرى مع مبدأ شرعي مفاده "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص"، الأمر الذي يرون من خلاله عقوبة بديلة للنفع العام لأسباب تعددت منها اجتماعي وإنساني، خصوصا في الجرائم التي تقع لأول مرة أو من الفئات العمرية الصغيرة.
وبين هذا وذاك تأتي رؤية حقوقية للدكتور هادي اليامي نائب رئيس اللجنة الوطنية للمحامين في المملكة، الذي اعتبر السجن كعقوبة تعزيرية هو وسيلة لحصول مقصد التأديب، مشيرا إلى أن هذه النظرة يجب أن تخضع لميزان المصالح والمفاسد، باعتبار أن كل فعل له جهتا نفع وضر، وأن العبرة بالغالب.
وأشار إلى أن الوسيلة تخضع لاختلاف الزمان والمكان والأحوال، مدللا على ما قاله العلامة ابن عابدين في رسالته نشر العرف "إن كثيراً من الأحكام يبينها المجتهد على ما كان في زمانه فتختلف باختلاف الزمان لتغير عرف أهله أو لحدوث ضرورة أو لفساد أهل الزمان بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه للزم منه المشقة والضرر".
وأوضح اليامي أن عقوبة السجن باعتبارها وسيلة تتغير إن كان مقصد التأديب سيتحقق مع غيرها باجتناب أضرار زائدة على حدود التأديب، كما في حالة اعتبار عقوبة السجن سابقة تمنع صاحبها من التكسب الوظيفي المشروع.
وأبان اليامي أن شراع الفقه والقانون أفاضوا في بيان هذه الوسائل المحققة لمقصد التأديب، التي منها على سبيل المثال: العقوبات أو الغرامات المالية، التعزير بالجلد، الإقامة الجبرية، والإلزام بالعمل لمصلحة المجتمع في المشاريع التي يحددها النظام.
وفي جملة القول و-الحديث هنا لنائب رئيس لجنة المحامين- "إن مرونة الشريعة جعلت القاضي في سعة من أمره، مراعاة لجانب المصلحة في تحقيق المقاصد والأهداف، ونحن لا نقول بإقصاء عقوبة السجن، ولكن بجعلها ملاذاً أخيراً يلجأ إليه القاضي بحسب خطورة الجريمة وشدتها".
وطالب اليامي بأن يكون المستهدف من العقوبات البديلة الفئات العمرية الصغيرة التي تقع في الجرائم لأول مرة، لما يحيط هذه الفئة من أسباب قد تدفعها للجريمة منها ما هو اقتصادي واجتماعي وإنساني.
وقال: "عقوبة السجن ليست الوحيدة التي تصلح السجين، وأحيانا تكدس السجون وعدم تصنيف قضايا السجناء يولد شخصا متأصلة فيه الجريمة بعد خروجه لاختلاطه بمجرمين من عدة تصنيفات". وأضاف: ما نستهدفه هو إصلاح المجرم عبر إعادة تأهيله بأساليب متعددة وبعقوبات بديلة مؤثرة خلافا للسجن، وواقع أثرها إيجابي.
وبالعودة إلى الملتقى، يسعى - من خلال 11 جلسة بمشاركة أعضاء من هيئة كبار العلماء ونخب علمية محلية وعربية وأعضاء هيئات تدريس في الجامعات والمختصين في الشأن العدلي - إلى الاستفادة من تجارب دول عربية في هذا المجال.
ويناقش الملتقى الذي يرعاه الدكتور محمد العيسى وزير العدل على مدى ثلاثة أيام متتالية مواضيع تتناول تحديد مفهوم العقوبات البديلة والوسائل الفاعلة لتطبيقها وتنفيذها عديدا من المحاور، منها مفهوم العقوبة وأنواعها، حقيقة العقوبات البديلة، أنواع العقوبات البديلة، تنفيذ العقوبات البديلة، دور الجهات ذات العلاقة بتنفيذ العقوبات البديلة، العلوم ذات الصلة بتطبيق العقوبات البديلة، آثار العقوبات البديلة، تجربة المملكة وبعض الدول في تطبيق العقوبات البديلة، دور مراكز الرعاية والتأهيل في تطبيق العقوبات البديلة.
وتستهل فعاليات الملتقى بجلسة تعنى بمفهوم العقوبة وأنواعها يرأسها الشيخ الدكتور أحمد المباركي عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء، ويشارك فيها الشيخ عبد الله بن خنين عضو هيئة كبار العلماء وعدد من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية.
ويرأس الجلسة الثانية الأمير الدكتور عبد العزيز بن سطام بن عبد العزيز آل سعود الأستاذ في قسم السياسة الشرعية في المعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حيث تناقش حقيقة العقوبات البديلة بمشاركة عدد من القضاة.
أما الجلسة الثالثة التي يرأسها رئيس تحرير "عكاظ" محمد التونسي فستناقش أنواع العقوبات البديلة بمشاركة عدد من الحقوقيين والأكاديميين والقضاة من عدد من الجامعات العربية.
أما اليوم الثاني فستكون الجلسة للحديث عن تنفيذ العقوبات البديلة برئاسة عميد المعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عبد الرحمن المزيني ويشارك فيها عدد من الخبراء العربيين والمستشارين من عدد من الدول العربية.

الأكثر قراءة