برنامج بديل لمنطقة اليورو
تُرى إلى أي حال قد تنتهي أزمة منطقة اليورو في الأسابيع القليلة المقبلة؟ بقليل من الحظ قد تحظى إيطاليا قريباً بحكومة وطنية جديرة بالثقة، وفي تشرين الثاني (نوفمبر) ستحظى إسبانيا بحكومة جديدة تتمتع بصلاحيات تسمح لها بالتغيير، وستبذل اليونان القدر الكافي من الجهود لتجنب تعكير صفو الأسواق. ولكن من غير الجائز أن نعتمد على أي من هذا.
ماذا يتعين علينا أن نفعل إذن؟ أولا، لا بد من إعادة رسملة بنوك منطقة اليورو. وثانيا، لا بد من إتاحة التمويل الكافي لتلبية احتياجات إيطاليا وإسبانيا على مدى العام المقبل أو نحو ذلك إذا نضب معين البلدين فيما يتصل بقدرتهما على الوصول إلى الأسواق. وثالثا، لا بد من التعامل مع اليونان، الدولة الأكثر مرضاً في أوروبا، على النحو الذي يمنع انتشار العدوى إلى دول أخرى على أطراف منطقة اليورو.
وكل هذا يحتاج إلى تمويل ــ فقد تحتاج إعادة رسملة البنوك وحدها إلى مئات المليارات من اليورو (ولو أن هذه الاحتياجات يمكن تخفيفها بعض الشيء لو بدت الديون السيادية المستحقة على الدول الكبرى في منطقة اليورو أكثر صحة).
ولكن من غير المحتمل أن تخصص ألمانيا (وشمال أوروبا بشكل عام) المزيد من الأموال لصالح دول أخرى. والواقع أن الألمان يشعرون بالاستياء إزاء مطالبتهم بدعم الدول التي لا تبدي أي رغبة في التكيف أو التعديل ــ على النقيض من ألمانيا التي أصبحت قادرة على المنافسة، لأنها تحملت سنوات من الألم: زيادات في الأجور المتدنية لاستيعاب العمال من ألمانيا الشرقية سابقاً وإصلاحات عميقة لسوق العمل ومعاشات التقاعد. والواقع أن عزوف الأغنياء اليونانيين عن سداد الضرائب المستحقة عليهم، أو عدم رغبة أعضاء البرلمان الإيطالي في خفض امتيازاتهم الخاصة، من الأمور التي تؤكد المخاوف الألمانية. ولكن في الوقت نفسه، كان أداء الساسة الألمان هزيلاً للغاية في شرح وعرض حجم المكاسب التي حصلوا عليها من اليورو للشعب الألماني.
ولكن هناك بصيص من الأمل يتمثل في استعداد أوروبا لاستخدام مرفق الاستقرار المالي الأوروبي بشكل إبداعي خلاق ــ باعتباره رأسمالا أو تغطية لأول خسارة. فمن الواضح أن بعض أموال مرفق الاستقرار المالي الأوروبي لا بد أن تذهب لإعادة رسملة البنوك غير القادرة على جمع الأموال اللازمة من الأسواق. أما عن البقية، فمن الممكن استخدام المبالغ التي لم تخصص بالفعل للبلدان الطرفية لدعم اقتراض مبالغ يمكن إقراضها فيما بعد لإيطاليا وإسبانيا.
ولكن لا يوجد على الرغم من ذلك إجماع حول كيفية القيام بذلك، فالبعض يقترح تمكين البنك المركزي الأوروبي من الاستفادة من أموال مرفق الاستقرار المالي الأوروبي. وهذه في واقع الأمر وصفة للمتاعب. ذلك أن إعطاء البنك المركزي الأوروبي دوراً شبه مالي، حتى لو كان معزولاً إلى حد ما عن الخسائر، يهدد بتقويض مصداقيته. ففي حالة حصول إيطاليا على المساعدة، فإن الرئيس القادم للبنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي الإيطالي سيتعرض للانتقادات بصرف النظر عن شدة احتياج إيطاليا، فضلاً عن ذلك، فإن التمويل لا بد أن يكون مصحوباً بشروط، ولكن هذه المؤسسات لا تمتلك الخبرة اللازمة، ولا تبتعد بالمسافة الكافية عن البلدان المعرضة للخطر، حتى يتسنى لها تطبيق وتنفيذ الشروط المناسبة.
إن صندوق النقد الدولي ليس بالمؤسسة التي قد تبث في المتعاملين معها مشاعر الدفء والود. ولكنه في الوقت نفسه لا يلعب دور الواعظ الطائش الذي يبشر بالتقشف المالي، كما يتهم أحيانا ــ ويتعين عليه أن يبدأ في أخذ زمام المبادرة في إدارة الأزمة، بدلاً من الوقوف في المؤخرة. إن منطقة اليورو تحتاج إلى تقييم مستقل من الخارج لكل تحرك ينبغي القيام به، والتنفيذ السريع قبل أن يفوت الأوان وقبل أن يصبح من المستحيل السيطرة على هروب الأموال من البنوك.
أما عن اليونان، منشأ أزمة اليورو، فإن إعادة هيكلة ديونها تكاد تكون ضرورة حتمية. ولكن لا بد أولاً من توفير هياكل التمويل المناسبة لإيطاليا وإسبانيا قبل الاستقرار على أي حل. ومن الجدير باليونان أن تخطو بعيداً عن حافة الهاوية، بينما يتقدم كل من الأطراف الأخرى للاضطلاع بدوره.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2011.