وزير العدل للاقتصادية: نسعى لتنظيم عام لبدائل السجن في باب التعزيرات

وزير العدل للاقتصادية: نسعى لتنظيم عام لبدائل السجن في باب التعزيرات

أكد لـ ''الاقتصادية'' الدكتور محمد العيسى وزير العدل، سعي وزارته مع الجهات المختصة في ملتقى الاتجاهات الحديثة في العقوبات البديلة إلى الخروج بنظام عام دقيق لبدائل السجن في باب التعزيرات، مشددا على تأصيله من جانب شرعي ونظامي واجتماعي وأمني. وأوضح العيسى في تصريحات صحافية عقب تدشينه أمس ملتقى الاتجاهات الحديثة في العقوبات البديلة في الرياض بمشاركة علماء وقضاة وأكاديميين، أن الأخذ ببدائل السجن في المخالفات اليسيرة أنفع وأنجع في الأحوال المعاصرة، مبينا أن الاتجاهات الحديثة لا ترى خيار السجن إلا الملاذ الأخير وتحديداً في الجرائم الكبرى، وخصوصاً ما يتعلق منها بحماية الأمن الوطني وحماية المجتمع من بذور الفساد وتأثيرها السلبي ومدها السيئ. وأبان العيسى، أن العقوبات البديلة تختص بباب التعزيرات الذي لا يتعلق بنص شرعي بل بشأن فقهي غير مشمول بنص. وقال: ''فقه العقوبات البديلة يراعي المجني عليه والمجتمع ويراعي مقصد الشريعة الإسلامية في الزجر والردع''.
وأمام حضور فاق 500 مشارك، اعترف اللواء علي الحارثي مدير عام السجون، بـ''تكدس'' السجون بالسجناء، متوقعا أنه في حال أخذ بالعقوبات البديلة في جميع تصنيفات السجناء ستتقلص أعدادهم في السجون بين 40 و50 في المائة.
وقال اللواء الحارثي: ''إن للقاضي السلطة المطلقة في النظر في ظروف الجاني والمجني عليه وظروف المكان والزمان وكل ما يترتب على مصالح المجتمع، بإيقاع العقوبة البديلة بدلا من السجن طالما أن هناك تكدس في السجون''. وأضاف: لدينا برامج إصلاحية متنوعة، ونعمل كذلك على إنشاء إصلاحيات جديدة تحوي مدارس ومعاهد تدريب رياضية تعود على السجين بالنفع، متوقعا أن تكون بكامل جاهزيتها بعد عامين من الآن.
فيما أكد وزير العدل في كلمته، أن السجن مهما أحيط بالرعاية والعناية فإنه لا يخلو من سلبية الحرمان من التئام شمل الأسرة وفقدان عائلها، فضلاً عن تكاليفه الباهظة على الدولة، وعدم كفاءة عنصر الردع والزجر فيه، مشيرا إلى أن الأنسب تخصيص السجون لأرباب الجرائم الذين يُخْشَى على المجتمع من تأثير سلوكهم المنحرف على أفراده في انتظام سلمهم الاجتماعي واستتباب أمنهم وسكينتهم.
ودعا العيسى إلى التحقق من شروط مهمة عند الأخذ بمفهوم العقوبات البديلة تتعلق باحترام النص الشرعي، وعدم الخروج عنه، أو مخالفة مقصده بأي وجه كان، مع ضمان حق المجني عليه، وحق المجتمع، والأخذ بعين الاعتبار حكمة التشريع من التأديب ولا سيما ما يتعلق بمقصد الزَّجْر والرَّدْع، مَعَ إِعْمال فقه الموازنات وفق قاعدة المصالح والمفاسد، ومن ذلك عدم دخول أرباب الجرائم الكبيرة والخطرة في الخيار البديل.
ولفت العيسى إلى أنه قد يحصل الوهم لدى غير المُخْتصِّين في التَّشريع الجنائيّ الإسلاميّ والقانون الوضعي عند سماعه بمصطلح العقوبات البديلة متصوراً أنها بدائل للأحكام النصية، وأن الذي حمل على تجاوزها إنما هو التجاسر على أحكام الشريعة أو على أحسن الأحوال التطبيق الخاطئ لمفاهيم السياسة الشرعية أو الإخلال بمفاهيم وضوابط تغير الفتاوى والأحكام بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والعوائد.
وقال: ''يزول هذا الوهم الخاطئ إذا عُلم أن العقوبات البديلة لا تنسحب إلا على أبواب التعازير فحسب، وهي ما لا نص شرعياً في تقدير عقوبتها، بل مردها -إن لم يكن نص نظامي أو مبدأ قضائي ـ إلى اجتهاد القاضي وفق سلطته التقديرية بما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد.
وأوضح أن مصطلح العقوبات البديلة يأتي في سياق استعارة اللفظ الحقوقي الدارج، بغية تقريب المقصد من تنظيم هذا الملتقى وإلا فإن العقوبات الشرعية وإن دخلت في نطاق التعزير فهي في جميع أحوالها عقوبات أصلية، وليس في تشريعنا الجنائي بدائل لأصوله فكلُّ ما يحقق المصلحة الشرعية يعد أصلاً في العقوبة.
وبيّن الدكتور العيسى أن للظروف والأحوال اعتبارات في الشرع المطهر فمتى تحقق مقصد المشرع الحكيم كان العدل، جريا على ما استقرت عليه القاعدة الشرعية بأنه متى ظهرت أمارات العدل وأسفر وجهه بأي وجه كان ثَمَّ شرع الله، ولا يعني هذا أن نتوسع في الخروج عن النص، فهذا الأمر مقيد بالمساحة المسموح بها للقاضي في سلطته التقديرية في الوقائع التعزيرية. وأبان وزير العدل أنه من حيث التأصيل والتكييف فإن العقوبات الشرعية ولا سيما ما يدخل منها في توصيف العقوبات البديلة مؤيدة بالدليل الشرعي تجريماً وعقوبة، وأن هذا يرد به على المعترض فيما يورده من عدم توافر النص الشرعي أو النظامي المُجَرِّم والمُعَاقِب في عدد من القضايا التعزيرية سواء كانت أصلية أو بديلة، عملاً بقاعدة: ''لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص''. وأوضح أن منطقة التعزيرات في التشريع الإسلامي تمثل مساحة واسعة لا حجر فيها على القاضي ما لم يكن نص نظامي أو مبدأ قضائي يُلزمه بالوقوف عنده، مؤكدا أن هذا شاهد على سعة الشريعة ويسرها ومرونتها في كافة موادها ولا سيما المادة الجنائية. وأشار إلى أن ثمة تصنيفات وفروقات أخرى تتعلق بالسن والجنس والسوابق، أما مَنْ لم تُجْدِ معه العقوبة البديلة فمرده إلى العقوبة الأصلية لتأصل الجرم في نفسه ودخوله في دائرة الخطر على مجتمعه.

الأكثر قراءة