تحديات فنية تواجه مدربي المصرفية الإسلامية في إيضاح الفوارق بين أنواع الربا

تحديات فنية تواجه مدربي المصرفية الإسلامية في إيضاح الفوارق بين أنواع الربا
تحديات فنية تواجه مدربي المصرفية الإسلامية في إيضاح الفوارق بين أنواع الربا

أكد الدكتور عبد الباري مشعل المدير العام لشركة رقابة للاستشارات في بريطانيا لـ''الاقتصادية'' أن القائمين على قضايا التدريب في المصرفية الإسلامية يواجهون تحديات وصعوبات في كيفية ترجمة ونقل النظرية الاقتصادية الإسلامية وتفصيلاتها واستخداماتها إلى واقع إداري ومهني، ويأتي ذلك في سياق التحديات التي تواجه الخبراء والمختصين في المصرفية الإسلامية في ترجمة هذه المفاهيم النظرية إلى تطبيقات فنية وإدارية.
وأوضح مشعل أن مفاهيم ''الفائدة'' السابقة واللاحقة وربا النساء والتفضيل الزمني من الجوانب المهمة التي تسهم في تشكيل وصياغة نظرية الاقتصاد الإسلامي، وتفتح الآفاق للعطاء والتميز على المستوى العلمي، وأضاف أن ترجمة هذه الأفكار إلى معايير إدارية وتدريبية تحتاج إلى قدرات خاصة واطلاع معرفي شرعي وإداري يمكن القائمين على هذه الدورات من تقديم المعلومات وفقا لتوصيفها الشرعي والتدريبي، وبيانها كعملية رياضية قابلة للفهم وللتطبيق والتنفيذ أيضاً.

#2#

وبيّن مشعل أن تقسيم الربا ليكون ثلاثياً بإفراد ''ربا النسأ أو النساء'' بقسم خاص به قدم قيمة مضافة على مستوى الفهم، والعرض، والمناظرة، والقياس. وأضاف أن ربا البيوع الوارد في حديث الأصناف الستة نوعان: ربا الفضل وهو مبادلة ربويين متماثلين فوراً لكن دون تساوٍ في القدر. وربا النسأ: وهو مبادلة ربويين متماثلين متساويين في القدر، أو مبادلة ربويين مختلفين من مجموعة النقود أو من مجموعة السلع الربوية دون تقابض فوري. أما ربا النسيئة فهو الزيادة في القرض ابتداء أو الزيادة في الدين للتأجيل أيا كان منشأ الدين قرضاً أو بيعاً. ويقول مشعل إن الفقه رغم احتوائه للأقسام الثلاثة ''فضل، ونساء، ونسيئة'' إلا أنه في العرض يجعل ربا النسأ من أنواع ربا النسيئة، وهو ما يسبب إرباكا في إيصال هذه المعلومة بشكل مقنع وبسيط، وقد واجه المشكلة بعض الفقهاء عندما أرادوا التدريب ولكن بأسلوب الفقهاء.
وقال مشعل: إن ربا البيوع في الفقه الإسلامي هو الربا الخفي (الربا في السنة)، وربا القروض هو الربا الجلي (الربا القرآني)، ولذا يكون من الصعب معرفة الحكمة والعلة في الخفي خلافاً للجلي، وهذا ما نواجهه في التدريب. فالمتلقي لا يواجه مشكلة في تفهم المنع من ربا النسيئة لكن لا يتفهم المنع من ربا البيوع (فضل أو نساء). وهنا يواجه المدرب تحدي إيصال المغزى في موضوع يشكل جوهر المصرفية الإسلامية.
وأضاف مشعل: إن الفقه يسعفنا بالقول إن ربا البيع حرِّم لسد الذريعة إلى ربا النسيئة. ولابن القيم تفسير جميل لذلك حيث قال: ''فمنعَهم من ربا الفضل؛ لما يخاف عليهم من ربا النسيئة، وذلك أنهم إذا باعوا درهما ًبدرهمين - ولا يكون هذا إلا للتفاوت في الجودة والسكة والثقل والخفة- تدرجوا في الربح المعجل إلى الربح المؤخر، وهو ربا النسيئة، وهي ذريعة قريبة، فمن الحكمة منعهم من ذلك لسد باب المفسدة''. ورغم جمال العبارة إلا أنها أهملت ربا النساء كذريعة أيضاً وهو من ربا البيع واقتصرت على ربا الفضل.
وقال مشعل إن إقرار بيع التقسيط، وإبراز ربا النساء المحرم بالتوضيح يُلهم المدرب بعدة نقاط لإيصال مفهوم سد الذريعة بلغة تدريبية سهلة، وذلك لعدة أمور أشار إليها مشعل، وهي أن للزمن قيمة، ولذلك أجازت الشريعة الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحال كما في التقسيط. هذا المفهوم يجب أن يشكل قاعدة في نظرة الشريعة إلى الزمن. وهذه القاعدة باختصار: ''إذا سمحت الشريعة بالتأجيل فإنها تسمح بعائد له''. ومفهوم المخالفة: إذا لم تسمح الشريعة بالعائد في حالة من حالات التأجيل فيلزم من ذلك أن تحرم التأجيل درءاً للتناقض في أحكام الشريعة. ويرى مشعل أن الجمع بين قسمي ربا البيع (النساء والفضل) يعني تلقائياً التوصل إلى ربا النسيئة. فالنساء زيادة في الزمن بلا زيادة في المقدار، والفضل زيادة في المقدار دون زيادة في الزمن، والجمع بينهما زيادة في الزمن والمقدار وهو ربا النسيئة سواء أكان قرضاً أم تأجيلاً.
وأضاف مشعل أن السماح بواحد من ربا البيع يضغط على المتعاملين في اتجاه طلب الوقوع في الآخر، ومن ثم الوقوع تلقائياً في ربا النسيئة. فلو فرض أن الشريعة سمحت - جدلاً - وعلى سبيل المثال- بربا النسأ (دينار اليوم بدينار غداً)، فإن الطرف المتأخر في التسلم يتشوف للحصول على زيادة في المقدار مقابل التأجيل. وهذا التشوف مشروع كما علمنا في الشريعة، ووفقاً لقاعدة الانسجام في أحكام الشريعة (يلزم من السماح بالزمن السماح بعائد له). والسماح بعائد مقابل التأجيل في هذه الحال يجمع ربا الفضل إلى ربا النسأ فنقع في ربا النسيئة تلقائياً كما أوضحنا. لكن الشريعة المنسجمة في الحقيقة لم تسمح بالنساء أصلاً فمنعت سبب التشوف المشروع ومن ثم منعت الذريعة إلى ربا النسيئة.
ويوضح مشعل أنه لو فُرِض أن الشريعة سمحت - جدلا وعلى سبيل المثال - بربا الفضل (دينار اليوم بدينار ونصف اليوم مثلاً)، فإن الطرف الدافع للزيادة يتشوف للحصول على مهلة في الدفع مقابل الزيادة بل ويمكن أن يراعي ذلك بمزيد من الزيادة في المقدار. وهذا التشوف مشروع لأن الزيادة في المقدار لا بد أن يقابلها عوض والزمن عوض مشروع من حيث الأصل (الحطيطة مقابل التعجيل. والسماح بزمن للتعويض عن الزيادة في هذه الحال يجمع ربا النسأ إلى ربا الفضل فنقع في ربا النسيئة تلقائياً كما أوضحنا من خلال الجمع بين الربويين. لكن الشريعة المنسجمة في الحقيقة لم تسمح بالفضل أصلاً فمنعت سبب التشوف المشروع ومن ثم منعت الذريعة إلى ربا النسيئة.
وقال مشعل: إن القرض بدون فائدة يتخذ شكل ربا النساء، وحرم في البدل الزيادة رغم لزومها منطقياً، وكان اللازم طبقاً للقاعدة منع القرض، لتحقيق انسجام الأحكام. ولما كان القرض مباحٌ في الشريعة، فإن التعليل المنضبط لإباحته أنه صدقة ومعروف من قبل المقرض للمقترض، والصدقة والمعروف إنما يكمن في بذل الزمن لصالح المقترض دون عوض، وليس في أصل القرض. وبالتالي فإن القرض الحسن في باب التبرعات سائغ شرعاً لكن وجوده بين أفراد مساحة المعاوضات مثير للشبهة ومن هنا جاء النهي عن ''بيع وسلف''، لأن وجود السلف في المعاوضات مظنة التحايل على الربا.
كما أشار مشعل إلى أن الفائدة صفر لا تمثل بديلاً عن القرض الربوي ذي الفائدة المحددة مسبقاً، لأن الفائدة صفر تعني قرضاً حسناً ومحله باب التبرعات والصدقات وليس أعمال البنوك القائمة على المعاوضات والمشاركات. ولذا فإن البديل للقرض ذي الفائدة المحددة مسبقاً هو المضاربة ذات الفائدة اللاحقة أو الربح، الذي يحدد طبقاً لنتائج الأعمال.
وأكد مشعل أخيرا أن هذه المفاهيم تلقاها رجال المصرفية الإسلامية وفقهاؤها بالقبول، وإن خالفوها فخلافهم لغوٌ أو شكلي على أقل تقدير. جعلنا الله وإياكم من المتعاونين على البر والتقوى.

الأكثر قراءة