لا مستقبل مشرقا لليورو
سيتم حل أزمة منطقة اليورو في قمة الاتحاد الأوروبي التي تعقد يوم الأحد المقبل. هذا ما أوحى به المشاركون في اجتماع وزراء مالية بلدان مجموعة العشرين المتقدمة والناشئة الذي عقد يوم السبت الماضي. هل ستكون هذه الآمال مبررة؟ لا. من المتصور – ولو أنه من غير المرجح – أن تجد منطقة اليورو سبلاً لإدارة الحالة الطارئة التي تعيشها. ومن غير المتصور أن تعالج العلة، لأن الأعضاء في حالة إنكار لطبيعتها من ناحية، ومن ناحية أخرى لأنها حالة مزمنة.
من المفهوم أن الأطراف الخارجية التي تخشى من حدوث صدمة مالية عالمية أخرى تمارس ضغطاً شديداً على البلدان الأعضاء في منطقة اليورو كي تتعامل مع أزمتيها المترابطتين، المتمثلتين في انعدام السيولة والإفلاس على الصعيدين السيادي والمصرفي.
أصلحوا أوضاع البنوك، أصلحوا وضع اليونان، وأصلحوا أسواق الدين الخاصة ببلدان منطقة اليورو الهشة الأخرى. هذه هي عناصر الحزمة المرغوبة. والنهج السياسي الرئيسي واضح أيضاً: صبوا دلاء الأموال على كل شيء.
أولاً، ما الذي ينبغي فعله بشأن البنوك؟ يجب أن تكون نقطة البداية اختبار تحمل ذا صدقية، لكن ماهية الاختبار ذي الصدقية غير معروفة يقيناً. ويعتمد الأمر على الخسائر المحتملة على الدين السيادي، وهو أمر ليس غير معروف فقط، بل يعتمد على القرارات السياسية التي ما زال يتعين اتخاذها. وبعدئذ يكون السؤال عن نسب رأس المال التي ينبغي استهدافها. وسيتم الحكم على النجاح من خلال السهولة التي يمكن للبنوك أن تمول نفسها بها. وهذه ممارسة في علم نفس الأسواق، وليس في العلوم.
وإذا تعين على البنوك بعد الاختبارات أن تقلص أصولها لا أن ترفع رأسمالها، كما تهدد حالياً أن تفعل، يمكن أن يكون العلاج أسوأ من المرض. والجواب هو تحويل النسب المرغوبة إلى مستويات رأسمال يتعين على البنوك أن تستوفيها. ستصرخ البنوك، لكن لا بأس فلتصرخ. إن الدول تدعم البنوك ولها الحق - ومن واجبها – أن تضمن عدم تسبب السلوك الذي يهتم بالذات من قبل البنوك، في أية حالة تؤدي إلى السقوط. والحل هو أن يطلب من البنوك أن ترفع مستويات رأس المال المستهدفة، بضمان من الدول أو من الصندوق الأوروبي للاستقرار المالي. وإذا لم تتمكن البنوك من جمع المال، فالحكومات ستأتي به.
ثانياً، ما الذي ينبغي عمله بشأن اليونان؟ كما لاحظ زميلي كريس جايلز، تعتقد الحكومة الألمانية بضرورة خفض الدين اليوناني إلى مستويات مستدامة، بينما تعتقد الحكومة الفرنسية والبنك المركزي الأوروبي والبنوك أن إعادة الهيكلة يجب أن تكون طوعية. ولأن من غير المرجح أن يكون التخفيض الطوعي كافياً، فلا يمكن لهذا النهج أن ينجح. إن ألمانيا على حق. يجب أن توضع خدمة الدين اليوناني على أساس مستدام. ويعلم صندوق النقد الدولي أن هذه ينبغي أن تكون نقطة البداية. ما الذي يدفع اليونانيين لإصلاح حكومتهم واقتصادهم إذا كانت الفوائد ستذهب للدائنين إلى ما لا نهاية؟ لا شيء.
إن الأغبياء الذين أقرضوا الأموال من دون أن يطرحوا أسئلة يستحقون أن يشاركوا في الألم. ولا ينبغي أن يتوقعوا أن ينقذهم اليونانيون من غبائهم بعدما تبينت الحقيقة. يمكن تحقيق الخفض في عبء الدين عبر خفض أصله، وعبر خفض أسعار الفائدة، أو عبر تمديد آجال الاستحقاق. ولأن صندوق النقد الدولي يتوقع أن يصل الدين العام الصافي إلى 175 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2012، مع عدم وجود أية فرصة للاقتراض في الأسواق الخاصة، فإن مبرر إجراء تخفيضات جذرية قوي.
ثالثاً، كيف ينبغي أن تتم حماية الأعضاء الآخرين القابلين للتأثر؟ يعتبر الهلع الذي يغذي نفسه بنفسه في أسواق الدين السيادية للبلدان الكبيرة كإيطاليا وإسبانيا، أكبر خطر يواجه منطقة اليورو والاقتصاد العالمي. وبما أن دين إسبانيا الصافي (الذي يتوقع صندوق النقد الدولي أن يكون عند نسبة 59 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2012) والعجز المالي الهيكلي لإيطاليا (الذي من المتوقع أن يكون عند نسبة 1.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2012) منخفضان جداً، فإن لدى البلدين فرصة جيدة للعودة إلى الأسواق بشروط أيسر. وسيكون الحل الأبسط أن يضمن البنك المركزي الأوروبي توافر السيولة في السوق لهذين الدينين العامين. وإذا تم رفض هذا الأمر، أو اعتبر غير كاف، يمكن للصندوق الأوروبي للاستقرار المالي أن يوفر ضمانات جزئية على الاقتراض الجديد، كما اقترح أخيرا بول إشليتنر من شركة ألاينز.
لنفترض أنه تم التغلب على الأزمة المباشرة فعلاً بهذه الطرق. هل يعد ذلك بمستقبل مشرق لليورو؟ لا. ولا يعتبر نوع من أنواع الاتحاد المالي، كما يقترح البعض، هو الحل. صحيح أنه إذا قام الأعضاء ذوو الجدارة الائتمانية بتحويل الموارد إلى الأعضاء الذين لا يتمتعون بجدارة ائتمانية على نطاق واسع، يمكن الإبقاء على منطقة اليورو معاً. لكن حتى لو أمكن إدامة هذه السياسة (وهو أمر غير مرجح) فإنها ستحول أوروبا الجنوبية إلى جنوب أكبر. وستكون هذه محصلة كارثية للتكامل النقدي الأوروبي.
إن التحدي الأساسي ليس التمويل، بل التعديل. فلطالما أصر صانعو السياسات في منطقة اليورو على أن ميزان المدفوعات ليست له أهمية داخل اتحاد للعملات بالفعل، فهناك اعتقاد راسخ أن العجوزات المالية وحدها هي التي تهم وأن جميع الموازين الأخرى في الاقتصاد ستتوازن بصورة تلقائية. هذا هراء. لقد كان أفضل مؤشر على الصعوبات اللاحقة هو العجوزات الخارجية التي سبقت الأزمة، وليس العجوزات المالية.
لماذا تهم العجوزات الخارجية؟
أولاً، العجوزات الخارجية تعني أن المقيمين ينفقون أكثر من دخلهم ويمولون الفرق من الخارج. وإذا قرر الدائنون أن هؤلاء المقترضين لم يعودوا جديرين بالائتمان (سواء أكانوا مقترضين خاصين أو عامين) فسيتوقفون عن إقراضهم، مسببين بذلك حالة من الركود، أو غرقاً في العجوزات المالية أو تعميقها. ثانياً، العجوزات الخارجية التي تطول مدتها تشكل أيضاً بنية الاقتصاد وقدرته التنافسية.
ثالثاً، العجوزات المستدامة تؤدي إلى زيادة حجم المطلوبات الخارجية بشكل كبير جداً، وكثيراً ما تتوسط فيها البنوك. وعندما يتوقف الإقراض الخارجي من المحتمل أن تنفجر البنوك، مقوضة الاقتصاد والمركز المالي. وكما يلاحظ بنك جولدمان ساكس، فإن العجز عن خفض قيمة العملة يلغي إحدى طرق تعديل مراكز المطلوبات الصافية التي ثبت أنها ساعدت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. والأسوأ من ذلك أن الآلية الوحيدة المتاحة، وهي ''الخفض الداخلي لقيمة العملة'' (أو انخفاض مستوى الأسعار الداخلية)، تجعل عبء الدين الخارجي أكبر. وعندها يجب أن يكون التحسن في ميزان الحساب الجاري أكبر مما ينبغي أن يكون بغير ذلك.
والأهم من كل ذلك، أن الناس يهتمون بما يحدث لبلدهم. ولن يعزي سكان بلد عضو مكروب أنفسهم بفكرة أن البلدان الأخرى تزدهر.
يظل تعديل الاختلالات داخل منطقة اليورو أمراً جوهرياً، لكنه صعب للغاية لأن سعر الصرف تم استبعاده ويأتي محله التعديل عبر الركود والعجز عن السداد. إن اتحاداً للعملات في ظل وجود الميركنتاليين الهيكليين في المركز الآن يهدد بسقوط دائم في الأطراف. وحل هذه المعضلة هو العلاج الحقيقي، فهل يمكن القيام به؟ أشك في ذلك.