رحلة عطاء .. حماية للأرض ودفاع عن البيئة

رحلة عطاء .. حماية للأرض ودفاع عن البيئة
رحلة عطاء .. حماية للأرض ودفاع عن البيئة

''رجل البيئة العربي الأول''.. إنه لقب و''حيد'' و''فريد'' ناله الأمير سلطان بن عبد العزيز - رحمه الله - وذلك لاهتمامه الخاص بقضايا البيئة.. هذا اللقب الذي ناله الفقيد من قبل وكالة ''ونتس'' الدولية لم يكن نظير جهوده في دعم قضايا البيئة محليا فحسب، وإنما من أجل الحفاظ على بيئة كوكب الأرض بأكمله.
هذا هو الأمير سلطان كبير في أعماله فهو الإنسان الذي أوقف جهده ووقته، بل وعمره أيضا في خدمة الميدان الإنساني، التي من بينها البيئة وهمومها، إنجازات كبيرة يشهد عليها التاريخ وستبقى خالدة مدى الحياة.
اهتمام الأمير سلطان - رحمه الله - بالبيئة لم يقتصر على الجوانب المحلية، إذ وجه بإنشاء أول محمية للحياة الفطرية في الخليج العربي، وإمداد هيئات بيئية عربية بمجموعات من الكائنات الفطرية النادرة التي تم إكثارها في مراكز الأبحاث التابعة لهيئة حماية الحياة الفطرية.. وتعبيرا عن رؤيته الشمولية هذه قال في إحدى المناسبات: ''بما أن البيئة والحياة الفطرية لا تعرفان الحدود السياسية، ولأنها تؤثر وتتأثر بما يجري على كوكب الأرض بشكل عام، فإن جهود المملكة لا تقتصر على المستوى الوطني، بل تتعدى ذلك لتشمل المستوى الإقليمي والدولي من خلال انضمامها لعديد من الاتفاقيات والمعاهدات والمؤتمرات الدولية الهادفة للحفاظ على البيئة''.

#2#

''التنوع الإحيائي ضرورة يجب أن يدركها الجميع من أجل بيئة صحية آمنة ومستقرة للبشر تسهم في دفع عجلة التنمية المستدامة''.. إنها اقتباس مما ذكره الفقيد خلال رعايته لإحدى المناسبات البيئية، التي كان لي شرف حضورها في الأول من نيسان (أبريل) 2001 في منزله في العزيزية عندما أطلق الحملة الثانية لدعم صندوق الحياة الفطرية، الذي كان الهدف منه تكريس التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص لدعم الأبحاث والمشاريع الهادفة للحياة الفطرية وإنمائها. وهي بالطبع تجربة فريدة في الدول العربية ودول الخليج بشكل خاص.
ففي كل مناسبة بيئية كان يرعاها الأمير سلطان - رحمه الله - تجده يركز في حديثه على وجوب الحفاظ عليها، ويمعن في وصفها وهو ما يعكس الصورة الحقيقية التي تصف لنا تعلقه بالبيئة ومكوناتها، وهذا يدل على اهتمام الأمير سلطان بالبيئة لم يكن ترفا أو وجاهة، وإنما كان ناجما عن إدراك ووعي منه بأن الحفاظ على البيئة وحمايتها هو ضرورة إنسانية ملحة تنعكس تداعياتها على الإنسان بصورة مباشرة وتمس حياته في كل مناحيها وتجلياتها، فضلا عن تأثيرها في عملية التنمية بجميع صورها.
هذا هو الأمير سلطان بن عبد العزيز - رحمه الله - حيث قاد تجربة فريدة في مجال المحافظة على البيئة, ورعاية الأنشطة التي تحافظ على الحياة الفطرية, وترفع مستوى الوعي الاجتماعي بأهمية البيئة, وتأثيرها في حياة الإنسان بمختلف جوانبها.
إن ما قام به الفقيد - رحمه الله - من جهود من خلال المؤسسات المتخصصة التي وجه بإنشائها في مجال البيئة, أسهم بشكل رئيسي في تبوّء المملكة مكان الريادة في هذا المجال الحيوي, وأصبحت التجربة السعودية في مجال المحافظة على البيئة والاهتمام بالحياة الفطرية وإنمائها محل دراسة وبحث, بوصفها نموذجاً يستحق الاقتداء.
ورسخ الأمير سلطان - رحمه الله - عبر رئاسته لمجلس إدارة هيئة حماية الحياة الفطرية في المملكة ثقافة الحرص على البيئة بجميع مكوناتها، وكان متابعا بشكل مستمر لأعمال الهيئة وحدثها على تطوير وتنفيذ خطط للتصدي للأخطار المحدقة بالحياة الفطرية في البر والبحر وإعادة تأهيل الأنواع التي انقرضت من البرية والأنواع المهددة بخطر الانقراض مستهدفة إعادة التوازن البيئي للنظم البيئية الطبيعية.
وفي إطار اهتمامه - رحمه الله - بالبيئة عني ببرامج إعادة توطين الكائنات المهددة بالانقراض في المملكة، كما بلغ عدد المناطق المحمية المعلنة التي تمثل أهم النظم البيئية الطبيعية في المملكة خمس عشرة منطقة محمية، فيما تسعى الهيئة إلى ضم ما يزيد على 90 منطقة أخرى لحمايتها مستقبلاً حتى تستكمل برنامج المحافظة على معظم النظم البيئية الفريدة في المملكة.
كما وافق على إقامة أول مسابقة في المملكة لخدمة البيئة تحت مسمى مسابقة الأمير سلطان بن عبد العزيز لخدمة البيئة. وأدرك أن الحفاظ على البيئة ليس عملا مؤسسيا فحسب، بل إنه مسؤولية فردية أيضا، لذا أكد أهمية العمل الجماعي بين أفراد المجتمع، وبين المجتمعات المختلفة للحفاظ على البيئة ومكافحة التلوث. وشدد على أن توازن البيئة الطبيعية مرهون بحرص الأفراد على إدراك مسؤولياتهم المشتركة نحوها وتقليص ما يمكن أن يلوثها أو يستنزف مواردها.
وتجلى اهتمام الأمير سلطان - رحمه الله - بالبيئة في حرصه على البيئة المحلية وتنوع الحياة الفطرية فيها عبر نشاط مؤسسات متخصصة في هذا المجال، حيث أسس ''جائزة الأمير سلطان بن عبد العزيز العالمية للمياه'' بهدف تقدير الجهود العلمية والمؤسسية في مجال المياه.
وكان البروفيسور جيري ستيندجر، الذي نال هذه الجائزة، قد قال: ''كلنا نقدّر قيمة وقوة المياه وفي المناخ الجاف في منطقة الشرق الأوسط نتوقع أنّ كلّ فرد لديه ذلك الفهم، لكن مثل هذا الفهم في إيجاد جائزة للمياه فهو ليس لدى كلّ الناس في كلّ الأماكن''.
وفي ذات الإطار تم إنشاء مركز الأمير سلطان بن عبد العزيز للبحوث والدراسات البيئية والسياحية، ويعنى المركز بالبحوث والدراسات في مجالات وقضايا البيئة والسياحة في المملكة والعالم العربي، كما يتولى إنتاج ونشر البحوث والدراسات والكتب في مختلف مجالات العلوم البيئية والسياحية، ورصد وتحليل وتقويم الظروف والمشكلات البيئية والسياحية ورسم السياسات والاستراتيجيات للحفاظ على الظروف البيئية والنشاط السياحي. كما يسعى المركز لزيادة الوعي الجماهيري بأهمية الحفاظ على الموارد البيئية والسياحية.
وتقديرا لجهود الأمير سلطان - رحمه الله - في مجال الحفاظ على البيئة ومجهوداته المتميزة وتاريخه الحافل بالإنجازات البيئية ودعوته المستمرة للسلام العادل والشامل للبشرية تسلم جائزة السلام والبيئة من مركز التعاون الأوروبي العربي.
وقال رئيس مركز التعاون الأوروبي العربي الدكتور فولفجانج ارينز في كلمة له في هذه المناسبة ''إن إهداءنا وتكريمنا لكم بجائزة السلام والبيئة وقبولكم لهذه الجائزة تكريم عظيم لنا، فبهذه الجائزة نرغب في تقدير إنجازاتكم العظيمة''.
وقد تم اختيار الأمير سلطان - رحمه الله - بالإجماع من مجلس إدارة مركز التعاون الأوروبي العربي لجائزة السلام والبيئة بناء على استطلاع الرأي الذي قام به مركز بحوث الشرق الأوسط في جامعة عين شمس على المنطقة العربية لاختيار رجل السلام والبيئة.

الأكثر قراءة