د.المبارك لـ "الاقتصادية" : مسؤوليات «سلطان» لم تمنعه حضور «الأحدية»

د.المبارك لـ "الاقتصادية" : مسؤوليات «سلطان» لم تمنعه حضور «الأحدية»
د.المبارك لـ "الاقتصادية" : مسؤوليات «سلطان» لم تمنعه حضور «الأحدية»
د.المبارك لـ "الاقتصادية" : مسؤوليات «سلطان» لم تمنعه حضور «الأحدية»

على وقع النبأ الذي يضعنا أمام مسؤولية الدعاء بالرحمة لفقيد الوطن، ندرك- بينما نحاول البحث أكثر في شخصية سلطان بن عبدالعزيز- أن في ذاكرة أصدقائه والقريبين منه الكثير من القصص التي يمكن بها إعادة التعرف على الأمير الراحل من زوايا أخرى، وفي هذا الصدد يحضر العالم والأديب، وصاحب الصالون الأدبي الأشهر في الرياض المعروف بـ''الأحدية''، الدكتور راشد المبارك ليتناول شيئا من ملامح العلاقة الشخصية العريقة التي جمعته بسلطان الخير على مدى أكثر من ثلاثة عقود، فقد عرف الأمير بحضوره إلى ذلك الصالون الأدبي بشكل عفوي وأخوي، كلما أتيحت له الفرصة، كما كان الدكتور المبارك أول الأعضاء الذين كلفوا من قبل الأمير سلطان بن عبد العزيز بعمل (الموسوعة العربية العالمية)، وهي من أبرز الموسوعات العربية في العالم، وقد فتح قلبه لـ ''الاقتصادية'' متحدثا عن ''سلطان'' بثقافة الأديب العريق، وبحميمية القريب الصديق.

#2#

المفكر والأديب المبارك يصف علاقته بالراحل الكبير بالمعرفة التي يعتز بها والصلة التي يغليها، وقال إنه من المستحيل الإفاضة بشأن ما تركته هذه المعرفة والصلة في نفسه غير أن يوجزها في عدة محاور، فيقول إن ''من الناس من يولد وكأنه لم يوجد، ويعيش وكأنه لم يولد، ويموت وكأنه لم يعش، وهم أغلبية البشر يكونون عبئا على الأرض لا إفادة لها وهبوطا بمعنى الإنسان لا ارتفاعا به، على أنه يوجد في الطرف المقابل قلة قليلة تجيء وكأنها الاعتذار والتكفير والاستغفار عما في نفوس كثيرة من بلادة الحس ودمامة الوجدان، والأمير سلطان أبرز من أعرف مثلا على هذه القلة وأبعدهم أثرا''.
ويضيف الأديب صاحب ''أحدية المبارك'' في معرض حديثه عن ولي العهد- رحمه الله- ''إنني أجد أنه في صحراء الأرض، حيث يكتوي المرء بلدغ الرمضاء، ويحس بوهج الشمس، ويتأذى من لفح السموم تمتد يد الله لتزرع لفيفا من الخمايل الخضر تطفي لذع الرمضاء بالماء، وتحجب وهج الشمس بالظل، وتندي السموم بأنفاس الشجر، وليست هذه الخمائل والجنات في صحراء النفس الإنسانية سوى بعض النفوس الملتفة على أخلاقها وفضائلها، والأمير سلطان- عليه رحمة الله- أقوى من يمثل هذه الخمائل، طبيعة فيه وجانباً من شمائله''.
وقد أشار المبارك إلى تمتع الأمير بالسجية الفطرية الدافعة للبذل، واعتبر أن نفوسا قليلة يكون من طبعها العطاء، ومن خلقها الوفاء، ومن عاداتها الخير وإفاضته، وأضاف: هذه النفوس المصطفاة هي ما أشار إليها الحديث ''إن لله عبادا اصطفاهم لقضاء حوائج خلقه حببهم إلى الخير وحبب الخير إليهم، أولئك هم الناجون من غضب الله يوم يفزع الناس''، وإنني أرجو أن يكون سمو الأمير من هذه النفوس.

#3#

وفي جانب آخر، يشيد المفكر الأديب بالبشاشة التي كانت سمة مميزة ومستمرة وشكلاً عفوياً من أشكال السخاء النفسي المغدق في سلطان الخير، فيقول ''إن سمو الأمير عطاء بِِشر لا يفارقه، وإشراقة ابتسامة لا يملك حبسها وهو جانب عبّر عنه الأخ راش بن جعيثن عندما قال: قسِّمْ حجاجك يازبين المخاويف.. على وجيه شحها ما كفاها''.
الدكتور راشد المبارك، وضمن حديثه للاقتصادية توقف ملياً عند الاستجابة السريعة والاهتمام البالغ اللذين كانا يبديهما الأمير المعطاء إزاء كل حاجة وحيال كل طلب، فيقول ''إن صلتي بالرجل تمتد إلى أكثر من 35 عاماً، وعلى امتداد هذا الزمن لم أقصده في قضاء حاجة محتاج أو تفريج كربة مكروب أو رفع مظلمة عمن ظُلم إلا وجدت عنده الأفق الرحب والخلق العذب واللقاء الكريم، طبيعة فيه لا يتكلفها ولكنها سجيّة''.
أما في إطار خدمة الشأن الثقافي وإنشاء المراكز العلمية والحضارية، فيرى المبارك أن هذا الأمر لم يكن يقل عن اهتمامات سلطان بالعمل الاجتماعي والخيري، مشيرا إلى أن من صفاته– رحمه الله- أن ما يضطلع به من مهام وما يعالجه من هموم لا يشغله عن اهتمام بالأمور الأخرى، ويضيف: قد يقال إنه ربما لا يعلم عن هذه الاهتمامات سوى القريبين منه، وأحسب أن الأقرب إلى الصحة القول إن ليس كل القريبين منه يعرفون عن كل ما يعمل، وفي هذا الصدد أذكر أمثلة ثلاثة تكفي للدلالة على هذا الجانب لديه، أحدها أنه منذ ستة أعوام أو نحوها جاء إلي الأخ الصديق فيصل السويدي يحمل في يده مجلة فتناولتها منه من باب الفضول المعرفي فوجدت رئيس تحريرها هو الدكتور الطريفي فسألت الأخ فيصل من هو الطريفي, فاستغرب سؤالي، لأنني لم أعرف الرجل وقال إنه مدير مركز الأطراف الصناعية, فسألته عن هذا المركز فأبدى استغراباً أكبر.. فسألته عن سر ذلك الاستغراب؟ فأجاب ''لأن هذا المركز قد أقامه سمو الأمير سلطان منذ 15 عاما أو نحوها لصناعة الأطراف الصناعية للمحتاجين إليها، فكيف أنت لا تعرف ذلك؟''. يتابع المبارك ''في موقف آخر، أذكر أنني كنت في مدينة الخبر فمررت على مبنى مميز كتب عليه مركز الأمير سلطان للعلوم، وقد مضى على إنشائه عدة أعوام, ولم يحدث أن ذكر لي ذلك أو تحدث عنه, بل إن الأمير سلطان أنشأ كثيرا من مراكز طب القلب التي أقيمت في كثير من مدن المملكة وحملت اسمه، لكني لم أعرف عنها إلا عندما تفضل بإقامة مركز مماثل في الأحساء''. ويرى المفكر المبارك أن هذا يدل دلالة أكثر على قلة ما يعلن عما يقوم به وعدم تكرر الحديث عنه، فيما ينشر أو يذاع، مشيرا إلى أن مشاريعه الثقافية في الداخل والخارج عصية على الحصر, ويضيف ''يمكن القول دون الوقوع في خطأ المبالغة إنه قلَّ أن يوجد جانب من جوانب هذا الكوكب لا توجد لسموه فيه مآثر''. أما فيما يتصل بالعلاقة بين الأمير سلطان والصالون الأدبي ''ندوة الأحد''، وما عرف عن حضور ولي العهد غير مرة ودون تنسيق مسبق في بعض الأحيان للاستماع والمشاركة في النقاشات الفكرية والثقافية التي تقام في ''الأحدية''، يعلق مؤسس وصاحب الندوة الأسبوعية العريقة، الدكتور المبارك ''ندوة الأحد ندوة علمية ثقافية متعددة المجالات يحضرها عادة 50 مشاركاً إن قلوا، ومن يزيد على المائة إن كثروا، ولكل فرد منهم حق المشاركة في المناقشة والمسألة والاعتراض، ويمتدُّ وقتها من ثلاث إلى أربع ساعات، وندوة هذه صفتها لن تكون مما يتسع له وقت من له من المسؤوليات ما يحمله الأمير سلطان، ولكنه يسعد محبة بتشريف محله مرة في العام أو أكثر, ويحضر هذا اللقاء عدد غير قليل من ذوي الفكر والثقافة ممن يحملون الهم العام''.
وانطلاقا من هذا الاهتمام الثقافي الشخصي، وصولا إلى المشاريع الضخمة التي تبناها الأمير سلطان رغبة في تكريس مفهوم حضاري للثقافة العربية والدفع بها إلى ما يطمح إليه، يقول الدكتور المبارك ''الأعمال التي قدمها الأمير سلطان كانت منافذ إشعاع وتعريفا للثقافة والحضارة العربية وبمقدار انتشارها وجهد القائمين عليها والمباشرين لعملها كانت فائدة ثمرتها، واتساع أثرها، وأما الموسوعة العربية العالمية فهي العمل الذي عجزت أو تقاعست عنه دول، وقام به رجل وقد اشترك في تحريرها- إضافة إلى أصلها الأجنبي- أكثر من ألف من العلماء والمختصين بموروث العرب والمسلمين في العلوم والأدب والفلسفة والتاريخ, والموسوعة- كما تعلم- هي الأولى في الوطن العربي''.

الأكثر قراءة