الأحساء تذكره.. جراحة للقلب وتنمية للأسرة

الأحساء تذكره.. جراحة للقلب وتنمية للأسرة
الأحساء تذكره.. جراحة للقلب وتنمية للأسرة

عرفه الجميع بـ "سلطان الخير"، وفي واحة الخير "الأحساء" يدرك الأهالي جيدا ماذا تعني هذه الكلمة، فكما لم ينس الأمير سلطان بن عبد العزيز الأحساء من لمساته الإنسانية الحانية، لم ينس أهل الأحساء بدورهم صنيع الأمير في واحتهم.

ويبقى مركز الأمير سلطان لجراحة القلب الذي تبرع به لمحافظة الأحساء شاهدا على عطايا صاحب القلب الكبير لهذه المحافظة، إلى جانب تبرعه الشخصي بمبلغ عشرة ملايين ريال لإنشاء مركز حضاري في المحافظة، وتبرعه أيضا بمبلغ ثلاثة ملايين ريال لإنشاء مركز التنمية الأسرية التابع لجمعية البر الخيرية في المحافظة. التبرعات كثيرة والعطايا وفيرة ومعين الخير لا ينضب.

ونظرا لتزايد أعداد مرضى القلب من الأطفال والبالغين في الأحساء، ونظرا لوجود نقص في عمليات التشخيص والعلاج وافتقارها لجراحة القلب وجراحة القلب المفتوح، إضافة إلى ما يتحمله المريض وذووه المحول إلى مدينة الرياض من عبء اجتماعي ونفسي، فقد استشعر صاحب القلب الكبير الأمير سلطان بن عبد العزيز ذلك كله، فوجه أمره الكريم بإنشاء مركز متخصص في القلب على نفقته الخاصة، ووضع حجر الأساس للمركز في الرابع من شوال عام 1424هـ، وتم افتتاحه في النصف الثاني من عام 1428هـ.

#2#

وحول قصة نشأة هذا المركز، يقول الدكتور عبد الله العبد القادر المدير التنفيذي لمركز الأمير سلطان لمعالجة أمراض وجراحة القلب في الأحساء: "نالت الأحساء تلك البقعة الطيبة من بلادنا الكريمة والمعطاءة بأرضها وبأهلها، شرف احتضان واحد من أرقى مراكز القلب التي يمكن أن تنفذ في العصر الحديث. ولقد كان لذلك الحدث البهيج قصة لا تخلو من الاختلاجات الدرامية بدأت بدايتها الفعلية منذ عام 1997م حين قدمت إلى الأحساء كأول استشاري أمراض قلب خلقية، ورأينا رأى العين الجدب الشديد في منابع الخدمة القلبية، وعايشنا مع مرضانا الآلام والآمال، وأخص بالذكر الأطفال المصابين بتشوهات خلقية في القلب، حيث أثبتت لغة العلم والإحصاء وجود نسبة إصابة من أعلى النسب في العالم في منطقتنا حسب ما نشرته مجلة مدونات طب الأطفال البريطانية في عام 2001م. ولقد كانت تلك الدراسة فأل خير وسعد على مرضى القلب في المنطقة حيث تلتها نهضة قلبية للأحساء خاصة، وللمملكة ومنطقة الخليج عامة يمكن تلخيصها في التبرع الرائع واللمسة الحانية من قبل سلطان القلوب - رحمه الله - الذي اعتاد استشعار آلام وآمال أبناء وطنه وتبرع بإنشاء مركز الأمير سلطان لمعالجة أمراض وجراحة القلب.

وقال العبد القادر: "للأمير سلطان بن عبد العزيز - رحمه الله - دور رئيس في تأسيس المركز الذي يعد النواة الحقيقية للمشروع الوطني والمشروع الخليجي لأمراض القلب الخلقية في السعودية ودول مجلس التعاون واليمن. ومنحنا المركز مشاركة دول العالم المتقدم في قضية استكشاف عوامل الخطر الجينية والبيئية ولأمراض القلب الخلقية، والذي ينطلق من الأحساء إلى كامل مناطق ودول البحث. وأضاف أنه كانت الرؤى واضحة والتوجه كان منذ البداية نحو إنشاء مركز حضاري عالمي المستوى للعناية بأمراض وجراحات القلب لأهالي المنطقة ومن حولها، وذلك بتطبيق أعلى المعايير الدولية لمثل هذه المراكز والغاية كل الغاية هي الاستغناء التدريجي عن تحويل حالات القلب لخارج المنطقة وفي خط تصاعدي وبعد اكتمال الخدمة نهدف أن يكون مركز الأمير سلطان مركزًا تعليميا وبحثيًا رائدًا يرفد خطط الدولة أعزها الله في توطين التقنية والمساهمة في الجهود الدولية لمحاربة أمراض القلب لدى بني البشر. وكان الأمير سلطان بن عبد العزيز - رحمه الله - قد تبرع لأبناء الأحساء بإنشاء مركز الأمير سلطان لمعالجة أمراض وجراحة القلب بمبلغ سخي ليحدث نقلة كبيرة في مجال الخدمات الطبية المتخصصة في المنطقة بكاملها. وتعدى ذلك إلى دول الجوار، خاصة في مجال طب وجراحة القلب، التي حققت فيها المملكة نجاحات كبيرة بسبب تميز مراكز القلب السعودية في الداخل والخارج، وقام الأمير سلطان – رحمه الله - بوضع حجر الأساس للمركز بتاريخ 4 شوال 1424هـ.

وقد تم تنفيذ المشروع من قبل الإدارة العامة للأشغال العسكرية للقوات المسلحة لمصلحة الجهة المستفيدة وهي وزارة الصحة. وتم اختيار الموقع اعتبارا لعدد من الأولويات منها وجود مستشفى عام قائم في الأصل وبحجم مستشفى 500 سرير، وذلك بناء على تجارب سابقة في داخل المملكة وخارجها، كما أن موضوع الاستشارات الطبية التي يحتاج إليها مركز قلب متخصص من مستشفى عام بتخصصاته المتنوعة يمثل أولوية مهمة لخدمة المريض.

ويقع المركز في مبنى مستقل داخل حرم مستشفى الملك فهد في الهفوف، ويتسع لـ 76 سريرا، ومرتبط بمستشفى الملك فهد بواسطة ممر مغطى على مستوى الطابق الأرضي بتكلفة إجمالية تبلغ 54.5 مليون ريال.

والمركز عبارة عن برج طبي متكامل يتكون من خمسة طوابق، ومجهز بعيادات خارجية، وعيادات تصوير قلب بموجات فوق الصوتية، وقسم خاص للصيدلة، وقسم خاص للملفات الطبية، وعيادة خاصة لمنظمات النبض والصدمات الكهربائية، وقسم مستقل لتصوير القلب بالأشعة النووية شامل لكل الاحتياطات اللازمة للتعامل مع المواد النووية. هذا ما يخص الطابق الأول، أما الطابق الثاني فهو ينقسم إلى قسمين كبيرين: الأول عبارة عن غرفتي قسطرة مجهزتين بأحدث التجهيزات والتقنيات اللازمة والمتوافرة في العالم حتى الساعة، وستكون عند جاهزيتها الأحدث على مستوى المملكة والمنطقة.

أما فيما يخص القسم الثاني فهو عبارة عن عشرة أسرة متخصصة عالية التخصص لكل ما يخص العناية القلبية المركزة التابعة للقسطرة، إضافة إلى غرفة أخرى للإجراءات الخاصة. ويتمتع هذا القسم بالتقنيات والمعايير العالمية اللازمة لمرضى القلب، وستكون واحدة من غرفتي القسطرة القلبية قادرة على تقديم خدمة القسطرة الكهربائية التشخيصية والعلاجية، وكذلك زرع منظمات النبض والصادمات الكهربائية. الطابق الثالث خاص بعمليات القلب المفتوح، وينقسم إلى قسمين: قسم خاص بغرفتين لعمليات القلب المفتوح تكون واحدة منهما مجهزة لعمليات نقل القلب، والقسم الثاني عبارة عن عشرة أسرة عناية جراحة قلبية عالية التخصص، وغرفة للإجراءات الخاصة. أما فيما يخص الطابق الرابع فهو خاص بالتنويم بعدد إجمالي 38 سريرا، بينما الطابق الخامس مقسم إلى قسمين: الأول خاص بمكاتب الإدارة وصالة محاضرات تكفي لـ 80 شخصًا لنقل المحاضرات من بعد، والقسم الثاني عبارة عن 14 سريرًا وهو خاص بتنويم الأطفال.

والمركز معد لكامل تخصصات أمراض وجراحات القلب بما فيها عمليات القسطرة الكهربائية والعمليات المعقدة لجراحة القلب المفتوح، وكذلك عمليات نقل القلب من الأشخاص المتوفين، وكذلك عمليات تشخيص مبضعية ولا مبضعية تدرجًا إلى القسطرة العلاجية ثم إلى جراحات القلب المفتوح بدءًا بالبالغين ووصولا إلى الأطفال والرضع وحديثي الولادة.

ويواصل مركز الأمير سلطان لمعالجة أمراض وجراحة القلب في الأحساء حصد نجاحات متواصلة وأرقام تصاعدية في مسيرة التشغيل الطبي للمركز منذ تسلّمه. ويقدر عدد المرضى الذين تلقوا فحوصا مختلفة في عيادات القلب في المركز بعشرات الآلاف. وقد أجرى عدة عمليات قلب مفتوح بالغة التعقيد تشمل القلب المفتوح لأطفال يعانون من تشوهات قلب خلقية وتجرى عادة في مستشفيات بالغة الكفاءة والتجهيز في مستشفيات قليلة في المملكة منها المستشفى العسكري، ومستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض، وعدد من المستشفيات المتخصصة في أوروبا وشمال أمريكا. يذكر أن مركز الأمير سلطان لعلاج أمراض وجراحة القلب في الأحساء حقق نقلة نوعية في إطار خطته الاستراتيجية للتشغيل الذاتي الكامل، خدمة لمصلحة المريض ومن أجل سرعة تنفيذ وفعالية الخدمات التي يقدمها والجودة التي يطمح إليها كي يكون في مستوى باقي مراكز القلب العالمية المرموقة في ظل تطبيق المعايير العالمية وفي إطار بناء سمعة جيدة داخل الأوساط الطبية السعودية والعالمية.

ولم تتوقف عطايا ولي العهد للأحساء، فبعد فترة قصيرة من افتتاح مركز علاج وجراحة القلب، تبرع مجددا بمبلغ عشرة ملايين ريال لإنشاء مركز حضاري في محافظة الأحساء، وبمبلغ مليون ريال سنويا لتشغيل المركز الحضاري، كما تبرع بمبلغ ثلاثة ملايين ريال لإنشاء مركز التنمية الأسرية التابعة لجمعية البر الخيرية بالمحافظة. وتبرعاته – رحمه الله - لم تتوقف أبدا، فعندما قامت كوكبة من رجال الأعمال المخلصين بالعمل على إنشاء جمعية النخلة التعاونية في الأحساء اضطلاعا منهم بخدمة الوطن وإسهاما في مساعدة مزارعي المنطقة في تنظيم وتسويق إنتاجهم من التمور داخل المملكة وخارجها، وذلك للإسهام في الحد من تدني أسعار التمور الذي بدأ يضر بدخل المزارعين من هذا المنتج، وبدأ يهدد زراعة التمور بشكل عام. كان الأمير سلطان - رحمه الله - على رأس من تجاوب مع هذا التوجه ودعمه، والذي تجسد في إسهامه السخي في التبرع للجمعية بخمسة ملايين ريال سعودي، والعمل جار على قدم وساق لإنشاء البنية التحتية للجمعية إن شاء الله. وكان الفقيد - رحمه الله - لا يتوانى عن مد يد الخير إلى كل محتاج بدءا بعتق الرقاب وعقد الصلح بين المتخاصمين، إضافة إلى بناء المساجد ودور الأرامل والأيتام في مختلف بقاع العالم، كذلك يتلقى ديوانه يوميا مئات الحالات من محتاجي العلاج والمساجين والقضايا المتعددة، كذلك يقوم بدعم الطلبة المتفوقين وإرسالهم في بعثات دراسية خارجية، كما يشجع أهل البادية للحفاظ على تراثهم والتمسك به، ويقدم لهم ما يعينهم على هذه المهمة.

الأكثر قراءة