«تم» .. كلمة حصل بها القصيبي من سلطان على أراضي «الدفاع»

«تم» .. كلمة حصل بها القصيبي من سلطان على أراضي «الدفاع»
«تم» .. كلمة حصل بها القصيبي من سلطان على أراضي «الدفاع»

على عكس ما كان عليه وزراء الدفاع والطيران بما ارتبط في أذهان الناس من البأس والشدة والصرامة، كان الفقيد الأمير سلطان من طراز آخر، فهو يبدو متواضعاً وبسيطاً، واشتهر بابتسامته التي لا تفارقه حتى في أحلك الظروف، معبراً بذلك عن شعور داخلي بالرضا لما يقوم به. فكان الخير دائماً يجري على يديه، لا يرد طلبا، خاصة فيما يعود خيره على الوطن وأبنائه، فقد أورد الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله - في كتابه "حياة في الإدارة"، أحد المواقف التي كانت له مع الأمير سلطان - رحمه الله - وتؤكد حرصه على دعم التنمية الاقتصادية والمشاريع التنموية.
يقول القصيبي في كتابه إنه عندما كان وزيرا للصناعة والكهرباء (وزارة التجارة والصناعة حاليا)، طلب موعدا لمقابلة الأمير سلطان - رحمه الله - على انفراد، وسرعان ما تم تحديد الموعد في اليوم التالي من الاتصال. وعندما دخل القصيبي على الأمير سلطان طرح عليه السلام وبادره بالقول: "وجهك زين اليوم يا طويل العمر"، ورد الأمير سلطان: "الحمد لله والشكر"، فتوجه القصيبي إلى الأمير وقبل أنفه، وقال: "عندي طلب خاص" فرد الأمير سلطان قائلا: "تفضل" .. لكن القصيبي لم يذكر طلبه إلا أن يقول له الأمير "تم"، فضحك الأمير سلطان وتعجب من جرأة القصيبي وقال له "تم". فنطق الوزير بطلبه وقال: "أريد أرضا" ثم صمت، فقال له الأمير سلطان ليس لديك أرض.. فرد الوزير قائلا: "أنت خير من يشجع الصناعة الوطنية وأريد أرضا لإقامة منطقة صناعية جديدة".

#2#

ويصف القصيبي في كتابه ذلك الموقف "لقد بدأت علامات الدهشة تتسلل إلى وجه الأمير سلطان، وكأنه مستغرب من أن القصيبي لم يطلب شيئا لنفسه وإنما للوطن وأبنائه"، فكان رد الأمير: "أين تريدها يا غازي" فقال القصيبي "الأرض مملوكة لوزارة الدفاع والطيران بين الرياض والخرج".
وتابع القصيبي حديثه مع الأمير سلطان - رحمه الله - "لولا معرفتي بأهمية هذه الأرض وحاجة وزارة الدفاع لها لما تجرأت وهجمت عليك هذا الهجوم وألححت هذا الإلحاح في طلبها", فابتسم الأمير سلطان - رحمه الله - كعادته ووافق على منح تلك الأرض لوزارة الصناعة والكهرباء وتمت إقامة المدينة الصناعية عليها.
لكن علاقة الوزير القصيبي لم تنته عند هذا الطلب، فقد أورد القصيبي في "حياة في الإدارة" أنه بعد أربع سنوات كرر الموقف ذاته، عندما كانت وزارة الصناعة والكهرباء تبحث عن أرض لإقامة المنطقة الصناعية الجديدة في الدمام وقد تم العثور على الأرض الملائمة، لكنه تبين فيما بعد أنها تابعة لوزارة الدفاع والطيران وهي جزء من حمى مطار الدمام (مطار الملك فهد حاليا), وهنا يروي القصيبي في كتابه أنه دخل على الأمير سلطان - رحمه الله - في مكتبه وقد بادره فور التوجه للسلام عليه بالقول: "تم"، "تم"، حيث كان الموقف السابق حاضرا في مخيلة سموه وكان مستعدا لأي طلب ولم يعط القصيبي الفرصة للإفصاح عن طلبه بالقول: "تم ما لم يكن الأمر متعلقا بأرض لوزارة الدفاع". فضحك جميع الحاضرين، لكن القصيبي عاد وكرر طلبه من الأمير سلطان بأن يقول "تم" دون شروط! وفعلا قال: "تم" وحصلت وزارة الصناعة والكهرباء على الأرض المطلوبة والتي كانت تقدر قيمتها آنذاك بمئات الملايين - حسب ما أورد القصيبي - رحمه الله - في كتابه.
وتابع القصيبي حديثه: "بعد مرور أسبوع على موقفي الأخير مع الأمير سلطان وطلب الأرض الصناعية، كان لنا لقاء ونقاش في مجلس الوزراء. وقد أبدى محمد أبا الخيل وزير المالية والاقتصاد الوطني آنذاك، رأيا لم يرق للأمير سلطان". وقدم القصيبي هنا جملة اعتراضية - معلقا بأن آراء وزير المالية لم تكن لترق لأحد من الوزراء، على اعتبار أنه لم يكن يلبي طلباتهم من الاعتمادات وكان يرفض البعض منها.
ويواصل القصيبي كلامه: "لقد أبديت خلال النقاش رأيا حول ما قاله وزير المالية، وقد فهم منه الأمير سلطان أنه انحياز مني إلى موقف أبا الخيل.. وبعد إنهاء جلسة مجلس الوزراء اقترب مني الأمير سلطان ضاحكا وقال: "يا غازي لا عاد تجيني تطلب مني أراضي صناعية, رح لوزير المالية خله ينفعك!".. لكن القصيبي رد عليه قائلا: "سوف آتي إليك كلما احتجت لذلك، لأنك أكرم من وزارة المالية"، مشيرا إلى أن الأمير سلطان بطبعه من أكثر من عرف عنهم السخاء والعطاء، حيث كان الأمير سلطان - رحمه الله - من طراز آخر، فهو متواضع وبسيط، واشتهر بابتسامته التي لا تفارقه حتى في أحلك الظروف، معبراً بذلك عن شعور داخلي بالرضا لما يقوم به.
وقال الدكتور القصيبي في "حياة في الإدارة" إن صلته بالأمير سلطان تعود إلى أول عهده بالوظيفة والجامعة، حيث كان الأمير حريصا على توثيق الصلة بالمثقفين وكان يلتقي في منزله بصفة دورية بعدد من الأساتذة الجامعيين والأدباء. وتابع: "عندما أصبحت وزيرا لم أجد منه إلا الدعم والتشجيع الدائم والمستمر".
ومن المواقف التي أوردها القصيبي في كتابه أيضا أنه عندما اختاره وزير المواصلات محمد توفيق - رحمه الله - آنذاك ليتولى رئاسة السكة الحديدية أصابني ذهول وأنا لم أتخذ قرارا رئيسا في حياتي إلا بعد أن أبحث فيه بحثا طويلا. يقول: حملت مشكلتي إلى الأمير سلطان وبحثت معه الجوانب المختلفة للعمل الجديد، وقد استمع إلي وقال:"وافق.. وتذكر أنها وظيفة مؤقتة ومرحلة عبور". وقد كان من الواضح أن الأمير سلطان كان يشير له إلى الوزارة. وكان من الواضح أنه يؤكد فكرة شائعة هي أن السكة الحديد مدرسة لتدريب الوزراء، حيث إنه سبق لاثنين من مديري السكة الحديدية السابقين تقلدا مناصب وزارية. وتابع القصيبي "لم يكن همي في ذلك الوقت المستقبل البعيد، وقد كنت حائرا في أمر الوظيفة الحالية المعروضة علي, وعندما تأملت حديث الأمير سلطان لي جيدا ذهبت إلى محمد توفيق وزير المواصلات، وأخبرته أنني قد قبلت بوظيفة السكة الحديد، وكان هذا بحمد الله قرارا موفقا لم أندم عليه على الإطلاق".
وأورد الدكتور القصيبي في كتابة أيضا أنه عندما كان يعمل مستشارا قانونيا في وزارة الدفاع والطيران، لم تكن في تلك الأيام هناك نماذج موحدة للعقود ولا شروط عامة تضعها الدولة وتخضع لها الشركات المتعاقدة، حيث كانت كل شركة أجنبية تتعامل مع الوزارة تعد العقد الذي يناسب مصالحها وترسله مع كتيبة من المحامين، وقال "عملنا بتوجيه من الأمير سلطان ودعم متواصل على وضع هيكلة لهذا الموضوع، على الرغم من المعارضة العنيفة التي قابلناها من تلك الشركات الأجنبية، والتي كانت ترفض وضع شروط عامة للعقود والمنافسات يجب الالتزام بها من جميع الشركات المتعاقدة.

الأكثر قراءة