رحمك الله يا أمير الخير

صباح سبت حزين أفاقت عليه المملكة، بكت فيه جبالها وسهولها، وجفت فيه شواطئها وعيونها، برحيل سلطانها المحبوب كيف لا، وخلال عقود سلفت ارتبط العطاء والكرم والحنكة والسياسة بالأمير سلطان بن عبد العزيز - رحمه الله - وأسكنه فسيح جناته، وفي هذا الموقف، فإن الإنسان لا بد أن يتذكر أمير الخير ويستذكر سيرة عطرة ملأها الأمير الإنسان بالكثير من النجاحات الاحترافية وليا للعهد ووزيرا للدفاع، وتاريخ ملأه حبا وعطاء وإنسانية بأعمال الخير والاهتمام بطبقات المجتمع قاطبة، وأجزم أننا لا نعلم منها إلا القليل جداً. فالعزاء لخادم الحرمين الشريفين والأسرة المالكة ولنا وللمسلمين في الأرض كافة في رحيل الأمير الإنسان.
وفي رثاء أمير الجيش والدفاع، فإن الشواهد كثيرة على ما شهدته الحركة الاقتصادية في المملكة والقطاعات العسكرية لوزارة الدفاع والطيران من تطور وإنجازات، تطور من أمثلته برنامج التوازن الاقتصادي مع الدول التي تتعامل مع المملكة في الأسلحة والمعدات الحربية، حيث كانت 35 في المائة من قيمة تلك العقود، تتم مع القطاع الخاص السعودي وهي سياسة اقتصادية غير مسبوقة في القطاعات العسكرية بما يعود بالنفع على القطاع الخاص السعودي، وكان، رحمه الله، مساندا للتطور الاقتصادي الكبير للمملكة خلال السنوات القليلة الماضية من خلال مساندته لخادم الحرمين الشريفين في سياسة الإصلاح الاقتصادي الكبير، والتوازن الاقتصادي في عصر النكبات المالية العالمية، كذلك فإن تاريخ الأمير سلطان شهد إنجازات خلال مراحل صعبة في تاريخ المملكة الحديث والذي شهد الكثير من الصراعات السياسية التي كان للأمير سلطان وقفات ومواقف كبيرة تؤكد على ما كان يحمله الراحل من بعد نظر وحنكة في التعاطي مع أحلك القضايا السياسية ودوره في تهوين الصعب وحل العقد. ولعل من عايش فترة حرب الخليج الثانية يدرك عظم المسؤولية التي تحملها الأمير سلطان في أعقاب الغزو العراقي على الكويت والتهديدات العسكرية على الحدود السعودية. وخرجنا من تلك الحرب بتجربة عسكرية ناجحة صانت فيها قواتنا المسلحة حدود الوطن وكرامة الوطن.
وسلطان الإنسان، أو الإنسان سلطان تاريخ وسيرة مشرفة للكرم ومكارم الأخلاق نقش فيها - رحمه الله - أروع المعاني في البذل والعطاء والاهتمام، ومواقفه الخيرة والإنسانية سوف يسطرها له التاريخ بأحرف من نور، فنفحاته الخيرة بلسم للجراح وسلام للمعوقين والمحرومين والضعفاء والفقراء، وقد ثبت لمن تابع خطواته وعرف سيرته أن النجاح حليفه دائما في كل ما أقدم عليه من أعمال إنسانية، وأعمال لها علاقة بدعم قضايا الأمتين العربية والإسلامية، فأنشطته تتسم بالتنوع في عطاء كثير. ولا يتسع الحديث عن المشاريع التي أنشأها أو أسسها أو ساندها أو دعمها، فهذا حديث مجلدات ستبقى شاهدة على سيرة الأمير الإنسان، ولكن للشواهد أمثلة منها مؤسسة الأمير سلطان بن عبد العزيز الخيرية الشمولية، حيث لم أجد أفضل من الشمولية لوصف العمل الكبير الذي تؤديه مؤسسة الأمير سلطان الخيرية في شتى قطاعات العمل الخيري والاجتماعي والإنساني في المملكة العربية السعودية بمفهوم راق مستدام. والأمثلة على نشاط المؤسسة كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر مدينة سلطان بن عبد العزيز للخدمات الإنسانية كمشروع وبرنامج مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية للتربية الخاصة كبرنامج والقائمة تطول لتشمل أوجها متعددة للعمل الخيري الاجتماعي، ولذلك فلا عجب أن يكون لتلك الجهود تقدير واهتمام من القاصي والداني ولذلك فقد حصل على جائزة الشيخ راشد للشخصية الإنسانية لعام 2002م، اختارت مؤسسات إنسانية عالمية تعمل في مجال التنمية الإنسانية وحقوق الإنسان الأمير سلطان بن عبد العزيز – ولي العهد في المملكة العربية السعودية الشقيقة – وبتزكية عالمية عبر لقاءات إقليمية، ودولية شخصية التنمية الإنسانية للعام 2005م، كما حصل، رحمه الله، على وسام الشرف الإنساني الأعلى لعام 2007م، من المجلس الدولي لتعاون الحضارات والثقافات في دولة السويد، تقديراً لعطائه في مجال نشر ثقافة العمل الخيري، ومكافحة الفقر، والإسهام في تطوير العمل الإنساني.
لأكثر من هذا بكثير، تحزن المملكة وتبكي شمسها برحيل سيد أهل الجود. إنا لله وإنا إليه راجعون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي