حق التربية للتعليم والطفل

كان عنوان المقالة السابقة (التربية في قديم الزمان) حيث أشرنا إلى أن العرب أدركت أهمية تربية الطفل حتى إن لم يكونوا على بينة من مفاهيم وأصول التربية، فحرص الآباء القادرون على إرسال أطفالهم الرضع إلى القرى والهجر في البادية لينشأوا في بيئة نقية على الفطرة السليمة، ويتشربوا سماحة الأخلاق وليكونوا أطلق لساناً وأفصح بياناً وأصلب عوداً، وعندما أشرق الإسلام وبدد ظلام الجاهلية أوجب على المسلمين حسن اختيار الزوجة الصالحة ذات الدين، والعناية بتربية الأطفال والترفق بهم، وحرَّم وأد البنات، وألزم الآباء بحسن اختيار أسماء أبنائهم، كما شدَّد الإسلام على حق الإناث في المحبة والرعاية والتربية، وأكد القرآن والأحاديث النبوية على ذلك، وليس أدل على ذلك من حديث المصطفى - عليه الصلاة والسلام - الذي ذكر فيه أن من كان له ثلاث بنات فأحسن تربيتهن دخل الجنة، وكذلك ألزم الإسلام الآباء بتشجيع الأبناء على الصلاة لسبع وضربهم (بالحسنى) إذا لم يحرصوا على الصلاة وهم أبناء عشر، كما تمت الإشارة إلى أن الأبناء في صدر الإسلام عاشوا في فترة نهضة شاملة وهم يرون ويعيشون بداية الغزوات وانطلاق السرايا والكتائب في كل الاتجاهات لنشر الإسلام والوقوف ضد فلول الجاهلية الضاربة في جذور وربوع جزيرة العرب، فأصبح الأبناء أكثر وعياً وصلاحاً وهم يقتدون بآبائهم ومن عاصروا من الصحابة والتابعين، وتشربوا القيم والمثل من خطب الجمعة وأحاديث القائد والمعلم الأول محمد - صلى الله عليه وسلم - كما بدأوا يتعلمون القرآن الكريم والأحاديث في حلقات المساجد فاستقامت أخلاقهم وبرّوا آباءهم وخرجوا إلى ميادين الجهاد ممتثلين لقول الله - سبحانه وتعالى "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم"، لذلك فإن التغيير الشامل الذي عاشه الأبناء مع بزوغ فجر الإسلام أدى إلى بناء قواعد وأسس قوية للتربية، ما سهل على الأبناء لاحقاً الانضمام إلى الكتاتيب ثم إلى المدارس البسيطة الأولى فيما بعد، والآن مع:

علاقة التربية بالتعليم
دأبت الكثير من الدول في العصر الحديث على ربط التربية بالتعليم إدراكا منها أهمية التربية الأساسية التي تسبق التعليم المدرسي واعترافاً بالدور الرئيس للوالدين بشكل خاص وللأسرة بشكل عام في بناء شخصية الأطفال. وفي السابق كانت الوزارات المسؤولة عن التعليم تسمى وزارة المعارف أو وزارة شؤون التعليم. وسبق أن ذكرت في الحلقة الخاصة بالتربية أن التربية في أبسط تعاريفها هي (توجيه الحياة للأحسن أو المؤثرات التي تتحكم في تشكيل حياتنا وأسلوب معيشتنا) لذا فإن من حق الطفل أن يلقى العناية وحسن التربية من والديه وأن يحرصا على اختيار الاسم المناسب له، وأن تحرص الأم على إرضاعه من ثدييها، وألا تتركه لعاملة المنزل أو المربية، خاصة في مرحلة الرضاعة، وعلى كل أم أن تعلم أنه مهما كانت خصال المربية أو عاملة المنزل، ومهما كانت مخلصة في التربية، فلا يمكن أن تحل محل الأم، ولو تعلم الأم حجم الآثار التي تنتج عن سوء التعامل مع الرضيع (خاصة الآثار السلبية النفسية والصحية) لما فرطت في تسليم رضيعها لمن ذكرنا، وإذا اضطرت الأم إلى أن تستعين بشخص آخر غيرها ليرعى رضيعها مؤقتاً فلتكن والدتها أو إحدى بناتها الكبار أو إحدى قريباتها ممن ترضاهن أو حتى الاستعانة بدور الحضانة المؤهلة ولفترة ليست طويلة، والتربية بمعناها الشامل تشمل كل أنواع النشاط الذي يؤثر في الطفل ولا تشمل التربية ما نقوم به من جهود مخلصة لتربية النشء وتنمية قواه العقلية والنفسية والجسدية فحسب، بل تشمل كل تغيير في تصرفاتنا وميولنا الفطرية، وكذلك سلوكنا وأخلاقنا.
وفي الحلقة (196) نكمل ما تبقى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي