أمير البشاشة.. نموذج لتلقائية الروح ومثال لسخاء النفس الفياض
في أغلب الأحيان التي لا يكون لك فيها صديق أو قريب يحمل اسم ''سلطان''، فمن النادر أن يحيل هذه الاسم ذهنك في الوهلة الأولى إلى شخص آخر غير الأمير سلطان بن عبد العزيز، والمسألة هنا تتعلق بالحضور الذهني والوجداني المتكون عبر الزمن.. كتعلقها بحضور المفردة الجميلة في نص الحياة، وبالارتباط العفوي نفسه.. فإن تلك الابتسامة المعبرة التي باتت سمة مميزة لولي العهد ستكون على الأرجح جزءا أساسيا في أي صورة بدهية يمكن أن تخطر على شاشة بالك حين تتذكر الشخص الذي بات لقب ''سلطان الخير'' مرادفاً طبيعياً لاسمه، إنها ذلك النوع من الابتسام العميق الذي يشعرك بأن الرجل يعرفك شخصياً، وهي البشاشة التي كانت مرتكزا مستمرا لسحر تأثيره الجميل على الآخرين، بل إن احتمال أن تمر عليك عبارة ''طلق الحجاج'' هو احتمال وارد باستمرار حين تسمع مواطناً بسيطاً يتحدث عن سلطان، أو شاعراً يكتب عنه.
أما الابتسامة فهي من ناحية.. الصدقة التي لا يمكن تقدير حجمها في حالة ''سلطان الخير''.. وهي من الناحية الأخرى عنوان الطابع الإنساني العالي الذي ميز شخصية ''أبي خالد'' ليمثل منطلقاً طبيعياً وملهماً حقيقياً للمنظومة الكبيرة التي لا يمكن حصرها من الأعمال الخيرية والمبادرات الإنسانية التي تنوعت في أماكنها وأزمنتها، وفي وسائلها وتأثيراتها، وجمعت بين ما هو شخصي موجه لحالات بعينها، وبين ما هو مؤسسي وتنموي مستدام يخدم أجيالا كاملة.. إنه المنجز الأكثر التصاقا بالقيم السامية التي يختار بها الله تعالى من عباده من يعينون عباده.. ويصطفي سبحانه من الناس من هو في عون الناس، هكذا آمن سلطان بن عبد العزيز، وهكذا كان.
في إدراك قيمة العطاء حيث تكمن إرادة الخير التي تتبلور مشاريع ومراكز ومؤسسات وأفكار فاعلة فيما تقدم، مبدعة فيما تتبنى، ومفيدة حيثما توجد.. ولأن إدراك ورصد تفاصيل الإسهام الاستراتيجي الذي قدمه الأمير المحبوب على الصعيد الخيري يبدو أمراً من الصعوبة بمكان، فإن الأمر الممكن هو التأمل سريعاً في تكوين شخصية سلطان.. حيث البساطة التي تنطوي على أعمال عظيمة.. وحيث التعبير التلقائي عن روح والد حنون، وأخ مخلص محب.
''أنا أحبك''.. بهذه الصيغة المباشرة.. ومن القلب مباشرة.. قالها الطفل ذو الرداء السماوي وهو يتحدث على فطرته للأمير سلطان الذي ضحك وأجابه مباشرة ''وأنا أحبك بعد''.. بعد أن حاول – بحس إنساني فطري- تقبيل يد الطفل التي مرت عرضياً أمام وجهه أثناء حمله له، قبل أن يفرح ''الأمير الأب'' قلب ابنه ويعده بإهدائه ''سيارة كبيرة'' غير أن الصغير يقبل الهدية ويقول إنه لن يقبل أن يتولى قيادة السيارة أحد غير الأمير سلطان شخصيا!!.. فيجيبه بتلقائية وحب كبيرين''على هالخشم''.. ينادي الطفل مجددا ''أمير سلطان''.. فتأتيه الإجابة''سم''.. فيطلب من الأمير أن يتصل بنفسه بـ ''الدكتور'' كي يعالجه ويستطيع المشي.. يعده سلطان بذلك، يؤكد عليه الطفل ''لا تنسى!!''.. الحقيقة.. أن التأثير النفسي العالي في حوار ارتجالي كهذا.. يختزل مشوارا طويلا من التخيل، أنه التسجيل المرئي الشهير للأمير سلطان وهو يستقبل الطفل المعوق في مقطع الفيديو الذي وصفته وسائط التقنية والإعلام الجديد بالمشهد ''الذي لا يوصف''.
مشهد آخر، مر بشكل طبيعي في نشرات الأخبار، لكنه ترك أثرا غير طبيعي في نفوس كل من شاهده، وكان ذلك في زيارة الأمير سلطان لأفراد القوات المسلحة المصابين بعد المواجهات العسكرية التي حدثت في الحدود الجنوبية، وقد كانت تلك الزيارة أول ما قام به – رحمه الله - بعد عودته إلى أرض الوطن من رحلته العلاجية قبل عامين تقريباً.. وحينها كان سلطان الخير يفيض ببهجة حضوره الباسم ويطمئن على كل مصاب كما لو كان المصاب الوحيد، وفيما كان أبناؤه البواسل يتداركون سعادتهم برؤيته والتعبير له عن محبتهم واعتزازهم بما قاموا به، لم يكن الأمير المحب المحبوب يقبل أن يبذل أي منهم أي جهد في السلام عليه، وبادر في الوقت نفسه بتقبيل كل منهم على رأسه في لفتة إنسانية حانية كان يصر عليها في كل مرة على نحو لا يقبل النقاش، لكنه يقبل حتماً إدراجه ضمن أسمى تجليات الإيمان بقيمة التضحية للوطن، وأروع معاني التقدير والاحترام في العلاقة بين الراعي ورعيته، القائد وجنوده.. والأب وأبنائه.
إنه سلطان.. الأمير الإنسان في نفسه الكريمة وأدبياته الجمة وقيمه النبيلة.. الرجل الشهم في مبادراته وتصرفاته، لو قدر لجرير أن يكتب في السخاء شطر بيت أعمق من ''وأندى العالمين بطون راح'' لكتبه في ''سلطان الخير'' ولن يكلفه ذلك سوى أن يشاهده فقط وهو على طبيعته في أحد المشهدين السابقين أو في الكثير من المشاهد غيرها، إنها فلسفة مختلفة لعمل الخير.. فالعطاء الكبير يورث الحب، لكن الحب أيضاً قد يكون عطاء على الإنسان من ربه فينعكس عبر خلقه، وحينها لن يرتبط بوجود مقابل أكثر من مشاهدة ابتسامة صادقة معبرة على محيا منطلق مبتهج.. أو بمعنى آخر.. محاولة تذكر أي صورة.. لأمير البشاشة.. سلطان بن العزيز، والدعاء له برحمة تسكنه جنان الرحمن مع من قال فيهم رب العزة والجلال: ''وجوه يومئذ مسفرة.. ضاحكة مستبشرة''.