الأمير سلطان .. يقطع أجندة مسؤولياته ومواعيده ليشرّف مناسبات المواطنين
حتى بالنسبة لأشخاص ذوي جداول أعمال متوسطة الارتباطات والأجندة، فإن حضور المناسبات الاجتماعية يبدو أمرا من الصعوبة بمكان في بعض الأحيان، على الرغم من أن بعضها قد يصل لدرجة لا تجعلها قابلة للنقاش، ولا سيما مع النظر إلى قدر وأهمية الشخص الذي يقيم المناسبة، سواء كان من الأصدقاء والأقارب وفي ظل توجيه الدعوة رسميا، لكن ماذا لو قررت شخصية كبيرة لها مسؤولياتها الجسيمة - ودون مقدمات - إيجاد حيز زمني وذهني لحضور مناسبة اجتماعية لأحد المواطنين، ودون دعوة رسمية يعلم أنها قد لا تخطر في بال من يعلمون حق المعرفة حجم انشغاله الكبير، المعادلة تبدو صعبة في نظر المنطق، لكنها سهلة جدا في نظر الأمير سلطان بن عبد العزيز، الذي يحلها "عمليا" وبأبسط الطرق.
هكذا .. بعيدا عن البروتوكول والترتيبات المسبقة، وبطريقة لا يمكن قياسها عالميا على مسؤول بهذا الحجم والأهمية، كان "سلطان الخير" يتعامل بتواضع لا يمكن وصفه بقدر ما يتعين تأمله بالنسبة لكل من يريد الوقوف على آخر نقطة تتلاشى فيها المسافة الافتراضية بين الراعي ورعيته، وبين المسؤول والمواطن، حيث كان حرصه على حضور مناسبات الزواج لمن يعرفهم سمة بارزة تحيل إلى قيمة إنسانية واجتماعية نبيلة تنبع من مكونات أخلاقية رائعة لدى ولي العهد وتحيل في محصلتها النهائية إلى أن فكرة يستطيع كل مواطن استلهامها والتفكير فيها بجدية، وهي أنه ليس فقط بإمكانه أن يوجه بطاقة دعوة إلى الأمير سلطان بن عبد العزيز، بل عليه أن يتوقع فعلا أن الأمير سيلبي الدعوة دون أن ينطوي الأمر على أي قدر من الغرابة.
لقد عُرِف عن سلطان الخير - وعلى مدى عقود - حبه الكبير لمشاركة أبنائه المواطنين مناسباتهم إلى درجة أصبح فيها من الاعتيادي رؤية صورة له - رحمه الله - ضمن التغطيات الصحافية لحفلات الزواج ورؤيته بين المحتفلين كما لو كان واحدا منهم، أما حين نحاول المرور سريعا على هذا الجانب فإننا سنتوقف عند ما رواه، حيث قطع الأمير جدول زيارته إلى منطقة عسير ليفاجئ الموجودين في إحدى قاعات الأفراح؛ فالزواج كان يخص مدير مكتبه الإعلامي الخاص الدكتور علي بن زهير القحطاني، ولحظة دخول ولي العهد إلى القاعة كانت محل الفرحة المشوبة بالذهول في نظر كل من صادف وجوده في ذلك المكان.
وبحسب القحطاني فقد وجّه الأمير سلطان له اللوم على عدم دعوته بطريقة محببة بسيطة "عندكم زواج ولا تعزمني؟"، وهو السؤال الذي سيجد أي شخص نفسه أمام أبجدية كاملة من الاعتزاز في حال حاول الإجابة عنه، وهي إجابة لم يتوقف الأمير طويلا لانتظارها حيث انسجم في حميمية إنسانية جميلة مع الحضور وشاركهم الرقصات الشعبية ولم يغادر حتى شاركهم وجبة العشاء على مائدة واحدة، دون أن ينسى الإشادة بوجباتهم التقليدية والتراثية، فيما يؤكد من حضروا الحفل أن أحدا لم ير أي إجراء غير اعتيادي أو ترتيب رسمي أو أمني حيال أي شخص يود حضور الحفل. وشكر الدكتور القحطاني الأمير سلطان على تشريفه حفل زواجه قائلا: إن "حضوره يعد وساما يفخر به وقصة يحكيها لأبنائه".
في ناحية أخرى، وكما عُرف عنه - رحمه الله - وقوفه مع أبنائه في مناسباتهم السعيدة، فقد كان كذلك حريصا أشد الحرص على مشاطرتهم أحزانهم، وكما يروي أحد العاملين معه في إشارة لحادثة وفاة ابنه قبل ثلاث سنوات، فإن الأمير سلطان قد اعتذر منه شخصيا عن عدم الحضور لأداء واجب العزاء، وقال له: "سامحوني.. ما دريت عن الخبر إلا بعد الدفن".. فأجابه المواطن الذي يعمل لديه منذ عقود وقال: "أنت سامحنا يا أبو خالد.. لأننا ما علمناك".. غير أن تثمين المواطن لهذا الموقف لم يثن من عزيمة الحرص الكبير للأمير المتواضع على تدارك ما يشعر به من تقصير، حيث أصر سلطان على الحضور إلى بيت العامل لديه من أجل تعزيته بنفسه، لكن هذا الأخير أراد بدوره التعبير عن اعتزازه فطلب من الأمير أن يقوم هو بزيارته في بيته، وهو ما حدث فعلا، حيث استقبله سلطان الخير مع أبنائه وأفراد عائلته.