الأمير سلطان والبر.. تناغم مع الحياة الفطرية ومشاريع خيرية متنقلة في الصحراء

الأمير سلطان والبر.. تناغم مع الحياة الفطرية ومشاريع خيرية متنقلة في الصحراء
الأمير سلطان والبر.. تناغم مع الحياة الفطرية ومشاريع خيرية متنقلة في الصحراء
الأمير سلطان والبر.. تناغم مع الحياة الفطرية ومشاريع خيرية متنقلة في الصحراء

ليس من السهل أن تطلب من شخص عاش مع الأمير سلطان أن يتحدث عنه، وفي حين ترتب اقتناعك الجازم أن المقربين منه –رحمه الله- هم الأكثر انطلاقا في استعراض مآثره، يكون عليك أيضا معرفة أن هؤلاء بالذات، هم أكثر من يصعب عليهم تمالك أطراف الذاكرة حين يتعلق الأمر بشخص يمثل حضوره وغيابه حدثاً بتداوله العالم أجمع، لكنهم في الوقت نفسه يعرفونه من خلال زاويتهم الخاصة التي لا يشاركهم فيها أحد والتي تكونت عبر التعايش الإنساني البسيط مع سلطان الخير عن قرب، ومن الذكريات الشخصية التي يحتفظ بها كل منهم معه - رحمه الله - فهو الشخصية العامة واسعة نطاق المعرفة والصيت بالنسبة للكثيرين جدا، ولكنه كذلك بالنسبة لمن هم حوله يمثل الوالد الحنون، والصديق الطيب الوفي، وهو أيضا للموظفين لديه صاحب العمل الكريم وحسن المعشر.

يحيى محمد العهدل هو مدير المستودعات الخارجية والتموين في الشؤون الخاصة للأمير سلطان، والذي وافق بعد أيام على وفاة الفقيد أن يمنح ''الاقتصادية'' حيزاً من زمنه المشغول بتلقي التعازي وترتيب رحلة الحج التي يعتزم موظفو الأمير الراحل القيام بها لأداء الفريضة التي يعتبرها العهدل أيضاً فرصة لرفع أصدق الدعوات بالرحمة للرجل الذي كان يمثل العنوان الأبرز في حياة من عملوا معه وحياة أسرهم وأبنائهم..ليبدأ ضيف ''الاقتصادية'' ومضيفها في حديث مستفيض تعمدت ألا أضع له محاور بعينها، فالقريبون من سلطان يعرفون ما عليهم قوله في موقف كهذا، حتى وإن كان لتأثيرات صدمة الموقف دورها في تشتيت استحضارهم لما على القلب إلى اللسان..كان حديث العم يحيي يبدأ ويستطرد، ليتوقف فيقول بتأثر محفوف بالعبرات: ''تسألني عن سلطان..وش أقول، وش أخلي عن سلطان''؟

#2#

أول منصب.. في عمر عشر سنوات

في المكتب البسيط الذي يحتفظ فيه العهدل ببعض التذكارات الخاصة ذات الصلة برحلات صيد أو مخيمات برية، جلست قريبا من مجسم لصقر بينما كنت أفكر في طريقة اقتناص أكبر قدر من المواقف التي بدأ ضيفي في سردها، بينما كان ابنه عبد الله يجلس بجانبه ليقوم بدور صحفي مساند، بعد أن قام من قبل بتعاون بناء من أجل تنسيق اللقاء مع والده الذي استعرض في بداية كلامه أنه كان يتيما من ضمن الذين كفلهم سلطان الخير قبل عقود من الزمن قبل أن يشرع في العمل مع الراحل الكبير لمدة خمسين عاما حتى أصبح مديرا لمستودعاته ومسؤولا عن إعداد المخيمات والتموين في كل تنقلاته رحمه الله..يروي العهدل أن عمره لم يتجاوز العاشرة عندما تسلم أول مسؤولية كلفها به الأمير سلطان، مشيراً إلى أن الجانب التربوي والإداري المميز الذي تميز به الأمير كان دافعا له لاكتساب الثقة والتعلم وتنمية حس المسؤولية، يضيف:'' كنت في خدمته - رحمه الله - منذ أن تبنانا أنا وأخي ونحن أيتام وأسكننا في بيته وبين أولاده، لم يكتف سلطان بأن يكون السبب بعد الله تعالى في تغيير حياة العاملين معه ولكنه كان يعاملهم كإخوة وأبناء..طيلة عقود من الزمن لم نشعر سوى بالتقدير والمحبة منه، كان مبتسما متهللا دائما حتى في لحظات حزنه وانزعاجه، لقد تربينا في كنفه فأصبح لنا بمثابة الوالد والقريب الذي يعرفنا بأسمائنا ويحدثنا في شؤوننا ويهتم بنا''

المقناص.. بوصفه وسيلة تواصل اجتماعي

وفي حين يشير العم يحيى إلى التناول الإعلامي الذي استعرض جوانب من مآثر سلطان في القنوات والصحف، وينوه بأن الجميع من الأدباء والمشايخ والعلماء والمثقفين قد تحدثوا عن سلطان وما زالت أبعاد شخصيته وسيرته ''فوق ما قالوا'' .. يقول بحس صحفي -فطري- إنه سيحاول إخبارنا بجانب يرى أن الإعلام لم يتطرق له كثيرا وهو ''الأمير سلطان والبر''، فيقول وهو المسؤول الأول عن إعداد ونصب المخيمات وتموينها '' كانت رحلتنا مع الأمير تتوقف كثيرا قبل الوصول لأي مكان..وذلك لأنه لا يقبل أن يرى أي شخص يبدو عليه العوز دون أن يتوقف ويسأله عن حاجته فيلبيها ويعطيه فوقها ، ما يجب معرفته أن سلطان لم يكن يذهب لرحلات المقناص لمجرد ممارسة الصيد فقط ..وإنما كان يتخذها وسيلة يتفقد فيها شعبه، فكان يزور أهل البادية في محلهم، كان إذا دعاه صاحب البيت أو الخيمة وقدم له قدحاً من اللبن شربه إرضاء وتقديرا لمضيفه حتى وإن لم يكن بحاجة للشرب..أما في الأوقات التي كنا ننزل فيها لإعداد الغداء فكان - رحمه الله - يحب مشاركتنا حتى ولو كان هذا بالمساعدة في جمع الحطب وإشعال النار''.

المخيم الذي تحول لمركز إيواء عاجل

ضمن هذا السياق الذي اختاره العهدل للحديث، يروي قصة حدثت في فصل الشتاء حين كان مخيم الأمير في واد على طريق القصيم وذلك قبل أن توجد الخطوط والطرق ..وحينها هطل المطر وسال الوادي وانقطع السبيل بالناس في وسط الطريق..فطلب الأمير فوراً من مرافقيه أن يدخلوا كل من كان بالقرب في ''الشراع'' الخاص به، والذي كان هو الوحيد في البر حينها، يشير العهدل إلى أن سلطان الخير كان يقف بنفسه على تنفيذ هذا الأمر وكان يطلب منهم إطعام الجميع بروح أبوية عالية..فيردد عليهم ''ادفوا الحريم والأطفال..ترى الجوع مع البرد يذبح!''

ويحلف ضيفنا مدير تموين مخيمات الأمير سلطان أنه –رحمه الله- لم يكن يتناول طعامه ولا يسمح بإدخال وجباته إليه إلا بعد أن يتأكد من أن جميع من في ضيافته من العائلات والأطفال قد تناولوا طعامهم..ويضيف: ''كانت ستة أيام والناس مقطوعون في وسط الطريق ..أنا كنت مسؤولا عما يعرف بالشونة ''التموين'' وكان يحرصني باهتمام بالغ على رعاية الجميع، لدرجة أنه كان يطلب توزيع الملابس التي تقيهم من البرد حتى ولو كانت من مقتنياته الشخصية''.

في قصة أخرى، يروي العهدل عن فترة شهدت جفافاً في منطقة نجد وعدد من مناطق المملكة ، وبعدها أقام الأمير سلطان مخيماً في موقع شمال شرق الدوادمي، ويكمل ضيفنا قائلا:'' أذكر أنه ناداني في ذلك اليوم، مع بعض زملائي في شؤون التشريفات والمرافقين والشؤون المالية .. فسألنا هل تعلمون لماذا جمعتكم؟..فأجبنا لا نعلم ولكننا في الخدمة بما تريد ..فبادرهم بالقول:'' يجب أن تعرفوا جميعا أنني لم أخرج باحثا عن صيد فقط..لأن مهمتي الأولى هي'' أن أرى أهل البادية وأهل نجد ما هو حالهم بعد أيام الجفاف''.. ويشير العهدل هنا إلى أن الأمير سلطان الذي كان يعرف كل أعيان قبائل البادية ومشايخهم، طلب من مرافقيه مساعدة أهل البادية والرعاة بشراء كل ما يقومون بعرضه من الماشية حتى ولو كانت فائضة عن حاجة المخيم، وكان يقول - رحمه الله: ''كل من يجيكم لا تردونه، قد ما يجيبون لكم من الحلال خذوا منهم..وتراها في ذمتكم.. لا يجيك أحد منهم متأخر من الغداء ولا يتغدى ..أو أحد متأخر عن الفطور ولا يفطر..أو متأخر عن العشاء ولا يتعشى''.

#3#

مريض من البادية إلى أحدث مستشفيات العالم

في قصة أخرى..يروي العهدل أنه رأى جماعة يشعلون ضوءا في جانب من الصحراء، وحين وصلهم وجد أحدهم في حالة مرض شديد، فقام بمساعدتهم ناصباً لهم خيمة وموفراً لهم ما يحتاجون إليه من مؤونة ، قبل أن يقوم بإبلاغ الأمير بوجود شخص مريض في إحدى خيام البادية، حيث أمر بسرعة بإرساله إلى مستشفى القصيم للعلاج، ونظرا لعدم توفر سيارة متفرغة.. أمرنا سلطان باستخدام سيارة ''المقناص'' المعدة للتزويد التمويني، حيث قال - رحمه الله: '' نزلوها وخذوه فيها.. يمديها توصله في الليل وترجعه''.. وأخذ على مرافقيه عهدا بأن يؤخذ للرياض في حال لم يتوفر له العلاج في القصيم..وإن لم يتوفر في الرياض فيُرسل لأحدث المستشفيات في الخارج على نفقة الأمير ..وهذا ما حدث فعلا..يضيف العهدل: ''بعد ثمانية أشهر جاءني الرجل سليما ومعافى وقبل رأسي ولهج بالدعاء للأمير سلطان وعاش بعدها في صحة جيدة وحياة مستقرة''.

رحلات الخارج..ودائرة إحسان باتساع 50 كيلومترا

على صعيد الرحلات البرية الخارجية، يروي العهدل رحلات القنص إلى باكستان، وهناك كان الأمير سلطان يقول له: ''سأحملك هذه المسؤولية في ذمتك.. هناك فقراء ومساكين حولنا.. وإذا نزلنا في أي منطقة عليك أن تذهب وتجول في محيط دائري لا يقل عن 50 كيلومترا حول موقع مخيمنا.. لتبحث عن محتاجين وتعطيهم ''الأرزاق'' وتقف على كل ما يريدون''.

متابعة حازمة للأوامر..وروح مرحة في التعليق

من جهة أخرى، يشير العهدل إلى موقف يدل على طابع المزح الذي يتمتع به الأمير سلطان، فيقول:'' كان البدو يأتونه في المخيمات ويطلبون منه المؤونات العينية من الملبس، وكانت لدي كل ''الكساوي'' و''البشوت'' و''الأغطية'' وملابس الفراء والصوف غيرها..فكان يسألني: ''عندك يايحيى''؟ فكنت أتجنب إعطاء إجابة مباشرة لأن عددا كبيرا من الموجودين قد يطلب حينها كمية قد لا تتوافر لدي ..فكنت أقول: ''سم إن شاء الله ..أبشوف'' ليمازحني أمام الموجودين '' أنا ما عمري قلت يايحيى عطنا الشيء الفلاني إلا وقال بشوف ..وهو عنده!!'' كما يذكر عنه - رحمه الله - اهتمامه المباشر ومتابعته الشخصية للأشياء التي يطلبها حيث إنه كان يسأل عنها حتى بعد مرور سنة واثنتين أو خمس سنوات..كما يقول إن أوامره تكون في أكثر صورها إلحاحاً وحرصاً وحسماً، حين تتعلق بإغاثة متعرض لحادث أو نقل مريض للعلاج، فكان يأمر بالإسعاف على وجه السرعة مهما كانت الظروف وينقل حتى العمالة الذين ينفذون له أعمالا من مواقعهم إلى العلاج في أفضل المواقع.

سلطان معزياً.. «سامحوني ما دريت!»

أما الموقف الذي أثر أكثر من غيره في العم يحيى وعائلته فكان عندما توفي ولده الشاب في حادث وحينها كان المصاب جللا واضطر العهدل للغياب لخمسة أيام، وهو ما جعل الأمير يتساءل: ''وين يحيي''؟ فأخبروه أن له ولدا قد توفي وحكوا له ما حدث، فالتفت إلى التشريفات وعاتبهم بشدة وقال:''ولد يحيي يصدم ويدخل المستشفى ويموت وأنا ما عندي خبر؟ نسوي معاه شيء..كيف العمل'' ؟ ورغم أن ''الشؤون الخاصة'' أوضح له أنه كان شخصيا يتابع الأمر حتى الدفن ..إلا أن الأمير سلطان لم يقتنع بذلك وأصر على أنه ''من الواجب أنكم تعلموني''..يستكمل العهدل رواية ما حدث فيقول: ''أخبرني المقربون في الشؤون الخاصة عن العتب الذي تلقوه وعلقوا قائلين:''ترى الأمير زعل ونخاف ما ندري إلا وهو جاييك'' فقررت أن أبادره بتلك الزيارة المحتملة تقديرا له، وقمت بعدها مباشرة بالاتصال بمكتبه وطلبت موعدا معه للسلام عليه وحين أخبروه بذلك..وافق فوراً وسألهم بشكل حاسم'' يحيي يأخذ موعدا'' وبالفعل ذهبت له أنا وأبنائي وأقاربي وحين أقبلت عليه كان يبادرني بالقول: ''أحسن الله عزاك..أحسن الله عزاك سامحنا ما درينا والله'' ..فأوصلت له شكري وشكر عائلتي وأخبرته أن الجميع وقف معي ..وبقي بعدها يسلم على أبنائي ويمازحهم بروحه الأبوية الطيبة..وكنت أقول له: '' يا سيدي .. حنا جيناكم ثلاثة واليوم وصلنا أكثر من 40 فردا علي ''ما شاء الله تبارك الله، هذولي عيالنا وأمهم الله يجعلها في جنات النعيم ''.

صديق البيئة ..الحياة الفطرية أولاً

كما روى العهدل قصة الغزال الذي يحمله سلطان في الصورة الشهيرة، فقال إنها التقطت في الربع الخالي حين حرص الأمير - رحمه الله - على أن يقوم بنفسه بتدشين الحملة التي قررتها هيئة الحياة الفطرية وكان في غاية سعادته وهو يطبق واحدة من مبادئه المهمة في الحفاظ على البيئة وذلك عندما قام بإطلاق عدد من الغزلان في الصحراء في البر، وكان ذلك الغزال هو ، فرأى المرافقون أفعى وهموا أن يقتلوها غير أن الأمير سلطان منعهم من ذلك وقال: ''دعوها ..حتى هذه تعد جزءا من مظاهر الحياة الفطرية''.

الساعة..حل عاجل لتعويض الصدقات المسروقة

يستمر ضيفنا في سرد ذكرياته مع الأمير الإنسان فيقول:''على كل مسؤولياته ومهامه الكبرى..لا أذكر أن وجهه عبس في يوم من الأيام ، كان مستبشرا دائما، حتى حين يشعر بأنه قسى قليلا على أحد العاملين معه، فإنه لا يتركه حتى يعود له ويرضيه .. أذكر حادثة تعود إلى عام 77هـ وكنا نقدم الصدقات للفقراء في أحد الأحياء الشعبية وذلك في كل جمعة من رمضان..في إحدى المرات قدر الله أن تسرق كل الصدقات التي تم جمعها وحفظها في أحد الأماكن ..وعندما سألنا: ''ليه ما وزعتم على المسلمين صدقاتهم''؟ أخبرناه أنها سرقت ..وحينها قام مباشرة بخلع ساعته وقال: ''بيعوها الحين وأعطوا الناس رزقهم''.

معروض بريالين مقابل محاضرات لا تقدر بثمن

العهدل الذي كان يتلقى التعازي على هاتفه أثناء لقائنا معه ، تحدث عن سياسة اللقاء المباشر بين سلطان الخير ومواطنيه، ومن ذلك معاتبته لرئيس كتيبة كان يعمل على تجريد بعض الداخلين عليه من أسلحتهم، حيث له قال ما معناه:'' حتى حين يأتيك شخص مسلح دعه يدخل ..الأشخاص الوحيدون الذين لا أستقبلهم هم الذين لا يبدون على هيئة لائقة''ومن الأشياء الطريفة أن أحد المواطنين كان يأتي في رمضان إلى مجلس الأمير بشكل يومي قدم خلالها 20 معروضا مختلفا، وفي إحدى الليالي التفت عليه الأمير سلطان وسأله: ''أنت الحين من 20 يوما وأنت تقدم معاريض، ما خلص موضوعك'' فأجابه: '' يا طويل العمر أنا أكتب المعروض بريالين وأجي عندك وأتعشى معك وعلى سفرتك وأقدم معروضي وأروح من بكرة وأسوي معروض جديد..جلستك ومقعادي معك وسماع كلامك محاضرة ..وأنا أحب أجي وأسمع هالمحاضرات بالمجان!''.

وأخيرا، كان على ضيفنا أن يفتح مستودعات لغة مستحيلة ليجد مؤونة تكفي حاجة كلامه الختامي..قبل أن يقول: ''والله من أربعين سنة..كنت أدعو الله سبحانه ألا يريني اليوم الذي أنا فيه الآن ..لربما كان أهون علي أن أموت قبل موته، أو أن يكون طردني وخرجت من عنده ''زعلان''..لكنه لم يكن يغضب أحدا منه - رحمه الله - الحمد لله على كل حال.

الأكثر قراءة