إقبال غربي على أخلاقيات المصرفية الإسلامية بعد تراجع النموذج الرأسمالي
أكدت الدكتورة خولة النوباني المتخصصة في التمويل الإسلامي أن المصرفية الإسلامية بحجمها الحالي ما زالت تشكل تواجداً متواضعاً مقارنة بالمصرفية التقليدية، إلا أن معدلات نموها هي اللافتة للنظر، وذلك في ظل الاحتجاجات الاقتصادية الغربية أخيراً، وظهور دعوات حقيقية لإيجاد بنوك أخلاقية تطبق مبادئ المصرفية الإسلامية.
وأضافت النوباني لـ ''الاقتصادية'' أن الغرب على المستوى الشعبي جاهز أكثر من أي وقت مضى للمصرفية الإسلامية، إلا أن الدول الإسلامية غير جاهزة لدعم مثل هذا التوجه، وقالت إن المصرفية الإسلامية ما زالت مقصرة في فرض نفسها كواقع عملي بأبعاده المهنية والسلوكية، وقبل ذلك الوعي بالأبعاد التي تقف خلف المصرفية الإسلامية، كما اعتبرت أن المصرفية نجحت في الترويج لفكرتها القائمة على أسس عادلة، إلا أن التطبيق بحاجة إلى جهد أكبر من خلال ابتكار المنتجات المالية التي تلبي الاحتياجات التمويلية. فإلى تفاصيل الحوار:
ما الأسباب التي أشعلت الاحتجاجات في الدول الأوروبية، وما علاقة ذلك بالاقتصاد الإسلامي، ولماذا استدعى المتظاهرون المصرفية الإسلامية؟
عندما يصبح الإنسان مهددا في حاجاته الأساسية، وظيفته بالدرجة الأساس ومأكله ومسكنه، لا يملك إلا أن يتصرف بطريقة غير مألوفة ويعبر عن غضبه بأساليب عدة، البطالة في أوروبا تضاعفت بعد الأزمة ووصلت حدودا غير مألوفة خاصة في عام 2011، فمن حجم بطالة بين الشباب قاربت 7 في المائة عام 2008 وصولا إلى ما نسبته 20.5 في المائة عام 2011، وبحسب التقارير الأخيرة فإن نسبة البطالة قد تضاعفت مرتين بالنسبة لمجموع عدد السكان خلال العقد الأخير وتحديدا ما بعد 2008 بداية ظهور الأزمة المالية ليس في أوروبا فحسب بل في العالم أجمع مع تفاوت الإحصائيات الرقمية، وهذا بلا شك ليس السبب الأوحد ولكنه الأهم في رأينا إذ إن المحاولات السياسية لاحتواء هذه الأرقام لم ترتق إلى معالجة حقيقية ملموسة، وبدأت التراكمات في مقابل التضخم والعوامل الاقتصادية الأخرى ناهيك عن توجيه الدعم الحكومي لكبار المستثمرين ممثلا بكبرى الشركات والمؤسسات متناسين أن الضرائب التي تدفعها الشعوب والتي تمول خزائن الدولة لم تتم الاستفادة منها بتوزيع عادل من خلال موازنات الدول، ولم يتوجه الدعم حقيقة ليلامس الفئة الأضعف من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بمعنى آخر عندما تطلب من شعوب لم تعتد التكيف مع حالات اقتصادية مستجدة أن تحتوي انقلابا في أسلوب حياتها المعاشة فهذا أمر غاية في الصعوبة. أما ما يتعلق باستدعاء المصرفية الإسلامية فلأن البنوك التقليدية جزء أساسي يقف خلف تفاقم المشكلة والفوائد المركبة التي لا يمكن إغفالها كعامل من عوامل التهديد لأصحاب القروض السكنية، مما لفت النظر لمصرفية خالية من الفوائد، وقد أخذت المصرفية الإسلامية في أوروبا خاصة في بريطانيا وفرنسا حيزا من النقاشات البرلمانية على مستوى الدولة، كما أن تصاعد نسب عدد المسلمين في أوروبا إجمالا كانت من العوامل التي لفتت النظر لخصوصية التعاملات المصرفية في الإسلام، ولعلها وراء استدعاء المصرفية الإسلامية كواحدة من الحلول للخروج من تغول الفوائد المصرفية على مقدرات الأفراد، آخذين بعين الاعتبار تغير الظروف الاقتصادية للعميل وبالمقابل ثبات الإجراءات المصرفية المتعامل بها.
#2#
هل حققت المصرفية الإسلامية كتطبيق للاقتصاد الإسلامي حضوراً في العالم الغربي وعبر أي طريق؟
لا شك أن المصرفية الإسلامية بحجمها الحالي مقارنة بالمصرفية التقليدية تُشكل تواجدا متواضعا في العالم الغربي والعالم أجمع، ولكن معدلات نموها هي اللافتة للنظر في ظل الظروف الحالية، وقد حققت حضورا على مستوى العالم ككل ومنه العالم الغربي بطبيعة الحال، إضافة إلى أن هناك دعوات حقيقية من أجل إيجاد بنوك أخلاقية (Ethical Banking).
هل ما زالت المصرفية الإسلامية بحاجة إلى المزيد لفرض نفسها كواقع اقتصادي وثقافي وسلوكي؟
سؤال له وقعه الآن خاصة في ظل تداعيات الأزمة المالية العالمية وفي ظل التفات العالم بمعطياته الاقتصادية والمالية الحالية للبحث عن البدائل، إذ لا شك أن المصرفية الإسلامية ما زالت مقصرة في فرض نفسها كواقع اقتصادي وثقافي وسلوكي، أي بمعنى آخر واقع عملي بأبعاده المهنية والسلوكية وقبل كل ذلك الوعي بالأبعاد التي تقف خلف المصرفية الإسلامية والمرتبطة بمنظومة عقائدية، قيمية، دعوية، بأفق اجتهادية تبحث عن عنصر الابتكار والتنويع، وبذلك ما زالت المصرفية الإسلامية تحبو على الرغم من حاجتنا إلى الهرولة المنضبطة الآن للخروج من أُطر المشابهة والتقليد للمصرفية التقليدية.
البحث عن العدالة كان السبب وراء أغلبية الاحتجاجات. هل أظهرت المصرفية الإسلامية كتطبيق معاني العدالة التي يقصدها الاقتصاد الإسلامي، وتبحث عنها الشعوب الغربية؟
لا شك أن الشعوب الغربية كما غيرها من شعوب العالم تبحث عن العدالة بالمطلق، ولكن نظرا لتأثيرات الأزمة المالية وتبعاتها تم الالتفات للعنصر الأساس فيها وهو البنوك والتعاملات المصرفية، والمصرفية الإسلامية على وجه الخصوص وهي جزء من الفكر الاقتصادي الإسلامي بالعموم قائمة على فكر عادل، ولكن هل التطبيق يُترجم معاني العدالة المقصودة؟ في ظني أنها نجحت في الترويج لنفسها على أنها تعتمد على أسس عادلة ولكن التطبيق بحاجة إلى جهد أكبر من خلال ابتكار المنتجات التي تلبي الاحتياجات التمويلية وتتبنى أبعاد العقود الإسلامية المالية ولا تقتصر على عقد بعينه كالمرابحة على سبيل المثال.
كيف يمكن أن تقدم المصرفية الإسلامية نفسها ودورها على الصعيد الدولي، وما الذي تحتاج إليه لتحقيق وتعزيز هذا الحضور؟
سؤال مهم في مرحلة حساسة، في رأيي نحن أولا بحاجة إلى الاتفاق على أن الحضور الدولي للمصرفية الإسلامية قد تم فعلا سواء أكان كما نرغب أم بشكل منقوص ذلك ليس موضوعنا الآن، ولكن هل الاقتصاد الإسلامي حاضر فعلا على الصعيد الدولي؟ في رأيي المتواضع لا، الاقتصاد الإسلامي بأبعاده المتعددة من زكاة، ووقف، وتكافل، وصدقات، وقروض حسنة وغير ذلك ليس حاضرا على الصعيد الدولي بل هو في ظني مظلوم بنسبته إلى العمل المصرفي بالدرجة الأولى، لذلك حتى نُثبّت أركان الاقتصاد الإسلامي نحن بحاجة إلى الاتفاق على أركانه وتكوين منظومة فاعلة للتأثير في مستوى العالم وبداية باعترافنا نحن المسلمين بأن دوره قد حان على مستوى تبني الدول له واقتناع أصحاب القرار والمسؤولين بأنه قادم لا محالة فخير لنا أن ننتجه بدلا من أن نستورده لاحقا، وذلك بتحضير خطة استراتيجية لصناعة الاقتصاد الإسلامي بدلا من أن تظل الجهود مبعثرة هنا وهناك، وذلك على الرغم من وجود مؤسسات إسلامية دولية تُعنى بتنظيم صناعة المال الإسلامي إلا أن جهودها لغاية اللحظة تهتم بالجزئيات، ونفتقر إلى مؤسسة جامعة تعمل على البنية التحتية لصناعة المال الإسلامي وتهيئها للعالمية من خلال نموذج قابل للتطبيق.
هل الغرب جاهز للمصرفية الإسلامية كنظام آخر مواز للاقتصاد الرأسمالي؟
علينا التأكيد على أن المصرفية الإسلامية ليست نظاما اقتصاديا إسلاميا متكاملا بل هي حلقة في هذا النظام تماما كما أن البنوك التقليدية لا تمثل النظام الرأسمالي ككل. وبالعودة للسؤال فالغرب على المستوى الشعبي جاهز أكثر من أي وقت مضى للمصرفية الإسلامية، ولكن للأسف نحن غير جاهزين لدعم مثل هذا التوجه. الأنظمة والقوانين في الغرب ما زالت تتأرجح بين الاعتماد وعدمه وبحاجة إلى جهد أكبر ووعي من صُنّاع القرار لأخذ قرارات حرة بعيدة عن الحصانات السياسية التي يتمتع بها النظام الرأسمالي، وعليهم الاعتراف أولا بأن هذا النظام القائم حاليا - على الرغم من الترقيع الذي نشهده سواء المعلن أو غير المعلن - في مصيره إلى الأفول، الاعتراف بذلك هو أولى الخطوات للحكم على جاهزية الغرب على الصعيد الرسمي للبحث في البديل أياً كان.
الفوارق الطبقية في الرأسمالية (فقراء وأغنياء)، هل أسهمت في إعادة الحديث عن الأفكار الاشتراكية، وإعادة المفهوم الاقتصادي الإسلامي للأضواء؟ كيف ترين مستقبل المصرفية الإسلامية عالميا؟
أنا شخصيا متحمسة جدا للمصرفية الإسلامية والمعاملات المالية الإسلامية ككل، ولكن شديدة العتب على التباطؤ الشديد في عملية مواكبة الأحداث بل واستغلالها من أجل الترويج للمصرفية الإسلامية على مستوى العالم، ولا يعني ذلك أن تبقى بالطريقة التي تعمل بها حاليا والتي تركن فيها إلى نجاحاتها بالمطلق - على الرغم من عدم الدقة في ذلك -، وجاهزيتها للعالمية عليها تحفُّظ لأننا بحاجة إلى عمل متكامل يرتقي للبعد المقاصدي في الاقتصاد الإسلامي.
الواقع أثبت أن التطبيق الذي لا يقوم على العدالة ويعزز الطبقية والمصالح الشخصية بغض النظر عن الأبعاد الأخلاقية الملزمة يوقعنا في الأزمات عاجلا أم عاجلا، والاستفادة من دروس الأزمة، إضافة إلى التركيز على نقاط القوة في الاقتصاد الإسلامي المرتبطة بعدة حيثيات ما زالت نظرية بحاجة إلى مؤسسات تترجمها واقعا وتتكامل مع بعضها البعض، الفكر الاقتصادي الإسلامي يتماشى مع التوزيع الطبيعي للثروات بل ويعززه دون ظلم لجهة على حساب أخرى، وبالتالي فهو يُقلّص الاختلالات الناتجة عن عدم التوازن والعمل ضد العوامل الطبيعية للنمو والتعامل مع الثروة، باختصار الفرصة سانحة للاقتصاد الإسلامي الآن لحضور أقوى عالميا من أي وقت مضى، ولكن هل نحن أهل للترويج له من خلال نموذج متكامل صالح للتطبيق يرتقي لأن يكون نظاما اقتصاديا جديدا أم لا؟ وهل نحن قادرون على مجابهة التحديات المرافقة؟ أم أن هناك طرقا التفافية للتحضير له وإنتاجه على المستوى المطلوب دون استفزاز لحصانة الطرف الآخر؟ ذلك هو السؤال الذي نحتاج إلى الإجابة عنه سياسيا.
تطبيق المصرفية الإسلامية يحتاج إلى إيجاد منظومة فنية وقانونية عالمية كي تعمل بمضمونه وأهدافه. كيف يمكن لمعايير بازل 3 أن تسهم في خدمة انتشار المصرفية الإسلامية في الغرب؟
معايير بازل ما زالت تتعامل مع خصوصية المصرفية الإسلامية بانتقائية، ولكن مجرد اعترافها بهذه الخصوصية بلا شك يسهم في انتشار المصرفية الإسلامية في الغرب، حيث إنها بحاجة إلى اعتراف بخصوصية المعايير المرتبطة بها من جهة تحظى باعتراف دولي كمؤسسة بازل، والتي يقوم مجلس الخدمات المالية الإسلامية بإخراجها باستقلالية تُعنى باحتياجات المصارف والتكافل للمعايير والضوابط على غرار عمل بازل ولمجلس الخدمات المالية من يمثله في لجنة بازل، ولكن ذلك بطبيعة الحال بحاجة إلى عمل يسبُر أولويات العمل المصرفي الإسلامي من أهله، وعدم الاكتفاء فقط بما تصدره بازل فحسب.
أما فيما يتعلق ببازل 3 فمن المؤكد أنها جاءت لجبر النقص في معايير بازل 2 في ظل مخرجات الأزمة المالية العالمية والتي كانت المصارف التقليدية عنصر أساس في معادلتها، وعليه فإنها لا تخدم المصرفية الإسلامية في أهم النقاط التي تحتاج فيها إلى معالجة ومنها فائض السيولة.
عدم تداول المشتقات المالية من أهم الأسباب التي جنبت المصرفية الإسلامية الأزمة المالية. ألا ترين أن المطالبة بتطوير مشتقات إسلامية تمثل خطورة على المصرفية الإسلامية؟
صحيح أن أحد الأسباب التحليلية لتجنب المصارف الإسلامية تبعات الأزمة المالية العالمية هو عدم تعاملها بالمشتقات المالية، ولكن ذلك لا يعني أن المصرفية الإسلامية لا تستطيع استخراج نسختها من العقود المستقبلية ولكن ضمن الضوابط الشرعية المعروفة لمثل هذا النوع من العقود، وعلينا الاعتراف هنا أن الأسماء التقليدية المستحدثة للعقود المالية تتسبب في الإرباك الحاصل لحليتها أو حرمتها بالنسبة للعامة وبعض المتخصصين، المشتقات المالية بنسختها التقليدية محرمة لأسباب واضحة لا يختلف عليها اثنان، ولكن هل العقود المستقبلية غير موجودة في الفقه المالية الإسلامي، إنها موجودة ولكن للأسف غير مفعلة بشكل واسع لذلك ندعو إلى الابتكار في المنتجات المالية الإسلامية ولكن ضمن الضوابط الشرعية التي تضمن للمنتج الاستمرارية المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء.