أسس العمل المصرفي الإسلامي متوافرة في السعودية ونتطلع لأن تصبح خيارا استراتيجيا
أكد الدكتور عبد الله المعجل أستاذ كرسي محمد الراشد لدراسات المصرفية الإسلامية أن السعودية في حاجة إلى إرادة حقيقية وقناعة راسخة لتبني المصرفية الإسلامية باعتبارها خياراً استراتيجياً، وذلك في ظل امتلاك السعودية للمقومات التي تؤهلها، لأن تكون مركزاً للتمويل الإسلامي، وأضاف المعجل لـ''الاقتصادية'' أن البيئة الاستثمارية في السعودية آخذة في التطور والمنافسة ومزاحمة المراكز الأخرى في جذب الاستثمارات، نظرا لما يتوافر لديها من أساسيات قوية للعمل المصرفية الإسلامي في شقيه الفني والشرعي.
واعتبر المعجل أن التطبيقات والممارسات الفعلية لمؤسسات المصرفية الإسلامية في مجملها لا تمثل الصيغ التمويلية الأكثر توافقاً مع أسس التمويل الإسلامي، بل يجنح معظمها إلى اجتهادات تتعارض مع رأي الأغلبية من المختصين في التمويل الإسلامي، داعياً المصرفية الإسلامية إلى الأخذ بالعزائم لا الرخص، وتجنب الاجتهاد الخاص الذي كانت الحاجة ماسة إليه في وقت ما لإعانة المصرفية الإسلامية على تثبيت قدميها، فإلى تفاصيل الحوار:
كيف تنظر إلى البيئة الاستثمارية في السعودية، في ظل الحديث عن عدم توافر كل متطلبات المستثمرين كي تصبح مؤهلة لقيادة العمل المصرفي الإسلامي؟
لا نزعم أن البيئة الاستثمارية في السعودية مثالية وجاذبة للاستثمارات الإسلامية بشكل مطلق. لكنها بيئة آخذة في التطور والمنافسة ومزاحمة المراكز الأخرى في جذب الاستثمارات، نظراً لما يتوافر فيها من أساسات قوية للعمل المصرفي الإسلامي في شقيه الفني والشرعي. ومتى ما توافر لها استراتيجية واضحة في هذا الشأن، مرتكزة على الثقل الديني الذي تتمتع به المملكة، مع توفير المتطلبات الأساسية من التشريعات والتنظيمات ومن تهيئة المناخ الاستثماري، فإنها قادرة في المستقبل القريب أن تكون مركزاً عالميا للعمل المصرفي الإسلامي.
في ظل امتلاك السعودية مؤهلات القبول العالمي التي تجعلها مركزا للتمويل الإسلامي، ما الإجراءات والخطوات الواجب اتخاذها من قبل النظام المصرفي للوصول إلى هذا المركز؟
أعتقد أننا في حاجة إلى الإرادة الحقيقية لتبني المصرفية الإسلامية، والقناعة الراسخة بأنها خيارنا الاستراتيجي إن أردنا أن يكون لنا شأن في هذه الصناعة. آن الأوان أن نستفيد من تجارب الآخرين، خاصة تلك التي جمعت بين النقيضين، العمل المصرفي التقليدي والعمل المصرفي الإسلامي، ونتبناها مرحلياً وندع للسوق الحر والمنافسة الشريفة، وفق منظومة وبيئة تشريعية ورقابية عادلة، أن تحدد أفق النجاح لكل مسار، مع التأكيد على أصل أننا نتعبد الله ونتقرب إليه بتقديم الحلول الإسلامية للعالم الحائر المتخبط في أزماته.
تحدث الدكتور إبراهيم العساف وزير المالية أخيرا عن إصدار صكوك إسلامية في الأيام المقبلة، هل ترى ذلك خطوة باتجاه تعزيز دور المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية في السعودية؟
أعتقد أنه من المهم أن تكون تلك المبادرات ضمن منظومة متكاملة من التشريعات والتطبيقات المكمل بعضها بعضا والآخذة في الاعتبار ما ذكرناه في الإجابات السابقة. المبادرات الجزئية ربما تفتقد المعايير اللازمة لتحقيقها شروط الالتزام الشرعي المعتبرة، ومتطلبات النجاح التسويقي على مستوى واسع، وإلا فإن مسألة وجود عملاء لتلك الصكوك ليس بالأمر العسير حتى إن لم تستوف تلك الصكوك المعايير المعتبرة. نتمنى أن تكون عمليات إصدار الصكوك عملية منظمة بتنظيمات خاصة وتصبح ممارسات وأنشطة فعلية للمؤسسات المالية، لا مجرد استجابات مؤقتة للحاجات الطارئة.
هل الممارسات الفعلية لمؤسسات المصرفية الإسلامية تسهم في حمايتها من آثار أي أزمة مالية قد تحصل؟ وهل هذه الممارسات تعبر عن التطبيقات الصحيحة المتوافقة مع الشريعة الإسلامية؟
لا أعتقد أن التطبيقات في مجملها تمثل الصيغ التمويلية الأكثر توافقاً مع أسس التمويل الإسلامي، بل يجنح معظمها إلى اجتهادات تتعارض مع رأي التيار الأغلب من المختصين بالتمويل الإسلامي، خاصة عند التطبيق. إن سعي المؤسسات المالية الإسلامية لتحقيق الأرباح والمنافسة المحمومة بينها وبين بعضها بعضا، وبينها وبين المؤسسات المالية التقليدية، يدفعها إلى تبني المزيد من التطبيقات المثيرة للجدل لا لشيء إلا لأنها أقل تكلفة ومخاطرة، وهذا التوجه إن استمر، وفي ظل عدم توافر أنظمة وتشريعات ومعايير تضبط تلك التطبيقات، وتضمن توافقها مع المتطلبات الشرعية حين التطبيق، لا يمكن أن تقدم صورة مشرقة للتمويل الإسلامي يمكن أن يحتذى بها، وتكون بديلاً صالحاً لمن يبحث عن الحلول والمعالجات للأزمات الحالية، بل لا يمكن أن تضمن لتلك المؤسسات حماية من مخاطر التمويل وعواصف الأزمات.
في مسيرته نحو العالمية هناك حاجة ماسة لإجراء مراجعة لمسيرة التمويل الإسلامي، ما أبرز الأمور التي على المصرفية الإسلامية مراجعتها وإعادة النظر فيها؟
السعي والمطالبة بتنظيم أعمال هذا القطاع وذلك بإنشاء جهة مختصة ترعى شؤونه وتضع المعايير والتشريعات اللازمة له وتراقب أعماله، والتأهيل الشرعي المناسب للعاملين في هذا القطاع، والتأهيل المصرفي المناسب للشرعيين العاملين في هذا القطاع، وإعداد الكوادر البشرية المؤهلة والمتسلحة بالمعرفة اللازمة بالجوانب الشرعية والجوانب الفنية للعمل المصرفي، وتفعيل الصيغ التمويلية الأكثر توافقاً مع الشريعة الإسلامية، والأجدى نفعاً للنشاط الاقتصادي، والتفاعل والتواصل الإيجابي مع من سبقنا في التقدم في مجال التمويل والعمل المصرفي من أجل الاستفادة من خبراتهم الفنية وتقديم ما لدينا من أسس ومبادئ قويمة وفاعلة في تصحيح ما لديهم من اختلالات بما يعود بالنفع على الجميع.
ثمة خلافات فقهية وأقوال مرجوحة تلجأ إليها مؤسسات المصرفية الإسلامية، كيف تنظر إلى هذه الخلافات وما الآثار العملية المترتبة على ذلك؟
الاختلاف بين الفقهاء ينبغي أن يكون منطلقاً للإبداع وأعمال الذهن في قضايانا المعاصرة وإيجاد الحلول لها، وهو في هذا الإطار محمود وربما مطلوب، لأن الجمود على آراء معينة وقفل باب الاجتهاد، فيما يسع الاجتهاد فيه ليس من خصائص الشريعة الإسلامية الصالحة لكل زمان ومكان. الخلاف المذموم في الاجتهاد الخاص بأعمال المصرفية الإسلامية اليوم، هو ذاك الذي جعل من فقه الاضطرار، الذي كانت الحاجة ماسة إليه في وقت ما لإعانة المصرفية الإسلامية على تثبيت قدميها في ساحة المنافسة الضروس، هو الأصل الذي ينبغي ألا نحيد عنه وإن كان مرجوحاً. آن الأوان للمصرفية الإسلامية أن تأخذ بالعزائم لا بالرخص وأن يتقي الله القائمون عليها من شرعيين ومصرفيين في الأمانة التي يحملونها للعالم أجمع.
هناك دعوة لإنشاء هيئة غير ربحية متخصصة في تقييم المنتجات المالية الإسلامية من وجهة نظر إسلامية مماثلة لشركات التقييم الغربية كيف تنظر إلى أهمية هذه الهيئة؟
في ظني أن هذا توجه مطلوب ومحمود، لكنه يحتاج إلى توافر مقومات مثل هذا العمل الفنية والشرعية، وتوافر الكوادر المؤهلة، والقبول العام لها حتى تستجيب المؤسسات المالية لمتطلباتها وشروطها. وأما ما يخص الخلافات الفقهية فيمكنها اعتماد فتاوى المجامع الفقهية، وتبني معايير واضحة ومستمدة من تلك الفتاوى، ويمكن إعادة عرض تلك المعايير على تلك المجامع لإقرارها حتى تكون أدعى للقبول.