هياكل الصكوك يجب أن تعكس الفروق الجوهرية بينها وبين السندات الربوية
أكد خبراء، أن الصكوك من أهم المنتجات الإسلامية؛ لما تحققه من تمويل يسهم في إنشاء اقتصاد قوي تحتاج إليه الأمة بطريقة المشاركة العامة، وينبغي أن تكون ذات مصداقية عالية في شرعيتها؛ حتى تأخذ كامل الثقة ويقبل الناس عليها باطمئنان؛ ولتحقيق ذلك يجب مراعاة مقاصد الشريعة عند إصدارها، والاهتمام بأن تعكس هياكلها الفروق الجوهرية بينها وبين السندات الربوية.
جاء ذلك خلال ندوة ''الجوانب الشرعية والقانونية والفنية في تطبيقات الصكوك: الإشكالات والحلول'' التي عقدت أخيرا في الإمارات، حيث أكدت على التوصيات الصادرة عن المجامع الفقهية والمجلس الشرعي في هيئة المحاسبة والمراجعة في البحرين من منع التزام المصدر للصكوك بضمان رأس مال حملة الصكوك، أو التعهد بشراء أصول الصكوك بالقيمة الاسمية، أو الالتزام بإقراض حاملي الصكوك، سواء كان تعهدا مباشرا، أم بصور أخرى تؤدي إلى الضمان، ويسري المنع من ذلك على الشركة ذات الغرض الخاص التي تنشأ بضمانه، كما أكد المشاركون أن تكون مستندات الصكوك وتطبيقها الفعلي مطابقة للفتوى الصادرة بشأنها، مع مراعاة وجود تدقيق شرعي بصفة دورية للتأكد من شرعية نشرة الإصدار والعمليات.
وركزت الندوة على الصكوك باعتبارها جانبا مهما من جوانب التمويل الإسلامي، والتي شهدت نموا مضطردا في السنوات الأخيرة، بعد أن دخلت العديد من الدول العربية والإسلامية والغربية سوق الصكوك؛ لما لها من مميزات وفوائد اقتصادية على مستوى الأفراد والحكومات، ودعا المشاركون إلى تفعيل إدارة المخاطر وحماية رأس المال والإفادة من التراث الفقهي في ابتكار وتطوير المنتجات المالية وتفعيل التأمين الإسلامي في مجال عمل الصكوك الإسلامية، وحث المصارف الإسلامية على شحذ ملكة الإبداع لدى العاملين فيها للوصول دائما إلى صيغ تمويلية تحقق المصالح ولا تتجاوز الأصول الشرعية المقررة.
وقال الدكتور عبد الله الخنبشي، مدير جامعة الإمارات والتي استضافت الندوة: إن الصكوك الإسلامية تعد إحدى منتجات الصناعة المالية الإسلامية، حيث شهدت تلك الصكوك نموا استثنائيا في السنوات الست الأخيرة، وأصبحت الشريحة الأسرع نموا في سوق التمويل الإسلامي، وأشار إلى انتعاش نشاط إصدار الصكوك خلال النصف الأول من العام الجاري، محققا أعلى أداء خلال السنوات الأخيرة، وذلك وفق التقارير الاقتصادية، حيث أظهرت الأرقام الخاصة بإصدارات الصكوك استمرار النمو الكبير لها والذي تجاوز 44 مليار دولار، من خلال نحو 240 إصدارا متنوعا حول العالم بالمقارنة مع 19 مليار دولار للنصف ذاته من العام الماضي، وبنسبة نمو نحو 132 في المائة.
وقال الخنبشي: إن التقارير الاقتصادية أشارت إلى أن ما تم إصداره حتى نهاية حزيران (يونيو) 2011، يقارب ما تم إصداره خلال العام الماضي 2010 بالكامل، ما يشير إلى بداية انطلاقة أخرى قوية ومميزة للصكوك خلال هذا العام، وشدد على أهمية الصكوك باعتبارها إحدى الأدوات التمويلية المهمة لتنويع مصادر الدخل، وتوفير السيولة اللازمة للمؤسسات والحكومات التي تحتاج إلى مصادر تمويل طويلة الأجل.
من جهته، أوضح الدكتور جاسم الشامسي، عميد كلية القانون في جامعة الإمارات، أن الصكوك واجهت رغم النمو المضطرد العديد من الإشكالات الشرعية والقانونية والفنية، وهو ما يضاعف أهمية الندوة التي تسعى إلى تحديد تلك الإشكالات وبحثها وإيجاد الحلول المناسبة لها، وقال: إن الندوة تسعى للوصول إلى مخرجات جديدة للعديد من المفاهيم والخطوات الإجرائية الداعمة لمسيرة الاقتصاد الإسلامي، وتستعرض عبر جلساتها التي ستتواصل اليوم عددا من القضايا والتحديات التي تتعلق بإصدار الصكوك وتداولها.
وتناولت جلسات الندوة في يومها الأول، دور الشركات في إصدار الصكوك، ومقاصد الشريعة من إصدارها وتداولها، وضمانات الصكوك وملكيتها، إضافة إلى إشكالية الضمانات والملكية في الصكوك الإسلامية. وتستعرض الندوة في جلساتها اليوم، الصكوك ومعالجة إخفاقاتها الشرعية والقانونية، والمعالجة الشرعية والقانونية لإخفاقات الصكوك من خلال عرض لنماذج عملية، والتصور القانوني والشرعي وأثره على معالجة إخفاقات الصكوك، والصكوك بين النظرية والتطبيق.
وتشير العديد من الدراسات إلى أن التطبيقات الحالية للصكوك الإسلامية لا تحقق المصداقية العالية في شرعيتها ولا تتوافق مع خصائص النظام المصرفي الإسلامي، حيث تنحاز العديد من التطبيقات إلى شكلية العقود على حساب الاهتمام بمقاصد الشريعة، ولا تعكس هذه الهياكل الفروق الجوهرية بينها وبين السندات الربوية، وتقتصر الإجازة الشرعية في بعض التطبيقات على هيكل الصكوك وإجراء التعديلات عليه من قبل الهيئة الشرعية المعنية دون التأكد من تضمين التعديلات في المستندات الكاملة للصكوك.
واعتبر بعض الخبراء أن بعض المجالس الشرعية تغاضت عن شرط إعادة الشراء في الصكوك للسماح بتطور القطاع إلا أن الوقت حان لمراجعة المعايير، كما أكد فقهاء في هيئة المحاسبة والمراجعة في وقت سابق أن نحو 85 في المائة من السندات الإسلامية في الخليج لا تتفق حقيقة مع الشريعة الإسلامية، وتأتي أبرز المخالفات في تطبيقات الصكوك الإسلامية في تعهد المصدر الملزم بشراء أصول الصكوك بقيمتها الاسمية في نهاية مدة المضاربة أو المشاركة أو الوكالة، وكذلك تعهد المصدر الملزم بضمان رأس المال في وثيقة مستقلة عن عقد المضاربة والوكالة أو عقد إصدار الصكوك، أو تعهد المضارب الملزم بإقراض محفظة الصكوك بغرض ضمان توزيعات أرباح بمستوى معين.
وقال الشيخ محمد تقي عثماني، رئيس المجلس الشرعي في هيئة المحاسبة والمراجعة في وقت سابق: إن التعهد برد رأس المال يخالف مبدأ تقاسم المخاطرة والربح الذي يجب أن تقوم عليه هذه السندات، وبدلا من الفائدة يحصل حائزو السندات الإسلامية على عائدات تدرها الأصول الملموسة محل العقد، وأضاف أن نحو 85 في المائة من الصكوك الصادرة في الخليج لا تلتزم على نحو تام بالأحكام الشرعية، ويعود السبب في ذلك إلى وجود بند حول التعهد بإعادة شراء الصك بحسب قيمته الاسمية، وهو ما يضمن أن أية مخاطر حول السداد تظل تتحملها الجهة المصدرة للصك، وليست ضمن الأوراق المالية الصادرة والموجودات الضامنة لها، وعليه فإن إعطاء وعد من هذا القبيل يعد خرقا لمفهوم اقتسام المخاطرة والأرباح، وهو المفهوم الأساسي الذي يقوم عليه مبدأ الصكوك.
وأوصى المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بعد أن بحث موضوع إصدارات الصكوك في ثلاثة اجتماعات، كان آخرها في شباط (فبراير) 2008، بأهمية أن تمثل الصكوك القابلة للتداول ملكية حملة الصكوك بجميع حقوقها والتزاماتها، في موجودات حقيقية، من شأنها أن تتملك وتباع شرعا وقانونا، سواء أكانت أعيانا أو منافع أو خدمات، ويجب على مدير الصكوك إثبات نقل ملكية الموجودات في سجلاته وألا يبقيها في موجوداته، وأشار إلى أنه لا يجوز أن تمثل الصكوك القابلة للتداول الإيرادات أو الديون، إلا إذا باعت جهة تجارية أو مالية جميع موجوداتها، أو محفظة لها ذمة مالية قائمة لديها ودخلت الديون تابعة للأعيان والمنافع غير مقصودة في الأصل، كما لا يجوز لمدير الصكوك، سواء أكان مضاربا أم شريكا أم وكيلا بالاستثمار أن يلتزم بأن يقدم إلى حملة الصكوك قرضا عند نقص الربح الفعلي عن الربح المتوقع، ويجوز أن يكون احتياطيا لتغطية حالة النقص بقدر الإمكان، بشرط أن يكون ذلك منصوصا عليه في نشرة الاكتتاب.
ولا مانع من توزيع الربح المتوقع تحت الحساب أو الحصول على تمويل مشروع على حساب حملة الصكوك، ولا يجوز للمضارب أو الشريك أو وكيل الاستثمار أن يتعهد بشراء الأصول من حملة الصكوك أو ممن يمثلهم بقيمتها الاسمية عند إطفاء الصكوك في نهاية مدتها، ويجوز أن يكون التعهد بالشراء على أساس صافي قيمة الأصول أو القيمة السوقية أو القيمة، فضلا عن ذلك يجوز للمستأجر في التعهد في صكوك الإجارة شراء الأصول المؤجرة عند إطفاء الصكوك بقيمتها الاسمية، على ألا يكون شريكا أو مضاربا أو وكيلا للاستثمار، وشددت التوصيات على الهيئات الشرعية لدراسة الوقائع بشكل عملي، وألا تكتفي بإصدار فتوى لجواز هيكلة الصكوك، بل يجب أن تدقق العقود والوثائق ذات الصلة وتراقب طريقة تطبيقها، وتتأكد من أن العملية تلتزم في جميع مراحلها بالمتطلبات والضوابط الشرعية وفقا للمعايير الشرعية، وأن يتم استثمار حصيلة الصكوك وما تتحول تلك الحصيلة إليه من موجودات بإحدى صيغ الاستثمار الشرعية، كما أوصى المجلس الشرعي المؤسسات المالية الإسلامية بأن تقلل في عملياتها من المداينات، وتكثر من المشاركة الحقيقية المبنية على قسمة الأرباح والخسائر، وذلك لتحقيق مقاصد الشريعة.
كما أوصى المؤتمر الدولي الأول للصكوك الذي عقد في البحرين في آذار (مارس) 2008 في اختتام أعماله بضرورة تسهيل المناقشات بين أطراف صناعة الصكوك، خاصة بين فقهاء الشريعة والبنوك المركزية، ووجوب أن تكون هذه الصناعة مهيأة للتوسع إلى أسواق جديدة من خلال تطوير منتجات صكوك مدعومة بأصول في هيئات اختصاص غير إسلامية، وأكد أن هذه الصناعة يجب أن تعزز دورها في قطاعات معينة مثل قطاع الطاقة المتجددة، وشدد على ضرورة تطوير أدوات صكوك جديدة، حيث يكون أداء الصكوك مربوطا بالأصول وهو ما يشبه التوريق، وأشار إلى أن الأسواق في حاجة إلى إصدارات حكومية من الصكوك الإسلامية بتواريخ استحقاق متنوعة، مع ضرورة إصدار تشريعات تساعد الأسواق على نمو سوق الصكوك الإسلامية، وإجراء تنسيق وعقد حلقات نقاش مفتوحة على مستوى اللجان الشرعية في البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية؛ للوصول إلى صيغة تخدم مسألة هيكلة الصكوك، وأخيرا طالب البنوك المركزية بدور في تطوير منتجات مقبولة إسلاميا بعكس الأدوات التقليدية؛ لأن صناعة الصكوك الإسلامية تعاني نقاط ضغط وتفتقر إلى الإبداع.