مكة المكرّمة متعثرة صناعياً .. الحجاج يشترون الهدايا المستوردة
قدر مختصون في اقتصاديات الحج والعمرة في مكة المكرمة، الدخل الإجمالي للمحال التجارية المتخصصة في بيع الهدايا التذكارية، بأكثر من 3.6 مليار ريال خلال موسم الحج، مشيرين إلى أنه بالرغم من قلة عدد هذا النوع من المحال مقارنة بالقطاعات الأخرى، إلا أن أغلبية محال الأخيرة تتحول خلال موسم الحج إلى محال تزاول نشاطاً مؤقتا يتخصص في بيع الهدايا التعبيرية لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة رغم أنها في الأغلب تكون مستوردة وليست مصنوعة في الداخل.
ويرى المختصون، أن تعثر صناعة الهدايا في مكة وخاصة تحت مبادرة "صنع في مكة"، والتي دعا إلى تفعيلها الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، ضمن الخطة الاستراتيجية للمنطقة، يعود إلى عدم وجود التمويل للمشاريع، والمواقع القادرة على احتضانها، وعدم وجود مصانع متخصصة لها، مشيرين إلى أن في مكة المكرمة أكثر من 30 أسرة يبلغ متوسط عدد أفراد الأغلبية منها بين 4 و5 أفراد ونحو 10 – 11 فردا لعدد قليل من تلك الأسر، والتي تعد لديها الخبرة الكافية في المجال والقدرة على تأمين احتياجات الحجاج من العدد المرغوب توفيره.
#3#
وقدر الدكتور عابد العبدلي أستاذ الاقتصاد الإسلامي في جامعة أم القرى والمتخصص في اقتصاديات الحج، إجمالي الإنفاق على شراء الهدايا التذكارية بنحو 3.6 مليار ريال.
ويرى المتخصص في اقتصاديات الحج، أن الإنفاق على الهدايا من البنود الرئيسة في ميزانية الحاج ولا سيما حجاج الخارج نظرا لخصوصية هذا النوع من السلع وحرص الحجاج على اقتنائها والعودة بها إلى بلدانهم وذويهم كذكرى لأدائهم هذه الشعيرة المهمة، مفيداً بأن هناك اهتماما متناميا في قطاعات التجزئة بهذا النوع من السلع، حيث يلاحظ انتشارها بكثافة ولا سيما مع قرب موسم الحج وكذلك العمرة خلال رمضان، ويلاحظ ذلك من خلال تحول كثير من المحال التجارية إلى أنشطة بيع سلع الهدايا ذات الطابع الديني.
#2#
وانتقد العبدلي، نوعية وجودة منتج الهدايا وبلد تصديرها، حيث قال: "مع الأسف فإن نسبة كبيرة من هذه المواد يتم استيرادها من الخارج، ويتم تصنيعها خصيصا للمواسم الدينية، رغم أن هذا القطاع يوفر فرصة استثمارية للإنتاج المحلي، خصوصا أن الاستطلاعات الميدانية السنوية للحجاج تشير إلى تفضيلهم الهدايا المصنعة محليا"، مستدركاً أن قدوم الحجاج من مختلف الدول إلى مكة المكرمة ينشئ طلباً ملحوظا على الريال السعودي لتغطية نفقات الحج، وهذا يشكل موردا مهما للدولة من العملات الأجنبية ولا سيما الرئيسية منها.
من جهتها، قالت عائشة نجمي سيدة أعمال ومتخصصة في تنظيم معارض الأسر المنتجة: "مع الأسف كنا جميعاً نود أن نرى تطبيق مبادرة صنع في مكة وأن نكون شاهدين على انطلاقتها من جوار الحرم المكي، إلا أننا ومع الأسف لم نجد الجهات التي تقدم التمويل لإحياء هذه المبادرة من خلال إنشاء المصانع وتدريب الفتيات وإيجاد المواقع الثابتة لعرض المنتجات"، مبينة أن الأيدي العاملة متوافرة، ففي مكة على وجه الخصوص يوجد أكثر من 30 أسرة منتجة، يبلغ متوسط عدد أفراد معظمها بين 4 و5 أفراد، بينما فئة قليلة منها يصل عدد أفرادها إلى نحو 10 – 11 فردا لكل عائلة".
وأوضحت نجمي أن الأيدي العاملة المتوافرة في مكة المكرمة الآن هم في أمس الحاجة إلى إيجاد مثل هذه الوظائف، التي من خلالها يمكن أن تتم صناعة هدايا في المراحل الأولى تستهدف السوق المحلية وتغطي حاجة القادمين من الخارج لزيارة مكة أو لأداء نسك العمرة أو الحج، وفي المرحلة التالية تصل إلى مرحلة التصدير وهي تعمل العلامة الأبرز لبلد التصنيع التي تتجه إليها في كل يوم ولخمس مرات أفئدة أكثر من مليار مسلم حول العالم.
وترى نجمي، أن الدعوات التي تبادر بها بعض الجهات ليست إلا كالمثل القائل "نسمع جعجعة ولا نرى طحنا"، حيث إن هناك من يحاول أن يبرز على حساب المبادرة دون أن يكون له دور في تفعيلها، مستدركة أنه في مجال التمويل فقد تقدمت إلى بنك التسليف منذ أكثر من عشرة أشهر لتدشين مشروع متخصص في تدريب الفتيات على حرف قد تكون جديدة على السوق النسائية، إلا أن موعد القرض ما زال يأخذ مراحل التأجيل من شهر إلى آخر ولعدة مبررات مختلفة، وهو الأمر الذي ما زالت تنتظره رغم تأجيل الموعد مجدداً إلى مطلع السنة المقبلة.
وأكدت نجمي، أن نسبة البضائع المستوردة من الخارج تفوق بكثير حجم البضائع المصنعة في الداخل والتي لا تصل إلى مستوى المواد المستوردة من حيث دقة التصنيع أو جودة المنتج، وذلك لاعتماد أغلبية البضائع المحلية على الصناعة اليدوية في ظل عدم وجود المصانع المتخصصة، إلا أنها أيضاً ترى أن البضائع المستوردة لا تخلو من الغش أو المبالغة في أسعارها ومحاولة ترويجها بين صفوف الحجاج في سبيل البحث عن المكسب السريع دون النظر إلى قدسية مكة التي قد لا يلقي لها الوافد بالاً.
وتابعت نجمي: "الحجاج والمعتمرون يأتون وهم مستعدون لدفع النقود، وللشراء من هذه المدينة المقدسة، فبالتالي ذهابهم إلى هؤلاء التجار غير الأمناء على تجارتهم، وتعريض الحجاج والمعتمرين والزوار لعمليات الغش والغبن، يسيء إلى ثقافة مكة المكرمة، لأن الحاج أو المعتمر عندما يكتشف هذا الغش لن يقول التاجر الفلاني غشني، ولكن سيقول حتما تجار مكة يغشون، ويغبنون في البيع، وبالتالي تأتي الإساءة إلى ثقافة مكة الاقتصادية والدينية من هذا المنظور".
وترى نجمي: "أن الأسر المنتجة في مكة المكرمة تعتمد على البازارات التي تمتد ما بين يومين وثلاثة أيام، ويراوح فيها دخل الأسر التي تقدم المنتج الجيد ما بين 500 و1000 ريال، بينما هناك أسر تقدم منتجات لا تكون ذات مواصفات تؤهلها للبيع، وهو ما يجعل صانعيها لا يتمكنون من بيع معروضاتهم"، مشيرة إلى أن أغلب أفراد الأسر المنتجة هم أيضاً بحاجة إلى تلقي دورات توعوية وتثقيفية في مجال التسويق والتعامل في البيع والشراء والتعامل مع المتسوقين.
وتشير خلاصة آراء الاقتصاديين في التقرير إلى أن الثقافة الاقتصادية والدينية للبائع والمشتري في مكة المكرمة يوجد فيها خلل كبير، وهو متمثل في عدم مصداقية البائعين، الذين يمثل الأجانب الشريحة الكبرى منهم، في بيع البضائع المقلدة على أساس أنها أصلية، مستغلين الثقافة الدينية التي تحويها مكة المكرمة، وبالتالي تصديق الحاج فيما يبيعه، وكذلك ثقافة الحاج الذي لا يلام في هذا الجانب، وهو المتصور أن البيع والشراء في مكة المكرمة يخلو من الغبن أو الغش.
كما أنهم يؤيدون المطالبة بإيجاد مفهوم حقيقي لصناعة الحج والعمرة في مكة المكرمة، وإيجاد صناعة تختص بمكة، وهو ما دعا إليه أمير منطقة مكة المكرمة بضرورة تفعيل صنع في مكة، حيث من المؤسف أن تجد تمثال الكعبة أو المسجد الحرام يصنع في دول أجنبية، وهو الذي من المفترض أن تتم صناعته في مكة المكرمة، لكي يكون تذكارا منبعه "صنع في مكة".
وأعلنت أمانة العاصمة المقدسة، عبر بيان صحافي لها صباح أمس، أنها هيأت الأوضاع كافة لحجاج بيت الله الحرام عقب عودتهم من المشاعر المقدسة، وبعد أن من الله عليهم بأداء فريضتهم في أمن وأمان، حيث قامت الأمانة بتهيئة الأسواق التجارية والمحال الغذائية بتشكيل عديد من الفرق الميدانية لمتابعتها أولا بأول.
وقامت جميع البلديات الفرعية بتقسيم وزيادة عدد الفرق الميدانية وتوزيعها على مختلف المناطق والأحياء السكنية التي يوجد فيها الحجاج بكثافة عالية مع تكثيف أعمال النظافة لإزالة المخلفات أولا بأول.
#4#
وقال الدكتور أسامة بن فضل البار أمين العاصمة المقدسة: "جميع المرافق وأماكن الخدمات والأسواق التجارية في جاهزية تامة، وإن الفرق الميدانية تعمل خلال هذه الأيام على مدار 24 ساعة لمراقبة الأسواق والمحال الغذائية والبسطات الموسمية والتأكد من استيفائها الاشتراطات الصحية كافة".
وتشير إحصائية للأمانة إلى أن إجمالي عدد المحال في العاصمة المقدسة يبلغ نحو 287 مركز تسويق وأكثر من 18 ألف محل تجاري، وذلك إضافة إلى نحو 33 ألف محل تجاري وغذائي منها 2590 بقالة و1245 محل وجبات خفيفة و400 محل جزارة ودواجن وأسماك و669 مطعما و408 مخابز وأفران و198 مطبخا، إضافة إلى عديد من مصانع التعبئة ومحطات المياه وصوالين الحلاقة وثلاجات المواد الغذائية والصيدليات وغيرها، وذلك عدا المحال والمباسط الموسمية التي صرحت لها الأمانة للعمل خلال الموسم والبالغ عددها أكثر من 2200 محل ومبسط مختلفة النشاطات.