السعودية تأخذ زمام المبادرة كأكبر سوق تكافلية في العالم
حققت سوق التأمين التكافلي في السعودية تقدماً ملحوظاً بحسبما ذكره بعض الخبراء في مجال التأمين في السعودية ومنطقة الخليج، حيث أكدوا أن السوق تسير بشكل أسرع مما كانت عليه في السنوات الماضية، الأمر الذي يترتب عليه احتمالية عودة السعودية لأخذ زمام الأمور كأكبر سوق تكافلية في العالم حيث تجاوزت 8.8 مليار دولار خلال عام 2010.
#2#
وبلغ حجم سوق التأمين في السعودية 16.4 مليار ريال (4.37 مليار دولار) عام 2010 مقابل 14.5 مليار ريال (3.86 مليار دولار) عام 2009 مرتفعة بنسبة قدرها 12.2 في المائة ومحتلة المرتبة الثانية بين أسواق التأمين العربية بعد سوق الإمارات، وذلك بعد مضي خمس سنوات من صدور نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني عام 2004، وتنظيم السوق وتولي الرقابة على نشاط شركاتها من قبل مؤسسة النقد السعودي.
وفي الوقت الذي تسجل فيه العديد من أسواق التأمين العربية والخليجية تباطؤاً فإن السوق السعودية ستكون حالة استثناء بحسب بعض الخبراء، وستحافظ على زخمها لأسباب استقرار الأمن وتوسع السوق وشمول التأمين الإلزامي عدداً من المصالح التجارية الجديدة، فضلاً عن استمرار تطبيق التأمين الصحي الإلزامي، وتأمين الأخطاء الطبية، والمشاريع الهندسية، وكذلك تأمين المركبات.
وأكد في هذا الصدد الدكتور فهد العنزي عضو مجلس الشورى لـ "الاقتصادية" أن وضع التأمين في السعودية مستقر وبعيد عن الأزمات التي حصلت في العالم، وهو مرتبط بالوضع الاقتصادي في السعودية والذي يعيش ازدهاراً ملحوظاً في مختلف المجالات. ويأتي ذلك في ظل تطور قطاع الإنشاءات والبناء في المملكة، حيث أدى ذلك إلى تطور وازدهار قطاع التأمين الهندسي خاصة في عقود المقاولات الحكومية، نظراً للحركة العمرانية وكثرة العقود الحكومية التي تشهدها السعودية.
وأضاف العنزي أن التنظيمات والتشريعات في السعودية دعمت سوق التأمين، ومن ذلك نظام التأمين الصحي التعاوني والتشريعات المتعلقة بذلك والتي صدرت منذ فترة، كما أن المملكة يُنظر لها كسوق جاذبة للتأمين التكافلي والذي يعد من أفضل أنواع التأمين الذي يتناسب مع طبيعة المجتمع في السعودية عبر توافقه مع التعاليم الإسلامية، ولذلك يجد القبول خاصة فيما يتعلق بتأمين الحماية والادخار.
وقال العنزي: يُنظر للسعودية مستقبلاً أن تكون رائدة للتأمين التكافلي في العالم. وفي الوقت الحالي لدينا تجربة مثالية للتأمين التكافلي في ماليزيا التي تعد رائدة في هذا القطاع على مستوى العالم. ويُتوقع للسعودية أن تسحب البساط من تحت ماليزيا مستقبلاً خاصة بعد تطوره وظهور مميزات جديدة لمنتجات التكافل، وكذلك زيادة الوعي في التأمين، كما أن أغلب جهات الدولة والمؤسسات الرائدة في السعودية تقوم بتأمين ممتلكاتها. وأسهم ذلك في تحريك الكثير من قطاعات التأمين خاصة قطاع تأمين المباني والمنشآت، إضافة إلى تأمين الطاقة بحكم أن السعودية من أكبر الدول المصدرة للطاقة، وكثير من شركات التأمين استشرفت هذا القطاع وبدأت التحرك من خلاله. وأكد أن الكثير من مجالات التأمين في المملكة واعدة وجديدة، وهي في حاجة إلى منتجات رائدة وخبرة من الشركات في هذا المجال.
وأشار العنزي إلى أن الكثير من شركات التأمين العالمية تضع عينها على قطاع التأمين السعودي والخليجي مع عدم استطاعتها الدخول إليه، وهو ما دفع بعضها إلى طرح منتجات تأمين من خلال شركات محلية باسم هذه الشركات العالمية. ورغم أن ذلك يمثل مخالفة للأنظمة القانونية في السعودية، إلا أنه يدل على مدى جاذبية سوق التأمين السعودي لديها.
وحول نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني، والترخيص لأكثر من 30 شركة تأمين في السعودية وفق متطلبات اللائحة التنفيذية للنظام، ومساعدة ذلك على تنمية التأمين التعاوني في السعودية، أكد العنزي أهمية النظام، حيث إن تنظيم السوق يتلمسه الجميع، إلا أن الملاحظة تتعلق بعدد شركات التأمين الذي يعد كبير جداً، إذ إن طرح شركات التأمين بهذا العدد يضر بالسوق.
ودعا العنزي إلى إعادة النظر في وضع هذه الشركات وتشجيع حركة الاندماج بينها، حيث يتم تلافي هذا العدد من خلال تفعيل سياسة الاندماج، وسيتكون من خلال ذلك اندماج القدرات المالية والإدارية والفنية لهذه الشركات، حتى تستطيع منافسة الشركات الكبرى الموجودة في السوق والتي لها قدم وباع في هذا المجال.
وفي ظل توقع خبراء أن تتحالف صناعة التكافل في السعودية مع الصكوك في السوق المحلية، وأثر ذلك في سوق التكافل في السعودية، قال العنزي إن شركات التأمين مثل البنوك تتلقى الأموال من العملاء، وتحتاج إلى توظيفها في مجالات استثمارية كالسندات أو الصكوك وما شابه ذلك، لكن لا ننسى أن اللائحة التنفيذية تقيد شركات التأمين بنسب معينة للاستثمار في الصكوك والسندات. وأضاف أنه إذا كان المقصود بالصكوك الأوراق المالية فلا شك أن شركات التأمين ستدعم نشاط الصكوك الإسلامية في السعودية، وسيكون لسوق الصكوك نصيب من استثمارات شركات التأمين.
من جانب آخر، اعتبر العنزي وجود منتج رائد يتعلق بالتأمين الادخاري ويتم ربطه بالصكوك الإسلامية، يُمثل دعماً لهذا النشاط، وذلك إذا أُخذ في الحسبان أن التأمين الادخاري ليس تأمينا بالمعنى الدقيق للكلمة ولكن يأخذ معنى الادخار المالي، والذي قد يُنظر له بحساسية على أنه ليس من المعاملات الشرعية، ولذا فإن وجود حل شرعي في الصكوك الإسلامية سيعزز من هذا المنتج.
وحول أبرز التحديات والعوائق التي تواجه سوق التكافل في السعودية خلال المرحلة المقبلة، أكد العنزي أن أهم العوائق هو عدم وجود تنظيم للتأمين التكافلي أو التعاوني بالمعنى الموضوعي للكلمة، حيث لا توجد قواعد موضوعية قانونية لهذا النوع من التأمين، كما لا يوجد فهم للتأمين التكافلي بشكل دقيق حتى من قبل المهتمين بالتأمين أو العاملين في مجال التأمين، ويتضح ذلك من خلال الخلط الحاصل بين التأمين التكافلي والتعاوني أحياناً.
وحول إمكانية تعرض شركات التكافل في السعودية والخليج لهزات وأزمات مالية، قال العنزي إن قطاع التأمين في السعودية بعيد عن حصول أزمة مالية، وذلك لأن التأمين مؤشر لقياس المستوى الاقتصادي في الدول، وشركات التأمين في السعودية توجه نشاطاتها إلى الاقتصادات والأنشطة المحلية والتي يعتبر وضعها مطمئنا ومزدهرا.
من جهته، أكد الدكتور عمر زهير حافظ - المستشار المالي لـ "الاقتصادية"، أن أبرز التحديات والعوائق التي تواجه قطاع التكافل في السعودية هو تحقيق مفهوم "التأمين التكافلي" بالمعنى الاصطلاحي للكلمة، واعتبر أن سوق التأمين في السعودية ليست تكافلية بالمعنى الاصطلاحي للكلمة والمعروف لدى شركات التكافل في العالم، وإنما هو تأمين تجاري بموجب اللائحة التنفيذية الصادرة عن مؤسسة النقد العربي السعودي. وأكد ذلك ديوان المظالم في وقت سابق، حينما لم يوافق على استئناف بعض القضايا المحالة إليه بموجب نظام مراقبة شركات التأمين بحجة أنه تجاري وليس تعاونيا.
وقال حافظ: إن نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني لم يساعد على تنمية التأمين التعاوني "التكافل" في السعودية، وذلك لأنه ليس تأمينا تعاونيا بالمعنى الاصطلاحي والمعروف لدى شركات التأمين التعاوني والتكافلي خارج السعودية. وأضاف أن التأمين التكافلي كما يراه على حقيقته هو الذي صدرت بخصوصه قوانين تنظيمية في الإمارات عام 2010 تحت اسم "قانون التأمين التكافلي"، وكذلك ما صدر في عام 1405هـ بمرسوم ملكي كريم أصدر بموجبه "النظام الأساسي للشركة الوطنية للتأمين التعاوني".