مشاهد خالعة
من أهم ما يميز عصر الإعلام الاجتماعي هو أنه لا يترك مجالا لأحد أن يخطئ دون أن يحاسبه أو يتندر عليه أو يعاتبه عتابا شديدا، فالهاشتاغ كما يعرف في موقع تويتر أصبح بعبعا يظهر مع كل تصرف أو قول يرى فيه مجموعة من الناس وإن كانت صغيرة أنه خروج عن المألوف أو تجاوز غير مقبول، بينما نجد في الفيسبوك أشكالا مختلفة من الوسائل التي تستخدم لنقد أو نقاش أو مشاركة الغير الروابط أو الأفكار التي أثارت الاختلاف أو أججت المشاعر.
خلال الأسبوع المنصرم ناقش مستخدمو الشبكات الاجتماعية الخطأ الذي وقعت فيه قناة MBC MAX التلفزيونية التابعة لمجموعة MBC والتي عرضت صبيحة يوم الإثنين فيلما بعنوان Into The Wild تضمن مشاهد وصفها المتابعون والمعترضون بأنها "مشاهد خالعة" ووصفتها القناة في بيان اعتذارها بأنها "مشاهد قصيرة وصفت بأنها غير لائقة" حيث طالب هؤلاء بمقاطعة القناة والتي قال عنها البعض إنها تبث السموم في النشء في حين قال عنها آخرون أنها تعمل بشكل مخطط لإفساد المجتمعات العربية والإسلامية وهي اتهامات أصبحت تطلق بشكل مستمر على أي قناة أو وسيلة إعلامية تخالف رأي مجموعة متفقة على رأي معين.
القناة في بيان اعتذارها أوضحت أنها فتحت تحقيقا لمعرفة أسباب بث ذلك الفيلم بنسخته غير الممنتجة علما بأنه وكما جاء في البيان سبق للقناة أن بثت الفيلم ذاته مرارا من قبل بنسخته الممنتجة دون أن يشهد أي اعتراضات من المتابعين، وهو الأمر الذي يفتح الباب للتساؤلات حول الكيفية التي يتم فيها بث المواد على القناة دون مرورها بقنوات تضمن الجودة من جهة وتضمن مطابقة المحتوى للخطوط العامة التي من المفترض أنها موجودة ومعمول بها كدليل مرجعي لمحتوى القناة.
شخصيا ليس لدي اعتراض على قيام تلك المجموعات بالمطالبة بمقاطعة القناة أو المطالبة بالاعتذار أو الدفع نحو فتح تحقيق داخلي ومحاسبة من تسبب في هذا التجاوز غير المقبول لهؤلاء المعترضين ولكن لدي إشكال في مسألة عدم النظر للأمر من منظور اجتماعي أشمل، فالمطالبة بعدم ظهور هذه المشاهد كونها تأثر سلبا في النشء هو أمر صحيح ولكني أستغرب في الوقت ذاته سكوت الأصوات ذاتها عن تجاوزات هذه القناة وغيرها عند بثها لأفلام يظهر فيها القتل وكأنه عمل الأبطال وتسال الدماء وكأنه أمر عادي وهو ما خلق لدى الجيل الناشئ في عصرنا هذا تبلدا غير سوي تجاه فكرة القتل والإجرام.
قد يقول أحدهم إن القتل لم يعد أمرا مستهجنا كما أتصوره وأصوره أنا، ففي ظل أجواء الحروب هنا والثورات والبطش هناك أصبح الطفل يشاهد الأخبار مع والده دون أن تتحرك فيه مشاعر الخوف الطفولي، فنحن نعيش اليوم في زمن "تلفزيون الواقع" الذي يحتاج في كل مرحلة أن يتفوق على المرحلة التي سبقتها في الجراءة والمباغتة وإحداث الصدمة لدى الجمهور، وما صور القتل التي تنقلها لنا قنوات الأخبار إلا تمرين عملي لتحويل مشاعل الطفل إلى تبلد من كل خوف واشمئزاز.
لا بد من أن يكون هناك توازن في مطالباتنا في حماية مجتمعاتنا من الأخلاقيات غير المقبولة اجتماعيا، فالمشاهد الخادشة تلامس الروح الإنسانية المتعددة الأوجه والتي يجب أن تصان لنحفظ إنسانيتنا من أن تتحول إلى ماكينات تسيرها مؤثرات خارجية لا حول لنا بالتحكم فيها ولا قوة.