تجربة مؤلمة مع المنافذ الحدودية

تعتبر المنافذ الحدودية بمختلف أصنافها إحدى أهم الواجهات الحضارية للدول؛ فهي تمثل التجربة الأولى للقادمين إلى أية دولة، وعنوانا لما تمثله هذه الدولة ومواطنوها من قيم ومثل وما تملكه من إمكانات. والسعودية بمساحتها الشاسعة ومنافذها المتعددة بين برية وبحرية وجوية تواجه كثيرا من التحديات في هذا المضمار، خاصة أنها تعد قبلة المسلمين الأولى، ويقصدها الملايين منهم بمختلف وسائل النقل لأداء مناسك الحج والعمرة، علاوة على أنها مقصد اقتصادي واستثماري مهم للعديد من رجال الأعمال والعاملين الذين يأتون إليها من مختلف أنحاء العالم.
حديثي اليوم يلخص تجربة شخصية خضتها مع أحد المنافذ البرية على حدود المملكة، ويهدف إلى توجيه الانتباه إلى مجموعة من الملاحظات والمشاهدات التي سجلتها في هذه التجربة، والتي كانت على وجه التحديد في منفذ سلوى الحدودي مع قطر الشقيقة، والتي اصطحبت أسرتي إليها في زيارة قصيرة في إجازة عيد الأضحى المبارك، أعاده الله على الجميع بالخير واليمن والبركات. ومع أن هذه المشاهدات تخص هذا المنفذ على وجه التحديد، إلا أنني أثق أنها تمثل حالة عامة مع جل المنافذ البرية، اللهم إلا فيما يخص المنفذ الحدودي مع البحرين، ربما لأنه يدار من قبل مؤسسة متخصصة ورائدة هي مؤسسة جسر الملك فهد؛ وهو ما يبرز إمكانية تكرار هذا النموذج المؤسسي الرائد لإدارة المنافذ البرية في المملكة.
الملاحظة الأولى تتعلق بحالة المنشآت في هذا المنفذ، وأنا لا أدري في الحقيقة ما عمر هذه المنشآت أو متى تم بناؤها؟.. ولكن أقل ما يقال عنها إنها أقل بكثير مما تستحقه وتمثله المملكة بإمكاناتها المادية بصفتها الدولة النفطية الأولى في العالم. منشآت هذا المنفذ تعاني حالة مزرية من التهالك والتدهور، جدرانها مليئة بالشروخ والتشققات بما يؤكد أنها تعاني نقصا وإهمالا فادحَين في الصيانة الدورية وجودة البناء، علاوة على أنها صممت بطريقة لا تحقق سلاسة الحركة المرورية في المنفذ، خاصة أن عدد مسارات الخدمة لا يزيد على خمسة مسارات، في الوقت الذي يضم الجانب القطري من المنفذ ثمانية مسارات تحقق مزيدا من السلاسة في الحركة. أكبر دليل على ذلك أن إجراءات الخروج من قطر استغرقت أقل من عشر دقائق، فيما استغرقت إجراءات عبور الجانب السعودي من المنفذ أكثر من ساعة كاملة للعدد ذاته من السيارات العابرة، وللقارئ الكريم أن يتصور ما يكون الحال عليه في مواسم الحج والعمرة التي تشهد أعدادا غفيرة من السيارات العابرة، وكم يمكن أن يستغرق إنهاء إجراءات العبور في المنفذ بهذا الواقع الذي يعيشه. الغريب أن كثيرا من المرافق التي يضمها المنفذ تشغل مباني متنقلة مؤقتة تفتقر إلى أبسط مكونات التجهيزات الفنية والمكتبية التي تؤهلها لأداء المهام المنوطة بها، بما في ذلك مكتب مديرية الشؤون الصحية التي يفترض بها أن تضم عيادات الفحص الطبي للقادمين إلى المملكة، وأهمهم القادمون لأداء مناسك الحج والعمرة. أما حالة دورات المياه في المنفذ فهي لا تحتاج إلى كثير من التعليق، وهي في الحقيقة لا تختلف كثيرا عن حالة دورات المياه في استراحات الطرق التي انبرت ألسنة الناس من الشكوى من حالتها المتردية التي لم تجد لها سبيلا للعلاج حتى الآن.
الملاحظة الثانية تتعلق بالتعاطي مع النساء المسافرات أثناء إنهاء إجراءات الجوازات في المنفذ، فالنساء المتحجبات والمنقبات اللائي لا يردن كشف وجوههن لموظفي الجوازات عليهن الترجل من سياراتهن والذهاب إلى مكتب جانبي منزو لإجراء عملية مطابقة الجواز للسيدات من قبل موظفات إدارة الجوازات. الاعتراض هنا ليس على طبيعة الإجراء، ولكن على الطريقة التي تجبر فيها أولئك النسوة على السير بين السيارات المصطفة بطريقة مهينة، والاصطفاف في طوابير خارج مقر المكتب الذي لا يتسع إلا لعدد قليل منهن؛ وهو ما يوقع ويسبب مزيدا من التأخير جراء انتظار السيارات في مسارات الحركة لعودة النساء بعد إتمام عملية المطابقة. في الجانب القطري رأيت سيدات يعملن في نوافذ الخدمة لإنهاء إجراءات السفر للمسافرين العابرين، وهو ما يجعلني أتساءل عن السبب الذي يمنع وضع موظفات الجوازات في الجانب السعودي في مكاتب محتجبة على مسارات الخدمة بشكل مباشر؛ حتى لا تضطر النساء المسافرات للترجل من السيارات والسير بينها للذهاب إلى ذلك المكتب الجانبي، وهو ما يمكن أن يكون وسيلة لخلق فرص وظيفية للفتيات المقيمات في المدن المتاخمة للمنافذ الحدودية.
الملاحظة الثالثة تتعلق بسلوكيات الموظفين في المنفذ، فكثير منهم لا يرتدي الزي الرسمي بالشكل الملائم، وربما كان بعضهم يرتدي زيا آخر بخلاف الزي الرسمي. والأدهى من ذلك أنك يمكن أن ترى موظفا في نافذة الخدمة وهو يدخن أثناء قيامه بمهام عمله في مخالفة صريحة وفاضحة لمبدأ منع التدخين في أماكن العمل الرسمية في المؤسسات الحكومية. والمشكلة هنا ليست فقط في صلب المخالفة، ولكن هذا الموظف المدخن يواجه جمهورا من المسافرين من مختلف الأجناس والأعمار، ولا أدري ما هو النموذج الذي يقدمه للأطفال المرافقين لآبائهم وهو يدخن وهو على رأس العمل وبالزي العسكري الرسمي. وأنا أسوق هذه الملاحظة ليس على سبيل التعميم، ولكن وجود نماذج مخلة بين أولئك الموظفين العاملين في المنافذ الحدودية يتطلب معالجة حاسمة وحازمة؛ حتى يكون موظفو المنافذ الحدودية عنوانا للمواطن السعودي الملتزم بالأنظمة والتعليمات.
خلاصة القول، الملاحظات والمشاهدات التي سجلتها في تلك التجربة تتطلب تدخلا وتعاطيا جادا من قِبل إدارات الجمارك والجوازات؛ حتى تكون منافذنا عنوانا للرقي والرخاء الذي رفعته قيادة هذه الدولة شعارا وراية لها. وكل ما أرجوه أن يقوم المسؤولون على الأجهزة المختصة ذات العلاقة بزيارة هذه المنافذ والوقوف على هذه الملاحظات وغيرها مما يشتكي منه المسافرون، آملا ألا تكون العقبة أمام ما نرجوه من معالجة في هذه المرة، كما هي في كل مرة، مخصصات وزارة المالية ونظام المشتريات الحكومية العتيد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي