«التجارة» تواكب حراك الزائرين أمام مشهد التاريخ في «أحد»

«التجارة» تواكب حراك الزائرين أمام مشهد التاريخ في «أحد»

مع وصوله إلى الفندق المعد لاستقباله ، يبدأ زائر المدينة المنورة في رسم خريطة طريق لأهداف طالما وضعها في حسبانه وهو يتجه إلى مدينة تتوق لها نفوس المؤمنين بين نحو مليار مسلم في أنحاء المعمورة.
في المدينة المنورة يبدو المسجد النبوي كقلب الجسم الديني والسياحي والاجتماعي ، لذا يبدو التفكير في الأطراف أكثر استغراقا، حينها تتوزع أفكار الزائر حول الأحق بأولوية الزيارة بعد أن يصلي ما شاء في مسجد الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ويزور قبره وقبري صاحبيه ـ رضي الله عنهما.
هنا تتجلى لأغلبية الزوار أهمية أن يحظوا ببعض الوقت أمام أحد أبرز المشاهد التاريخية التي عرفتها عاصمة الإسلام الأولى، وأن يقتربوا أكثر من أماكن جغرافية لامسها عن قرب "جيل الصحابة " الجيل الذي طبع فجر الدين الجديد المبشر بدين إبراهيم الحنيف، لذا ليس لك أن تستغرب رؤية الدموع وهي تداعب أعين الزوار أمام مقبرة الشهداء المحاذية لجبل أحد.
أمام جبل أحد، تتوافد الأفواج الزائرة بدءا من الصباح الباكر، تمتد أمامها البسطات والأسواق الشعبية لتواكب حراكا متزايدا تعرفه هذه الفترة من فترات الحج أو ما يعرف هنا في المدينة المنورة بالموسم الثاني (أي موسم ما بعد الحج)، إذ وصل مع منتصف الأسبوع الأول منذ انتهاء موسم الحج نحو 200 ألف حاج من مكة في موسم يتوقع أن تصل فيه أعداد الزوار إلى 856 ألفا قبل أن ينتهي موسم الحج في منتصف الشهر الهجري القادم ( الشهر الأول من العام الجديد).
لا يمكن التفريط في مثل هذا النوع من الزيارات كما يقول حاجان فلسطينيان من ضيوف خادم الحرمين الشريفين الذين وصلوا إلى المدينة المنورة قبل أيام متحدثين عن الأهمية التاريخية لجبل أحد وما يحويه من رموز، حيث الجبل جبل من جبال الجنة كما جاء في الحديث الشريف، وحيث المكان يحوي قبر سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ـ رضي الله عنه ـ، وحيث الأحداث التي عرفها المكان تاريخا يسترجع ما فيه من عبر ودروس تصلح لكل العصور.
بعض الزوار لا يكتفون بالمشاهدة والدعاء أمام سور المقبرة التي زينت باللوحات الإرشادية التي تدعو لآداب زيارة المقابر بعيدا عن الغلو والابتداع ، لكن الشاب السعودي خالد الحربي الذي يعمل موسميا في الصور التذكارية للزوار يروي بعض القصص التي تشير إلى الهيام بهذه البقعة التي وردت بالفعل أحاديث في فضلها، غير أن الحربي رأى بعينه كثيرا من الزوار الذين ينكبون على الأرض ليأخذوا من تربتها.
هذه الحال من الصور المبالغة في تقديس المكان لطالما كانت مثار جدل فقهي بين من يطالب بمراعاة الأصول الفقهية وبين من لا يتوانى عن تعظيم المكان تعظيما لصاحبه على اعتبار أن من يرقد في المقبرة هو سيد شهداء الأرض حمزة بن عبد المطلب "أسد الإسلام وعم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلمـ " إضافة إلى عدد من صحابة رسول الله ـ رضي الله عنهم ـ الذين استشهدوا في معركة أحد التاريخية التي حدثت في شوال من عام ثلاثة للهجرة (سنة 625 للميلاد).
ورغم أن أغلب الزوار يقدمون لهذا المكان ( جبل أحد ومقبرة الشهداء) لأسباب دينية بحتة، إلا أن الأسباب العلمية لا تغيب أبدا مع حب الاستطلاع والمعرفة للمواقع التاريخية إذ تمتد سلسلة جبال أحد لتشكل شبه حلقة أمام الزائر المتجه شمالا من المسجد النبوي حيث تبعد نحو خمسة كيلو مترات فيما يتوسط المزار جبل صغير يعرف بجبل الرماة وهو الجبل الذي حول فيه القائد خالد بن الوليد المعركة التاريخية لصالح مشركي قريش على جيش النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ بعد أن انهمك فريق من جيش المدينة بجمع الغنائم بدلا من حفظ مواقعهم القتالية في الجبل الصغير المطل على السهل الذي وقعت فيه المعركة.
ورغم أن المكان شهد الهزيمة القاسية لجيش المسلمين بقيادة النبي الكريم الذي فقد مجموعة من أفضل أصحابه وفرسانه إلا أن الأحاديث النبوية تشير إلى جبل أحد باعتباره "جبلا من جبال الجنة" وأنه "جبل يحبنا ونحبه" الأمر الذي يفسر محبة الزوار للمكان.
ومع التوافد الكثيف للزوار تنتشر الأسواق الشعبية محاولة الاستفادة من هذا الحراك فيما ينشط بعض الباعة ومقدمو الخدمة للزوار لنيل بعض الفائدة المادية من هذا الحراك، ويقوم بعضهم ببيع المياه فيما يقدم بعضهم خدمة التصوير للذكرى، في حين يستفيد البعض من السمعة التجارية الجيدة لبعض منتوجات المدينة ليقدمها للزوار كما يفعل الشاب السعودي عوض الحسيني الذي يبيع تمر العجوة المدينية للزوار وهو التمر الذي نال شهادة النبي الكريم في فائدته في مكافحة بعض أمراض النفس والجسد.
ويشير الحسيني إلى أن ما يضمن جودة المنتج هو فقط أمانة التاجر لا شيء سواه، فالتاجر وحده يعرف فقط: هل أن ما لديه هو بالفعل من تمر العجوة المدينية أم لا، لافتا إلى أن بعض العمالة غير السعودية تبيع كيلو تمر العجوة بثمانين ريالا إلى ستين في أدنى الأحوال، في حين يبيعها هو بأربعين ريالا كونه يأتي بها مباشرة من المزرعة. إذن تبدو رحلة الحج من بدايتها وحتى نهايتها محاطة بالمنافع الدينية والدنيوية وهي كذلك اختبارا للنفوس في دينها ودنياها كما يقول حاج سعودي من منطقة القصيم في إجابته عن تساؤل حول قدرته على التمييز بين ما يعرض من معروضات وما يقدم من معلومات سواء كانت دينية أو تجارية، إذ يشير إلى أن الأهم دائما هو اتخاذ العبرة واستنطاق الدروس حين الزيارة لمزار ديني أو محل تجاري.

الأكثر قراءة