الجمعة, 9 مايو 2025 | 11 ذو القَعْدةِ 1446


الإعلان الحقيقي الأول لحقوق الإنسان

(أهمية استمرارية التربية مع التعليم) كان هذا هو عنوان المقالة السابقة، حيث أشرنا إلى أن العملية التعليمية فقط دون منهجية تربوية موازية ليست سوى نوع من سكب المعلومات من فم المعلم إلى إذن المتعلم وليس للمتعلم هنا خيار أن يقبل أو يرفض تلقي هذه المعلومات. وهو الأمر الذي يُلغي الفائدة المرجوة من هذه المعلومات. وعلى المعلم أيضا أن يحافظ على علاقته بالمتعلم متوازنة تحوي مزيجاً من الهيبة والمحبة، كما يجب ألا ننسى أن من أسباب فشل الكثير من خريجي المدارس والكليات ممن لا يجدون عملاً أو الذين لا يوفقون في اجتياز المقابلات التي تتم توطئة للتوظيف هو ضعف أو قلة الجرعات التربوية التي حصلوا عليها أثناء دراستهم في جميع المراحل الدراسية وخاصة المرحلتين الابتدائية والمتوسطة. وسنكمل ما تبقى في الحلقة القادمة، ولكن اسمحوا لي تحية وترحيباً بضيوف الرحمن في موسم الحج فلعلي أجدها فرصة مناسبة أتحدث فيها عن حقوق الإنسان التي وردت في:
خطبة الوداع
لا جرم أن فريضة الحج هي من أركان الإسلام الخمسة التي يجب على المسلم أداؤها إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً. ومن روعة الإسلام أن ترى هذه الحشود الكبيرة التي ما زالت تتدفق منذ القرون الأولى آتون من كل فج عميق، ميممين وجوههم شطر البيت العتيق كل عام، ومتحملين كل الصعوبات والأهوال التي يتعرضون لها وخاصة في قديم الزمان. واستمرت الجموع في السير نحو مكة المكرمة منذ أن أذّن خليل الله إبراهيم عليه السلام بالحج إلى يوم القيامة. ومن أروع صور الحج أن ترى - وخاصة في عرفات - الجموع الكبيرة في صعيد وزي وهدف واحد يدعون الله راجين مغفرته، ويباهي الله تعالى ملائكته وهو ينظر ـــ عز وجل ـــ إلى عباده في تجمعهم الكبير في عرفات وهم حاسرو الرؤوس مبتهلين إلى الجبار طمعاً في مغفرته وخوفاً من عذابه فيغفر القدير جل جلاله للكثير ممن يشاء من عباده. وفي الحج يتعلم الحاج كيف يتحمل المشاق وهو يتنقل مع رفاقه من مشعر إلى آخر، حاملاً أو مشغولاً بمتاعه، صابراً على حرارة الجو أو برودته، متقبلاً ومتعايشاً مع كل هذا الزحام، متعاملاً مع إخوانه المسلمين من مختلف الأجناس والثقافات، وحريصاً على حسن التعامل معهم واحترامهم، ومحافظاً على تجنب الرفث والجدال في الحج، متفادياً كل ما يؤدي إلى جرح أو بطلان حجه، ومستحضراً على الدوام الرسالة الأسمى والأكبر للحج (توحيد الله وطاعته)، مستعيذاً بالله من وسوسة الشيطان وهمزاته، وواضعاً في الاعتبار أن جميع إخوانه المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ممن لم يتيسر لهم الحضور لأداء هذا المنسك العظيم، يظلون متابعين للحجاج في جميع المشاعر وهم يلبون ويضحون ويصومون وخاصة في يوم عرفات ولا يأخذون شيئاً من شعرهم ولا من أظافرهم، يدعون الله أن يتقبل حجهم، وأن يعودوا لديارهم سالمين غانمين وقد غفرت ذنوبهم وحُطت خطاياهم. فالأحرى بالمسلمين أن يتفقهوا في دينهم وأن يدركوا الحكمة العظيمة والرسالة المهمة وراء فريضة الحج المقدسة فيكونوا أكثر صبراً وأحسن تعاملاً مع جموع الحجيج، وأكثر اهتماما بالطهارة والنظافة، والآن مع:
النبي محمد ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ وخطبة الوداع في عرفة
لأهمية وعظمة هذه الخطبة فقد سُميت حجة البلاغ أو الوصية النبوية، قال ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ: (إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث (كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل)، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا وربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله)، وفي الحلقة (198) نكمل ما تبقى من هذه الخطبة العصماء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي