لماذا سكن العمال أحياء وسط المدينة؟

إن سكن العمال في أحياء وسط المدن ظاهرة سلبية من مختلف النواحي التخطيطية والاقتصادية والأمنية على المدينة وسكانها. فأحياء وسط المدينة يجب أن تكون نقاط جذب سياحي، ونشاط اقتصادي، ومنطقة مميزة تعبر عن هوية المدينة وعن إرثها التاريخي والثقافي والعمراني الذي يباهي به سكانها ويفخرون. ولكن كثيراً من أحياء وسط المدن لدينا تحولت إلى مناطق متدنية عمرانياً وثقافياً واجتماعياً وكذلك اقتصادياً؛ لكونها أصبحت مراكز لتجمع العمالة ومناطق سكن لهم، بل محاضن لاحتواء الجريمة وتفريخها. فما الذي أوصل بعض أحياء وسط المدن لدينا إلى هذه الحال؟ على الرغم من أن غالبها مخدوم بشبكات الكهرباء والمياه والهاتف والصرف الصحي، مع السفلتة والرصف والإنارة، وبها كثير من مباني الخدمات العامة؟ إن السبب عائد إلى انتقال السكان الأصليين من تلك الأحياء ذات المساكن الصغيرة إلى أحياء الفيلات السكنية الكبيرة والحديثة، فانتقالهم منها أوجد فراغاً سكنياً يستلزم الإحلال، فتم إحلالها في البداية بالأسر ذات الدخول المنخفضة من المواطنين المهاجرين من مناطق المملكة الأخرى أو من المقيمين، ولكن مع زحف العمالة عليها هجرتها الأسر وأصبحت تلك الأحياء مستوطنات لمجموعات من العزاب بخلفيات ثقافية واجتماعية مغايرة للمجتمع.
ولأن من خصائص العديد من أحياء وسط المدينة التقليدية أنها شكلت بأسلوب يوفر أكبر قدر من الخصوصية لساكنيها بشوارعها الضيقة وغير النافذة، فأصبح ـــ نتيجة لذلك ــــ دخول هذه الأحياء واختراقها غير ممكن لغير سكانها، وهو جانب إيجابي عمل على إيجاد أكبر قدر من الترابط الاجتماعي والتواصل بين الأسر المقيمة فيها في الماضي، ولكن تشكيل هذه الأحياء أصبح عنصراً سلبياً بعد انتقال العمالة للسكن فيها، فقد أصبحت ملاذات آمنة يصعب معرفة ما يدور فيها أو اختراقها من قبل رجال الأمن، وسهلت على العمالة عملية التنقل بين المساكن المتلاصقة والفرار منها في حالة مداهمة قوات الأمن لها. لذا أصبحت أحياء وسط المدينة السكنية بيئة ملائمة لاحتضان الجريمة بمختلف أنوعها مثل: (أعمال التزوير، وتصنيع المنتجات الغذائية الفاسدة، وتصنيع المسكرات، وترويج المخدرات، والدعارة، وغيرها من الأعمال الإجرامية)، كما أنها أصبحت ملاذاً ومرتعاً للعمالة الهاربة أو المتخلفة عن المغادرة بعد انتهاء فترة إقامتها النظامية.
ويلزم لمعالجة مثل هذه المشكلة البدء أولاً: بإنشاء مناطق سكنية خاصة بالعمالة حول المناطق الصناعية، تصمم وتنفذ بمفهوم استثماري لهذا الغرض، وإلزام الشركات والمؤسسات جميعها بإسكان عمالتها فيها. والعمل بعد ذلك على إيجاد برامج أو مشاريع تعمل على تطوير هذه المناطق بأسلوب يجمع شتات الملكيات الصغيرة والمتفرقة وتحويلها إلى مشاريع تهدف إلى إحياء أهمية وسط المدينة بأنشطة ثقافية وترفيهية وتجارية وخدمية وسكنية متكاملة شبيهة بمشروع جبل عمر في مكة المكرمة أو غيره من المشاريع التطويرية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي