«فوتوشوب» واس
من أهم مميزات أي وسيلة إعلامية مكتوبة كانت أو مرئية أو مسموعة هي مصداقيتها ومهنيتها في نقل الخبر والحدث دون أن تقحم فيه أي رأي أو تعليق قد يؤثر بأي طريقة كانت في فحوى وحقيقة الموضوع المنقول، وهذا الأمر بطبيعة الحال ينطبق على تلك الوسائل التي يطلق عليها تقليدية مثل الصحف والتلفزيونات ووكالات الأنباء أو تلك الحديثة التي تتمثل في الإعلام الإلكتروني بمنصاته المختلفة الاجتماعية منها والإخبارية.
في الأسبوع الماضي قامت وكالة الأنباء السعودية بتجاوز مهني أعتقد أنه يدلل إلى حد كبير على أن هناك خللا واضحا في الكيفية التي يتم بها اعتماد المواد الصحافية من أخبار وصور وإرسالها لوسائل الإعلام، إضافة إلى وجود ضعف واضح في تطبيق ضمانات جودة تكفل النوعية المهنية ذات المصداقية، التي تحتم أن تكون هناك آليات واضحة للتأكد من خلو المواد المرسلة من أي اجتهادات شخصية قد تؤدي لفقدان وكالة أنبائنا الرسمية شيئاً من المصداقية في عالم إعلامي لم تعد الإمكانات المالية هي المسبب الأساسي للتميز بقدر أهمية السرعة في إيصال الخبر ومصداقية مصدره ووصوله لأكبر قاعدة جماهيرية ممكنة.
قامت الوكالة بتوزيع صورة مركبة ومشغولة بالفوتوشوب للأمير مشعل بن عبد الله بن عبد العزيز أمير منطقة نجران يظهر في خلفيتها طريق عام وعاملا نظافة يقومان بكنس الطريق من مخلفات عمليات حفر وإنشاء، الصورة الموزعة هذه أتت ضمن تغطية الوكالة للزيارة الفجائية التي قام بها لمرافق ومشاريع حيوية تابعة لإمارة المنطقة، وذلك بهدف التأكد من سير العمل فيها ولمعالجة جميع العقبات التي قد تواجه عمليات الإنجاز.
الأمر المستغرب وغير المفهوم حتى الآن من هذا التلاعب الفني هو أن الزيارة لم تحتج له في الأساس، فقد تمت الزيارة بالفعل وقد التقطت ووزع عدد لا بأس به من الصور التي تثبت وتوثق الزيارة، كما أن هناك صورة حقيقية ضمن الصور الموزعة التي تظهر الأمير مشعل في الشارع ذاته ولكن من زاوية أخرى، وبالتالي لم أتمكن من معرفة السبب الذي يدعو الوكالة لقيامها بالتلاعب بالصورة ومحاولتها نقل واقعة من منظور غير حقيقي بطريقة تطرح للمتابع ألف علامة استفهام وتضع كل الجهد الذي قامت به محل تشكك ونقد.
وربما المضحك في الأمر والدليل الذي كشف التلاعب هو خطأ قامت به الوكالة ذاتها عندما قامت بتوزيع الصورة الأصلية التي أخذت منها صورة الأمير مشعل فأصبحت المقارنة بين الصورة المركبة والصورة الأصلية أمرا غاية في السهولة، وساعد على كشف الحقيقة التي لا يمكن لأي عاقل يملك عينين إلا أن يلاحظها.
الصحف السعودية التي نشرت الصورة المركبة سارعت بحذفها من مواقعها الإلكترونية في حين بقيت للتاريخ لتلك الصحف التي استخدمتها في نسختها الورقية دليلا للأبد على ضعف التدقيق وفداحة الخطأ الذي تقع فيه وسائل إعلام تنقل الخبر والصورة دون تحقق بصرف النظر عن المصدر، وهو أمر يدلل لحد كبير على عمل هواة أكثر منه عمل محترفين.
معظم الوكالات العالمية تمنع الصحف من التلاعب في صورها، بل هناك وكالات أنباء تمنع بصرامة حتى نشر صورها مبتورة الأطراف، بينما في المقابل نجد حالة نادرة أمامنا تتمثل في وكالة رسمية تقوم بتوزيع صورة لمسؤول حكومي رفيع، وقد أجرت تعديلا جوهريا، حيث خلقت بذلك واقعا هو في ذاته من نسج خيال المصمم والمسؤول الذي قرر أن يتجمل.
يجب أن تتنبه وكالة أنبائنا الوطنية من الوقوع في مثل هذه الأخطاء الفادحة، التي إن لم يصيبها توبيخ رسمي فإن التوبيخ الشعبي لن يرحمها في عصر "الهاشتاغ" وفي عالم "جوجل" الذي يكشف بعملية صغيرة من (نسخ ولصق) في مربع البحث كل تلاعب فني مهما كان، فالوكالة هنا مطالبة أولا بالبحث داخليا عن الأسباب التي أدت لهذا التجاوز المهني الذي يفقد الوكالة شيئا من مهنيتها، وثانيا عليها أن تقوم بإجراء تعديلات في آلياتها التي تضمن الجودة والالتزام بأسس العمل المهني المحترف، لأن الاستمرار في نهج كهذا سيدخلها دون إرادتها عالم إعلام الهواة، وهو الأمر الذي لا يليق بوطن بحجم بلادنا الغالية.