الإسكان بين القطاعين الحكومي والخاص
يلعب القطاع الخاص دوراً مهماً وبارزاً في إنتاج السلع وتوفير الخدمات بما فيها الإسكان لجميع المستهلكين والمستخدمين الذين تتوافر لديهم المقدرة المالية الكافية للإنفاق. أما الأسر التي لا تستطيع دفع قيمة المنتج أو الخدمة مع الأرباح المتوقعة؛ فإنها تستبعد من الحصول على كثير من المنتجات والخدمات المقدمة من قبل القطاع الخاص بما فيها الإسكان، أو يجدون أنفسهم مجبرين على دفع نسبة كبيرة من دخولهم للحصول على المنتج أو الخدمة بما فيها المسكن الملائم، وهو ما يؤدي – من ثم - إلى التأثير في جوانب الصرف الأساسية الأخرى من (تغذية، وصحة، وتعليم)، فيتردى – في الغالب - مستواهم المعيشي والصحي والتعليمي وربما السكني. وتظهر سلسلة متتابعة من التدهور تجعل نسبة من تلك الأسر غير منتجة وغير مفيدة لمجتمعها وإنما تعيش عبئاً عليه. ومثل هذا السيناريو هو ما يستدعي التدخل الحكومي الرشيد الذي يمنح الأسر ذات الدخول المنخفضة، وكثيرا من الأسر ذات الدخول المتوسطة، الفرصة للحصول على المسكن الملائم، إلى جانب الخدمات الصحية والتعليمية وفرص توفير العمل؛ لتمكينهم من تطوير أنفسهم، وبناء ذاتهم ليصبحوا أعضاء منتجين في مجتمعهم.
ومن الأخطاء المنتشرة في عملية التدخل الحكومي محاولة إنتاج المساكن وتوفيرها بوصفها منتجاً نهائياً للمواطنين؛ لأنه فيما عدا بعض الأمثلة الناجحة لمشاريع الإسكان الحكومي في دول ذات خصائص متفردة مثل (سنغافورة وهونج كونج)؛ فإن التجارب قد أثبتت فشل هذا الأسلوب، وعجزه عن توفير الإسكان الملائم بالجودة المناسبة والتكلفة المعقولة وبالأعداد الكافية؛ لإن إدارة عملية الإنتاج بشكل كامل والتحكم في الجودة وخفض التكلفة يصعُب بل قد يستحيل على المؤسسات الحكومية المعنية بالإسكان؛ لذا فإن استحداث برامج التمكين الإسكاني وتفعيلها، وتعديل مسار البرامج القائمة، وتلافي الخلل فيها؛ سيمكِّن نسبة كبيرة من المواطنين من الحصول على المسكن وامتلاكه. إن التجربة السعودية قد أظهرت أن برنامج منح الأراضي السكنية وقروض صندوق التنمية العقارية قد ساهما بشكل ناجع في معالجة مشكلة الإسكان على نطاق واسع وبجودة أفضل وتكلفة أقل، مع تحقيق احتياجات المستفيدين وتلبية رغباتهم خلال السنوات الأولى من تطبيقهما. ولكن بعض الأخطاء المصاحبة لتطبيق البرنامجين تتطلب إجراء عملية مراجعة وتصحيح لضمان أن يصل الدعم الحكومي الإسكاني إلى الأسر ذات الدخول المنخفضة، وأن يصب في الغرض المخصص له، وتجنب أن يتحول الدعم الحكومي لغير غرضه الأساسي، مثل: تحول بعض منح الأراضي السكنية في الماضي (خصوصاً تلك البعيدة عن العمران أو التي لا تتوافر فيها مرافق وخدمات) إلى سلعة يحصل المستفيد منها - بشكل مباشر - على القليل من السيولة المالية، بينما تتحول إلى فرصة استثمارية جيدة للمستثمرين القادرين على الانتظار حتى اقتراب العمران وتوافر الخدمات والمرافق.
إن هدف الدعم الحكومي لقطاع الإسكان يجب أن يوجه لتوفير الإسكان لذوي الدخول المنخفضة وبعض ذوي الدخول المتوسطة، من خلال مجموعة من السياسات الحكومية التي تعمل على:
- إيجاد برامج تمكين فاعلة ومقننة لمساعدة المستأجرين للتحول إلى ملاك.
- سنّ قوانين لمنع المضاربة في سوق الإسكان.
- تنظيم قطاع التأجير وضبطه لمصلحة المستأجر والمؤجر للتحكم في ميزان العرض والطلب وضمان استقرار السوق.
- دعم القطاع الخاص وتشجيعه للمساهمة في توفير إسكان معتدل ومنخفض التكلفة.
إن العمل بمبدأ الشراكة الحكومية مع القطاع الخاص لتوفير الإسكان لذوي الدخول المنخفضة والمتوسطة، من خلال تقديم التسهيلات والامتيازات والدعم الحكومي لشركات التطوير الإسكاني الكبرى وكذلك صغار المطورين ومؤسسات الإسكان التنموي والخيري؛ يدفع بالقطاع الخاص إلى المشاركة في حل مشكلة الإسكان، خصوصاً أن القطاع الخاص يستطيع إدارة الإنتاج وخفض التكاليف بفاعلية أكثر من القطاع الحكومي، فالقطاع الخاص يمتلك قدرة إدارية أقوى، ويستطيع إدخال تقنيات بناء أحدث، وتوظيف مهارات متخصصة أفضل، لا تجد الحكومة – في الغالب – البنود التي تسمح لها بدفع تكلفتها.
وأخيراً، إن دعم القطاع الخاص للمشاركة في توفير الإسكان يفتح مجال التنافسية والفاعلية، ويوسع مجال الإنتاج، ويعمل فوق ذلك على خفض التكلفة.