مختصون: إصدار السعودية صكوكا بالريال يعزِّز تمويل المشاريع الضخمة
أكد مختصون أن تخطيط السعودية لإصدار صكوك بالريال السعودي يعكس اهتمام حكومة المملكة بتنوع استثماراتها ومحاولة جذب شرائح متنوعة من المستثمرين، حيث سيلعب ذلك دوراً فاعلاً في تعزيز منظومة العملية التمويلية للمشاريع السيادية الضخمة، وتؤدي إلى تخفيض الضغوط التضخمية في الاقتصاد الوطني، وأضاف المختصون أن هيئة سوق المال وبالتعاون مع الجهات ذات العلاقة معنية بإصدار منظومة تشريعية متكاملة للأوراق المالية بما فيها الصكوك، وذلك من أجل حماية الحقوق وتعزيز الثقة بالإصدارات المحلية من الصكوك.
وأشارت مصادر صحافية إلى أن محادثات عالية المستوى تجري بين مؤسسة النقد السعودي وعدد من البنوك المحلية والعالمية التي لها عمليات في المملكة بشأن إصدار صكوك بالريال السعودي في محاولة لبناء منحنى للعائد بالعملة المحلية، حيث يُتوقع طرح إصدار في الربع الأول من العام المقبل.
وأكد في هذا الصدد الدكتور إبراهيم صالح العمر عميد كلية الاقتصاد والإدارة في جامعة القصيم لـ ''الاقتصادية'' أن السيولة الكبيرة التي تتوافر في المملكة على مستوى الأفراد والشركات وكذلك القطاع المصرفي تبحث بطبيعة الحال عن مجالات استثمارية لتشغيلها حتى لا تتآكل بفعل التضخم، وتعتبر الصكوك السيادية لتمويل المشروعات الحكومية والمشروعات العامة ذات الطبيعة الاستثمارية مجالاً رحبا ومناسباً وضرورياً لاستقطاب السيولة الفائضة لدى قطاعات الفائض المختلفة، ونبه العمر على الشروط اللازمة لنجاح إصدار وتداول هذه الصكوك وهي اقتصارها على صكوك المشاركة والإجارة وليس سندات الدين، ووجود تمثيل صارم وقوي لحملة الصكوك وجهات رقابة معتمدة لها، وتوافر سوق ثانوية مناسبة لمثل هذه الصكوك، وأضاف العمر أنه في هذا الحالة سيكون لها دور فاعل في تعزيز منظومة العملية التمويلية للمشاريع السيادية الضخمة، وستؤدي إلى تخفيض الضغوط التضخمية في الاقتصاد الوطني بفعل تدوير السيولة في مجالات استثمارية منتجة، كما ستعزز من فرص نجاح المؤسسات الخاصة والشركات ومؤسسات التمويل بفعل طرح أدوات استثمارية جديدة، وذلك كبديل لتنافس القطاع المصرفي نحو ضخ السيولة في تمويل القطاع الاستهلاكي، كما حذر من الارتباط بوكالات التصنيف الدولية التي تقيِّم المؤسسات والأدوات المالية في الدول النامية بغير الموضوعية أحياناً.
وحول أهمية إصدار الصكوك بالعملة المحلية قال العمر إن الريال يتمتع باستقرار نسبي مدعوم بثبات في السياسة النقدية وسعر الصرف مقابل عملة الاحتياط العالمي الأوسع انتشاراً، ما يمنح أي إصدارات مالية بالريال ومنها الصكوك عامل جذب يعتمد على الزخم المالي الكبير للجهة المصدرة لهذا النوع من الصكوك، كما سيوفر بطبيعة الحال أداة نقدية لدى مؤسسة النقد يمكن استخدامها وبمرونة أكبر في السياسة النقدية للتحكم في حجم السيولة الوطني.
كما يعتبر العمر أن تمويل المشاريع الحكومية عن طريق الصكوك أفضل من التوجه للاحتياطيات لانخفاض التكاليف في الإصدار من جهة، ولاستثمار الاحتياطي المالي السعودي في الأسواق العالمية من جهة أخرى، وذلك بالنظر إلى العوائد المباشرة على الاستثمار والعوائد غير المباشرة على الاقتصاد المتزايدة محلياً، وحجم مخاطر الاستثمار المالي المتزايدة عالمياً بفعل الأزمات المالية المتتابعة التي تعصف بأسواق النقد والمال العالمية.
وأكد العمر أن هيئة سوق المال وبالتعاون ذات العلاقة يجب عليها العمل على إصدار منظومة تشريعية متكاملة للأوراق المالية بما فيها الصكوك، حيث تمنح الاطمئنان للمستثمرين وتمنع التحايل والتلاعب للمصدرين، ما يكفل الحقوق ويعزز من الثقة في الإصدارات المحلية من الصكوك، في ظل سوق ضخم لا يخلو من تجارب مريرة من العمل المالي والاستثماري غير المنظَّم ونتائجه على المستويين الفردي والكلي، وفي مقابل تجارب مضيئة عندما توجد تشريعات وأنظمة يلتزم بها المصدرون والمكتتبون والمتداولون في ظل رقابة صارمة.
وبحسب العمر، فإن سوق الصكوك العالمية يُعاني بحكم حداثة نشأته وعدم وجود مرجعية مالية إسلامية قوية ذات سلطة شرعية أو أدبية عليه، من غياب منظومة متكاملة تشريعية في الداخل كما هي في الخارج، وإن كانت النظم التشريعية العالمية المرنة سرعت من نمو سوق الصكوك العالمي بخلاف الوضع محلياً. كما اعتبر اختلاف الفتاوى في الصكوك المصدَّرة يشكل عائقاً أمام نمو هذا القطاع والذي يشهد فوضى علمية في مجال الفقه المالي لغياب المرجعية التنظيمية للإصدارات المالية الإسلامية والتمويل الإسلامي بشكل عام، وأضاف رغم وجود مرجعية فقهية لكن سلطتها الأدبية تغلب على سلطتها التشريعية ولا يعول عليها في بناء الأنظمة المالية القوية للدول، الأمر الذي يُحتم على البنوك المركزية وأسواق المال باعتبارها أجهزة حكومية أن يكون لها دور بارز في تقنين المعايير الشرعية للأدوات المالية الإسلامية، كما يجب إدراج المعايير الشرعية ضمن أنظمة ولوائح الأدوات المالية على مستوى المؤسسات والهيئات المشرفة على أسواق المال بديلاً عن الاعتماد على السلطة الأدبية للمجامع الفقهية والهيئات الشرعية المختلفة.
وفي ظل المقومات الاقتصادية التي تمتلكها المملكة، قال العمر إن الخطوات الأساسية كي تكون السعودية مركزاً مالياً للصكوك يتمثل في توفير الإطار التشريعي والتنظيمي للإصدار والاكتتاب والتداول، والتوصيف والتقييس للصكوك الإسلامية بما في ذلك المعايير المالية والشرعية والمحاسبية لإصدارها وتداولها وتنضيدها، وتوفر الإمكانية لنظام رقابي صارم لجميع المراحل السابقة واللاحقة لإصدار الصكوك. وغني عن البيان، بحسب العمر، أن توافر البيئة التقنية القوية للأنظمة المالية سريعة التطور يمثل أحد المقومات الرئيسة التي تتوافر في السعودية، كما أن وجود المجامع الفقهية وتعدد اللجان الشرعية والجهات العلمية المعنية بالتمويل الإسلامي بصفة عامة وشرعية الأوراق المالية يمثل إحدى الميزات التنافسية للاقتصاد السعودي الجديرة بالاعتبار، مع الأمل الكبير في إعادة هيكلتها ليكون لها مرجعية نظامية تمتلك سلطة إصدار معايير شرعية كتلك المحاسبية والمالية في المؤسسات الحكومية المعنية في مؤسسة النقد أو هيئة سوق المال بحسب الاختصاص، وليس بعيداً عن ذلك الاهتمام بالكوادر البشرية المهنية المتخصصة في الأدوات المالية الإسلامية والتمويل الإسلامي.
من جانبه، قال بدر عبد العزيز العمر المستشار في المصرفية الإسلامية إن إيجاد أداة مالية إسلامية ممثلة في الصكوك تعكس اهتمام حكومة المملكة في تنوع استثماراتها ومحاولة جذب شرائح متنوعة ومختلفة من المستثمرين، وأضاف أن أي إصدار لأي ورقة مالية في حقيقته دعم للعملة المصدر فيها، واختيار الريال السعودي لهذا الإصدار تأكيد لملاءة الريال وقوته، كما اعتبر أن أي مشروع تنموي تتبناه الحكومة ويكون تمويله من خلال طرح عام هو في حقيقته إشراك للمستثمر في مسيرة التنمية وللاستفادة من ميزانية هذه المشاريع (الممولة بالصكوك) في مشاريع تنموية أخرى، أو في توسيع مشاريع قائمة، خصوصاً أن لدى الدولة استيعابية لمزيد من الدين الداخلي لكن لا بد من الإشارة إلى ضرورة وضوح ورقة الطرح من حيث المدة والعائد المتوقع والمعلومات التفصيلية الأخرى لهذا الطرح.
وحول أهمية وجود لائحة خاصة بطرح الصكوك في السوق السعودية يعتقد العمر أن العزم على البدء في مثل هذا الطرح تسبقه خطوات أساسية عدة أبرزها: إعداد البيئة القانونية والتشريعية الواضحة للصكوك، والذي سيكون له الدور الكبير في جذب المستثمر إضافة إلى التصنيف العالي لتقييم هذا الصك، وأكد في هذا الصدد أن عدم وجود تشريعات واضحة في السوق السعودية هو أهم أسباب إصدار بعض الشركات السعودية الصكوك من خارج السعودية.
ومن جهة اختلاف فتاوى الصكوك المصدَّرة وما يشكله من عوائق أمام نمو هذا القطاع، قال بدر العمر: من المعلوم أن الاستثمار في هذه الصكوك من قبل البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية يسبقه عرض وموافقة من قبل الهيئات الشرعية في كل جهة على حدة، فلا يتصور أن يستثمر فيه من قبل المؤسسة المالية الإسلامية إلا بعد الإجازة الشرعية لهيكلة هذا الطرح، وفي تصوري أن إيجاد قرار شرعي يكون متفقا عليه من قبل الهيئات الشرعية العاملة في المملكة أدعى في قبول هذا الطرح لدى المستثمرين، خصوصا أن موضوع الصكوك من المواضيع التي قتلت بحثا ودراسة من الناحية الشرعية.
وفي ظل المقومات التي تمتلكها السعودية أكد أن وضوح البيئة القانونية والتشريعية من أهم العوامل الأساسية كي تكون المملكة مركزاً مالياً للصكوك، إضافة إلى الهيكلة الشرعية الواضح والمتفق عليها من أهل الاختصاص.