أيعقل أن 68 % من المستثمرين يلجأون للفساد؟!
كم كانت صادمة لي نتائج الدراسة التي طالعتنا بها الصحف المحلية خلال هذا الأسبوع كأحد أبرز دراسات منتدى الرياض الاقتصادي، حيث لم أصل إلى قناعة تؤكد لي صحة ما جاء في نتائج الدراسة، لأن أكثر ما تم الاطلاع عليه هو ملخص الدراسة المنشور في عدد من الصحف، ومن أبرزها ''الاقتصادية'' في عددها 6644.
يقول التقرير إن دراسة أعدها منتدى الرياض الاقتصادي توصلت إلى أن 68 في المائة من المستثمرين في السعودية يلجأون لأساليب غير نظامية لتسهيل أعمالهم. هذه الأساليب يمكن إدراجها تحت مفهوم الفساد وضرب لها الأمثلة بالرشوة والواسطة والتحايل، وأن نحو 56 في المائة من المستثمرين المحليين يرون أن القضاء التجاري ضعيف وعائق استثماري. كما نشرت الدراسة أن نسبة المستثمرين الذين يعتقدون أن أسلوب تعامل موظفي الدولة يعد عائقاً استثمارياً زاد بنسبة 25 في المائة عمّا كانت عليه في عام 2005 لتصل إلى 64 في المائة.
لن أدافع عن هيئة الاستثمار، ولكن من المعروف علميا أن تعميم نتائج الدراسات على مجتمع ما يحتاج إلى عناية خاصة، فلا يمكن أن تعمم نتائج دراسة حالة لم تتجاوز 1 في المائة من المجتمع لتكون ممثلة عن مجتمع كامل. أيضا فإن التعريفات التي بُنيت عليها الدراسة، لم توضح لنا ما هو ''الفساد'' من وجهة نظر الدراسة. إضافة إلى عديد من الأمور التي يمكن أن تطرح لمناقشة الدراسة واستيضاح طريقتها البحثية.
الأمر الصادم حقا ''إن صحت الدراسة''، كيف لنا أن نوفق بين دراسة تقول إن 68 في المائة من المستثمرين يلجأون للفساد في إنجاز معاملاتهم في هيئة الاستثمار، في حين أن الهيئة كانت تتغنى بتحقيقها المركز 11 ضمن 183 دولة في التصنيف العالمي من حيث سهولة أداء الأعمال - وفقاً لتقرير ''ممارسة أداء الأعمال'' عام 2010 - الصادر عن مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي، مع العلم أني لم أجد هذا الرقم أيضا في تقارير المنظمة، بل كانت السعودية تحتل المرتبة 13 على مستوى 183 دولة في عام 2010، وفي تقرير 2012 تحتل المرتبة 12. ويمكن الرجوع للتقارير من خلال الرابط http://www.doingbusiness.org/data/exploreeconomies/saudi-arabia?topic=tr....
أعتقد أن وجود مثل هذه التناقضات وإبرازها إعلاميا، سيكون في مصلحة البلد - بإذن الله - حيث إن إلقاء حجر في المياه الراكدة سيجعل الجميع يُقلب في هذه المياه حتى تعالج. الفساد بأي المصطلحات أمر لا يخلو منه مجتمع بشري سواء كان في أبشع صوره، كسرقة المال العام وسوء استغلال السلطة، أو في أرق المعاني من وجهة نظر المتساهلين كالواسطة.
العلاج يأتي أولا من الاعتراف بالمشكلة ووجودها. ثم بالتشخيص السليم لها، بعد ذلك وصف الأدوية والمعالجات الناجعة. مهما يكن قاسيا ما جاء في دراسة منتدى الرياض الاقتصادي، إلا أن السكوت عن هذا الأمر يعد جريمة في حق الوطن، وتسكين هذه القضية بالمسكنات أيضا سيؤخر اكتشاف المشكلة حتى يتورط المجتمع بأكمله.